رد: الاعلام الفلسطينيون في الموسوعة الفلسطينية : الجزء الرابع
محمد بن إدريس الشافعي ( 150 _ 204 هجري ) ( 767 _ 819 م )
أبو عبد الله، وينسب إلى جده شارع وينتهي نسبه إلى عبد مناف جد الرسول الأعظم. وهو أحد أصحاب المذاهب الأربعة في الإسلام ومن أكبر أئمة الفقه الذين انجبهم التاريخ الإسلامي. سكن أبوه إدريس، وكان قليل ذات اليد، عسقلان فولد له فيها ابنه محمد ويبدو أن الأب توفي وابنه طفل فحاولت أمه أن تعلمه وتتدبر أمر اعالته فأما التعليم فكان لدى معلم للصبيان عهدت إليه بابنها ولم تكن تملك أجرا تدفعه له . المعلم نجابة الطفل وسرعة حفظه فاستبقاه وكان يستعين به على تعليم الصبية الآخرين. ولا يعرف ما إذا كان التعليم الأولي قد تم في غزة وعسقلان أو في مكة. فثمة من يروي أن الأم الفقيرة رأت ضمانا لاعانة الطفل، أن يلحق بأهله في مكة فذهبت به اليهم وعمره سنتان . وثمة أخبار تروى على لسان الشافعي انه لحق بمكة وعمره عشر سنوات أو حولها. وعلى أي حال فقد كان يحفظ القرآن لسبع سنين. وكان الطموح الكبير لطفل قرشي في مكة في تلك الآونة أن يشد و شيئا من العلم ، فمدن الحجاز كانت لمكانتها من الإسلام قد تحولت عن عملها التقليدي في التجارة إلى العمل بالعلم : تدبر القرآن وحفظ الحديث ورواية الشعر والأدب. فجعل الفتى يتردد على المسجد الحرام يسمع الشيوخ الذين يروون الحديث . ثم بدا له أن يسجل ما يسمع وانى له ثمن القراطيس! فكان يلتقط العظام والاكتاف والخزف والدفوف وكرب النخل فيكتب عليها حتى ملأ من ذلك بعض الحباب( الجرار ) عند أمه. ونصحه بعض أقربائه الذين يعولون الا يعجل بالعلم وأن يقبل على ما ينفعه بالتكسب.
ويبدو أن الفتى رأى أن يتكسب بالتعليم فكان همه في تلك الفترة أن يكتب الشعر ويعرف اللغة ليصبح معلما. وكان يخرج إلى البوادي والأعراب من بني هذيل فيسمع ويحفظ ويستزيد من الفصاحة ويرحل برحيلهم وينزل بنزولهم . ثم اضاف الحديث والفقه إلى اهتماماته بنصيحة من بعض معارفه من غير أن ينقطع عن طلب الشعر والأدب على طريقته
رأى الشافعي أن لا جديد يأخذه في مكة من الحديث والفقه وأن المدينة لا مكة هي دار الحديث وموئله . وكان الفقهاء السبعة فيها قد اورثوا علمهم امامها المشهور مالك بن انس الاصبحي فلا حديث ولا فقه إلا بالمرحلة اليه . فعزم الشافعي على المسير إليه ومهد لذلك بحفظ كتاب الموطأ الذي جمع فيه الإمام مالك علمه في الحديث. وقد استعاره فحفظه في تسع ليال. واخذ بعض كتب التوصية إلى والي المدينة والإمام. ونال على حداثة سنه تقدير أستاذه منذ الدروس الاولى فلم يكن يقدم عليه في الحديث احدا.
كانت المدرستان الفقهيتان اللتان تتلمذ عليهما الشافعي في المدينة ثم في العراق مختلفتين كل الاختلاف في الأسلوب الفقهي ومن كل شرب حتى ارتوى. فاما مدرسة الحجاز ومالك فكانت مدرسة الحديث تتمسك به وتتشدد فيه. واما مدرسة العراق فكانت مدرسة الرأي تؤثره وتتبعه. وكان من نتيجة التقاء المدرستين في الشافعي واعجابه بهما ان خرج بمدرسة وسط بين الاثنتين تعتمد الحديث ولا تهمل الراي . وقد تبلور منهج الشافعي الفقهي في مكة. وعمره قرابة الأربعين. فأقامه على أساس الإجتهاد المطلق ضمن القواعد المحددة . وفي حلقته بالمسجد الحرام سمع الناس منه من الأصول والقواعد والكليات والفقه العميق مع الفصاحة. ومن المناظرة والجدل ما فتنهم وأثار اعظامهم وعلى هذه الحلقة تردد الإمام أحمد بن حنبل وكان بعد في مرحلة الطلب يتلقى العلم.
يبدو ان الحركة العلمية الناشطة في بغداد اجتذبت الشافعي فسافر مرة أخرى الى العراق سنة ١٩٥ هجري وربما كان ينوي الاستقرار هناك . أقام الشافعي في مكة سنتين وعندما قتل الأمين حسب أن الأمر استتب لاخيه المأمون فعاد إلى بغداد للمرة الثالثة ولكنه لم يجد فيها الا المزيد من الاضطراب والفوضى ولم تنقض بضعة أشهر حتى قرر العودة إلى مكة. ولكن هذه كانت أضيق من طموحه فتوجه إلى مصر واستقر فيها نهائيا .
وبينما كان هناك ينشر مذهبه في حيوية دافقة كان المرض يهد جسمه هدا. فجدد تأليف الرسالة واستبدل بكتاب الحجة كتاب الام في سبع مجلدات فمذهبه اول مذهب فقهي منظم يقوم على أصول محكمة وقواعد عامة.
وحين مات عن أربع وخمسين سنة كان من المكانة بحيث اعتبر أحد خمسة أو ستة من فقهاء الإسلام. وصار قبره مزارا ما يزال قائما في القاهرة الى اليوم. وكتبت على مر القرون مئات الكتب عن مناقبه الى جانب مئات المؤلفات في شرح مذهبه.
ويتسائل المرء : هل كانت أرض غزة التي ولد فيها الشافعي ولم يعد إليها ابدا تخطر له ببال ؟ والجواب أن الشافعي هو القائل:
وإني لمشتاق إلى أرض غزة
وإن خانني بعد التفرق كتماني
سقى الله أرضا لو ظفرت بتربها
كحلت به من شدة الشوق اجفاني
|