عروبة شنكان - أديبة قاصّة ومحاورة - نائب رئيس مجلس الحكماء - رئيسة هيئة فيض الخاطر، الرسائل الأدبية ، شؤون الأعضاء والشكاوى المقدمة للمجلس - مجلس التعارف
مذكرات طفلة كبيرة
مذكرات طفلة كبيرة!
تتحفني هذه البلهاء برسومها الجميلة التي تتركها على حائط منزلنا القديم، المعشق بحكايات السنين الطويلة، كان لها أنامل خاصة تجيد نحت الكبرياء صوراً على جدران ذاكرتي، فاجأتني بفنها الجميل، الذي لم يحظ بأي تكريم، فمسحات الخجولة فيها طاغية جداً، كثيرة هي دفاتر الرسم التي جلبتها لها، وريش الألوان المائية والزيتية والخشبية، كانت ترمي بها بعيداً لتنفرد بفنها الصامت على حائط البهو المؤدي إلى غرفتها، بقلم الرصاص الذي علمها الأبجدية! كانت تعشق رسم وجوه الإنسانية، حزينة وسعيدة، متفائلة وساخرة، مزجت ذات ليلة خريفية مختلف حواسها، فدمجت مختلف الملامح في مساحة طفولية، ثم زيلتها بأول حرف من اسمها، بكل صمت، ما إن اِنتهت حتى توجهت إلى غرفتها بكل ثقة لتتوسد يدها وتغفو على أمل جميل مشرق. كانت ترصدها عيني، لقد شعرت بمدى حزنها وهي تتنهد بحسرة، لم تكن تعلم بأني أفهمها، وبأنها ليست هي الوحيدة في هذا العالم التي لها أحزانها وآلامها، التي سكنتها رغم طفولتها.كبرت تلك الطفلة على عجل، ومع تقدم العمر كانت تتسع مساحات عزلتها، وكانت لاتستوعب سر وحدتها، عشقت التلاوين ورصفت كلماتها صوراً ووجوهاً، كانت تدل على مدى حبها لمخالطة الناس ومداعبة النفوس ببراءتها..عاماً بعد عام، طولت جديلتها، كما قامتها، وتحسنت تقاسيم صوتها، كما كلماتها، غير أن خطواتها تعثرت بأرصفة الواقع، وعينيها الواسعتين ذبلتا أمام شاشات التلفزة والحواسيب الذكية، كبرت ياأنا!تلك الطفلة التي اغتالتها أمها خمسون مرة، وفي كل مرة تدعي ترويضها لتسلم من شر ما أقدمت عليه، من عنف ومن مهاترة! كبرت يا أنا، تلك الطفلة التي كانت تراقب نفسها بنفسها، وتودع أحلامها الوجوه المرسومة على زوايا جدران منزلها العتيق، الذي سُلب منها ذات حلم، كما تُسلب أزاهير الربيع من عمق الأرض إذا ما قرر فصل الشتاء ذات عام المكوث في عباءة الجُرح أطول من المعقول
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
التعديل الأخير تم بواسطة Arouba Shankan ; 01 / 02 / 2019 الساعة 32 : 09 PM.