رد: جديد و يمكن حصري على نور الأدب: فن ومشــاعـر
[align=center][table1="width:95%;background-image:url('http://www.nooreladab.com/vb/mwaextraedit4/backgrounds/196.gif');border:3px groove sienna;"][cell="filter:;"][align=center]من رسائل جبران خليل جبران لمي زيادة:
عزيزتي الآنسه ميّ
رجعت اليوم من سفره مستطيلة إلي البريّة فوجدت رسائلك الثلاث والمقال الجميل الذي تفضلت بنشره في جريدة المحروسة .. ولقد انصرفت عن كل ماوجدته بانتظاري في هذا المكتب , لأصرف نهاري مصغياً إلى حديثك الذي يتمايل بين العذوبة والتعنيف - أقول التعنيف لأني وجدت في رسالتك الثانيه بعض الملاحظات التي لو سمحت لنفسي الفرحة أن تتألم لتألمت منها . ولكن كيف اسمح لنفسي النظر إلى شبه سحابة في سماء صافية مرصعة بالنجوم ؟
وكيف أحوّل عيني عن شجره مزهرةإلى ظل من اغصانها ؟
وكيف لاأقبل وخزه صغيره من يد عطرة مفعمة بالجواهر ؟
إن حديثنا الذي انقذناه من سكوت خمسة أعوام لا ولن يتحول إلى عتاب أو مناظرة , فأنا أقبل كل ماتقولينه لأعتقادي بأنه يجمل بنا وسبعة الآف ميل تفصلنا الأ نضيف فتراً واحداً الى هذه المسافه الشاسعة , بل أن نحاول تقصيرها بما وضعه الله فينا من الميل إلى الجميل والشوق إلى المنبع والعطش الخالد ..
يكفينا ياصديقتي مافي هذه الأيام وهذه الليالي من الأوجاع والتشويش والمصاعب , وعندي أن فكرة تستطيع الوقوف أمام المجرد المطلق لاتزعجها جاءت في كتاب أو ملاحظه أتت في رساله ,إذاً فلنضع خلافاتنا , وأكثرها لفظية - في صندوق من ذهب ولنرمي بها إلى بحر من الأبتسامات..
ماأجمل رسائلك ياميّ وما أشهاها , فهي كنهر من الرحيق يتدفق من الأعالي ويسير مترنماً في وادي أحلامي , بل هي كقيثارة اورفيوس تقرّب البعيد وتبعد القريب , وتحول بارتعاشاتها السحريه الحجارة إلى شعلات متقدة والاغصان اليابسة إلى اجنحه مضطربة , إن يوماً يجيئني منك برساله لهو من الأيام بمقام القمة من الجبل , فما عسى أن أقول في يوم يجيئني بثلاث رسائل !؟
ذلك يوم أتنحى فيه عن سبل الزمن لأصرفه متجولاً......
وبما اجيب على سؤالاتك ؟ وكيف استطيع متابعة الحديث وفي النفس مالا يسيل مع الحبر , فما بقي صامتاً ليس بالغير مفهوم لديك .
تقولين في رسالتك الأولى (( لو كنت انا في نيويورك لكنت زرت مكتبك الفنّي في هذه الأيام )) أفلم تزوري مكتبي قط ؟
أليس وراء اثواب الذكرى الظاهره جسد خفي للذكرى ؟
إنما مكتبي هيكلي وصديقي ومتحفي وجنتيي وجحيمي .. هو غاب تنادي فيه الحياة للحياة ,, وهو صحراء خاليه أقف في وسطها فلا أرى سوى بحر من رمال وبحر من أثير , أن مكتبي ياصديقتي هو منزل بدون جدران وبدون سقف , في مكتبي اشياء كثيره احبها واحافظ عليها , انا مولّع بالآثار القديمه وفي زوايا المكتب مجموعه صغيرة من طرائف الاجيال وبعض نفائسها كتماثيل والواح مصرية ويونانية ورومانية وزجاج فينيقي وخزف فارسي وكتب قديمه العهد ورسوم ايطالية والآت موسيقيه تتكلم وهي صامتة , أحب الاثار القديمة واشغف بها لأنها من اثمار الفكرة البشرية السائرة بالف قدم من الظلام نحو النور - تلك الفكره الخالدة التي تغوص بالفن الى اعماق البحار وتصعد به الى المجرّة .
أما قولك (( ماأسعدك أنت القانع بفنك )) فقد جعلتني أفكر طويلاً , لاياميّ لست بقانع ولا انا بسعيد , في نفسي شيء لايعرف القناعة ولكنه ليس كالطمع, ولا يدري مالسعادة غير أنه لايشابه التعاسة .
في اعماقي خفقان دائم وألم مستمر ولكنني لااريد ابدال هذا ولا تغيير ذاك - ومن كان هذا شأنه فهو لايعرف السعادة ولا يدري ماهي القناعة , ولكنه لايشكو لأن في الشكوى ضربا من الراحه وشكلاً من التفوق .
مي اخبريني هل أنت سعيدة وقانعه بمواهبك العظيمه ؟ اكاد اسمعك هامسه " لست بقانعه ولا أنا بسعيدة " ان القناعه هي الأكتفاء و الأكتفاء محدود زانت غير محدوده ..
ماذا اقول عن جوي المعنوي !؟ لقد تبدلت حياتي من الهدوء الى الضجيج , كم مرة هربت من هذه المدينه الهائمة الى مكان قصيّ لأتخلص من اشباح الناس ومن اشباح نفسي ايضاً.
سوف يجيء يوم اهرب فيه الى الشرق . ان شوقي الى وطني يكاد يذيبني , ولولا هذا القفص الذي حبكت قضبانه بيدي - لاعتليت متن اول سفينه سائره شرقاً, ولكن أي رجل يستطيع أن يترك بناءٍ صرف عمره بنحت حجارته وصفّها ؟ حتى ولو كان ذلك البناء سجناًله فهو لايستطيع ولا يريد ان يتخلص منه في يوم واحد .
ان استحسانك " المواكب "جعلها عزيزه علي , اما قولك بأنك ستظهرين ابياتها فمنّة احني امامها رأسي ,غير انني اشعربأن حافظتك خليقة بقصائد اسمى وأبلغ وانبل من كل ماجاء في المواكب, بل ومن كل ماكتبته واكتبه , ولست بمبالغ بانك اول صبيه شرقية مشت بقدم ثابتة ورأس مرفوع , وملامح منفرجة كأنها في بيت ابيها ..
ألا فأخبريني كيف عرفت كل ماتعرفين وفي اي عالم جمعت خزائن نفسك , وفي اي عصر عاشت روحك قبل مجيئها لبنان , أن في النبوغ سراً اعمق من سر الحياة ..
احمد الله ياميّ على انقضاء الأزمة عندكم , ولقد كنت اقرأ اخبار تلك المظاهرات فأتخيلك هائبه فأهاب , مضطربة فاأضطرب ..
ها قد غمر المساء هذا المكتب بوشاحه فلم أعد أرى ماتخطه يدي , والف تحيه لك والف سلام عليك والله يحفظك ويحرسك دائماً
صديقك المخلص
جبران خليل جبران
[/align][/cell][/table1][/align]
|