التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 138,607
عدد  مرات الظهور : 162,850,916

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > قال الراوي > الـقصـة القصيرة وق.ق.ج.
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 06 / 10 / 2009, 35 : 12 AM   رقم المشاركة : [1]
د.حسن حميد
قاص وأديب

 الصورة الرمزية د.حسن حميد
 




د.حسن حميد is on a distinguished road

امـــرأة وحـــيدة!!

لم أكن بعيدة عنهما كثيراً حيث جلست في الحديقة العامة، كانا إلى جواري، على مبعدة أمتار فقط، كانت تحدثه باهتمام شديد، تشرح له بحماسة بادية، فحركاتها، وإشاراتها المضطربة تدل على خطورة الموضوع وحرارته، وهو أمامها كتلة جامدة، يلعب بطرف شاربه ببرود شديد، وينظر إليها بثبات عجيب، يهمر ويهمهم، ويغمغم ولكن من دون كلام، وهي ذاهبة في حديثها المتدفق جداً!‏
كانا شابين في طراوة العمر! الفتاة، قمحية اللون، تربط شعرها الطويل بشريطة بنفسجية اللون، لها فم دقيق، وأنف طويل حاد، وعينان واسعتان لم أميز لونهما، كانت ترفع خصل شعرها المتساقطة فوق جبينها وعينيها بين لحظة وأخرى، وكلما احتد الكلام.‏
وكان هو سميناً، غليظ الرقبة، منفتح الوجه، لـه شارب أسود ناعم، وشعر قصير جداً، وأنف لطيف يكاد لا يبين!! بدت الفتاة نحيلة سمراء عكس الشاب السمين الأبيض!! أراها وكأنها تود لو تدخل إلى صدره تماماً، والشاب ذو الملابس البيضاء الفضفاضة في حالة من اللا مبالاة الفظة!‏
كان الوقت قبيل الغروب تقريباً، والحديقة ملأى بالأطفال، والنساء، والشباب، والشيوخ!‏
كان إلى جواري رجال يلعبون (عشرة طاولة) قرب بحرة الماء، وفي الطرف البعيد مجموعة من الأطفال راحوا يلعبون كرة القدم قرب السياج بجانب مشاتل الورد! كنت أنسج كنزة صوفية لصفوان، ابني الصغير!! وأتفرج على حركة الناس، والسيارات الدائرة خارج الحديقة، وأرى الناس وقد اقتعدوا شرفاتهم في الأبنية المطلة على الحديقة، وهم يشربون الشاي أو القهوة!‏
كان المساء رائعاً. وكنت مشدودة إلى ما يحدث قربي بين الشاب الذي احمرّ خداه العريضان، والفتاة التي شرعت تبكي! أراها وقد غطّت وجهها بكفيها، فبان جمال أصابعها، والشاب يضرب الأرض بمقدمة حذائه السميك العالي الكعب غير مبالٍ بما تفعله الفتاة التي حنت رأسها على ركبتيها وراحت تجهش بالبكاء المرّ! وما عدت أقوى على إكمال نسيج الكنزة!‏
فطوّفت ببصري فيما حولي فلم ألحظ أحداً قد انتبه لحالة الشاب والفتاة، كان الناس منصرفين في انتباهات مختلفة. ولم أدر كيف نهضت، وتقدمت نحوهما ببطء وهدوء، جئت إلى الشاب من خلف ظهره تماماً، وما إن وصلت إليه حتى ربّت على كتفه وأنا أبتسم له، فنهض، وتمتم مضطرباً:‏
- "أهلاً، نعم"!‏
وانتبهت الفتاة، فرفعت وجهها المخضل بالدمع وقد احمرت عيناها، وتراجفت شفتاها، ورمقتني بنظرة محايدة، ونقلت بصرها سريعاً ما بين وجهي ووجه الشاب لكأنها تسأله:‏
- "من هذه المرأة"؟!‏
وحين أحس الشاب بمعنى نظرتها، سألني مجدداً:‏
- "نعم"!‏
وهز رأسه مستفسراً!‏
وسألتهما معاً، وأنا أبتسم:‏
"أتسمحان لي بالجلوس مدة دقيقة واحدة فقط"!‏
ولكأن الشابين بوغتا بطلبي، وظنا معاً بأنني قريبة لأحد منهما، فتمتما معاً بالموافقة، وأفسحا لي مجالاً قربهما.، قلت لهما: إنني آسفة لأنني ما عدت قادرة إلى إكمال النسيج، فقد هزني مشهدكما، وأنا امرأة عاطفية جداً أنفعل كثيراً بالبكاء، وأنت وهي شابان في مقتبل العمر، وأنا أراكما في مثل هذا التحابب والتفاهم والتوادد، ولم أكمل، فقد أحسست بأن الفتاة تبكي دفاعاً عن اختيارها له، وهو صامت لأنه يقدرها لكي تأخذ جرعة انفعالها كاملة..، وقلت لهما إن لي قصة سأحكيها في عشرة أسطر، فحواها أن أبي قسا علي وزوجني هذا الرجل الذي هو أبٌ لأولادي لأنه كان يحبه. قلت له يا أبي حبك غير حبي، فقال لي الحب هو الحب، إن لم تعرفيه تعلميه. حاولت كثيراً أن أنجو من ذلك الزواج فما استطعت. وقد زاد الأمر سوءاً لأنني كنت أحب أجمل فتى في الحارة (هو لليوم وقد صار عمره في مثل عمري لم يتزوج لأنه كان لا يعرف إلا الكذب وإيهام الفتيات والتغرير بهن، وحين كشف في الحارة صار حبيباً لفتيات غريبات يبدلهن على الدوام بين الفترة والأخرى) ومع ذلك عطبت قلبي بجمرة كبيرة، وأقبلت نحو هذا الرجل الذي اختاره أبي لي، وتعلمت كيف أحبه يوماً بعد يوم. كان الأمر أمر من العلقم في البداية، ولكن مع الأيام صار الرجل أحلى من السكر، وأحن من شجر الصفصاف! طبعاً تفاصيل القصة كثيرة، إن التقينا في مساء آخر سأحكي لكم أشياء ستدهشكم أيضاً. اعذراني لقد قطعت عليكما الحديث. (وأنا أعرف بأن لا حديث كان بينهما، فقد كانت الفتاة غارقة في بكائها، والشاب غارق في صدوده وقسوته) فأنا ذاهبة إلى أطفالي لكي يجتمعوا من أجل أن نذهب وقد غربت الشمس، ومن أجل أن نفك أسر أبيهم من خساراته المتتالية أو لكي نفرح معه إن غلب جارنا (أبو العبد) ومضيت مزهوة وأن أحس بأنه كان لا بد من تدخلي هذا لإصلاح الموقف بينهما.‏
أجل كنت أعرف بأن الشابين يراقبانني الآن وأنا أنادي على أطفالي، وأنهما سيعرفان جيداً بأنني سأخرج من الحديقة وحيدة لا أطفال معي ولا زوج، بعدما فاتني كل شيء، آتي إلى الحديقة كل مساء لأرى الأطفال والأمهات والآباء وهم يمنحون المكان حياة جديدة، أجل، لعلهما، سيعرفان بأنني امرأة وحيدة، وحيدة تماماً!!‏

من مجموعتي القصصية " كائنات الوحشة" منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق - 2002

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
د.حسن حميد غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 10 / 2009, 07 : 02 PM   رقم المشاركة : [2]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: امـــرأة وحـــيدة!!

لم تتضح حقيقة هذه المرأة العاطفية جدا إلا في الأخير .. تتابع حركات الناس .. تنسجم مع أحاديثهم و شجونهم .. بينما هي غارقة في وحشة الوحدة ..
استطعت أخي د, حميد تقمص شخصية هذه المرأة وكأنها هي فعلا الكاتبة ..
استمتعت بقراءة القصة وراقتني مشاهدها .
دمت بكل الود .
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 06 / 10 / 2009, 37 : 08 PM   رقم المشاركة : [3]
د. ناصر شافعي
كاتب نور أدبي مشرق ومشرف سابق رئيس قسم العيادة الطبية في نور الأدب (انتقل إلى رحمة الله)

 الصورة الرمزية د. ناصر شافعي
 





د. ناصر شافعي has much to be proud ofد. ناصر شافعي has much to be proud ofد. ناصر شافعي has much to be proud ofد. ناصر شافعي has much to be proud ofد. ناصر شافعي has much to be proud ofد. ناصر شافعي has much to be proud ofد. ناصر شافعي has much to be proud ofد. ناصر شافعي has much to be proud ofد. ناصر شافعي has much to be proud of

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: مصر

رد: امـــرأة وحـــيدة!!

الأستاذ الأديب القدير د .حسن حميد :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

لقد تمتعت للغاية بالقصة .. الإسلوب الأدبي سهل و أنيق .. النسج القصصي متماسك و يخدم الهدف من القصة ، الهدف من القصة رائع و نبيل .

تحياتي وفي إنتظار المزيد من إبداعات سيادتكم الأدبية .
تقديري و إحترامي .

د. ناصر شافعي

توقيع د. ناصر شافعي
 [SIGPIC][/SIGPIC]
فقيد نور الأدب رحمه الله وأسكنه فسيح جناته

التعديل الأخير تم بواسطة د. ناصر شافعي ; 27 / 07 / 2010 الساعة 22 : 03 PM.
د. ناصر شافعي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 27 / 03 / 2011, 22 : 05 PM   رقم المشاركة : [4]
نصيرة تختوخ
أديبة ومترجمة / مدرسة رياضيات

 الصورة الرمزية نصيرة تختوخ
 





نصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond repute

رد: امـــرأة وحـــيدة!!

[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]كالعادة استمتعت بالقراءة لك د.حسن حميد ولو أن النهاية جاءت هذه المرة مُرَّة وموحشة.
تقديري لإبداعك.[/align]
[/cell][/table1][/align]
نصيرة تختوخ غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
حسن حميد قصة، امرأة وحيدة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05 : 02 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|