هيئة فيض الخاطر قسم " كلمات " خريجة تربية من الجامعة الاسلامية بغزة تكتب الخاطرة والقصة القصيرة
عاد الربيع
[frame="13 98"]
[align=justify]وقفت أمام شرفتها تزيل الستار عن زجاجها
تفتح النوافذ لتدع الأشعة الذهبية تنساب ببهاء يضيء حجرتها فتعلن إشراق يوم ربيعي لطيف يدب الدفء أركان المكان يزيل كل أثر للشتاء القاسي والطويل .
أخذت نفسا عميقا فأحست بالحياة تسري في أوصالها من جديد . تمرر عينيها عبر الأفق الممتد حد الفضاء ويزيغ بها الشرود ناحية تلك الذكريات فيمر شريط الأيام التي خلت أمامها بكل تفاصيلها , تنتفض كعصفور بلله المطر مذعورة ...
لا لن أعود لتلك الحالة ....!
يعود بها صوت أمها الرؤوم بنيتي جاهزٌ الفطور , إلى داخل الحجرة متجهة نحو السلالم .
سئمتُ كل هذا فكل الأمور مضجرة حد اليأس , مقيتة أشبه بموت بطيء , منذ ذاك الوقت وكل الأمور سواء
تتنبه إلى الصوت الحنون ثانية : لم لا تأكلين ؟
: _ومن يشتهي الطعام في نفسها _ إني آكل!
:لكن طبقك لم ينقص
:حسنا لقد شبعت سلمت يداكِ
تعود أدراجها صعودا إلى تلك الحجرة , تتجهز ثم تنزل
:أمي إني خارجة لن أتأخر
: في أمان الله يا ابنتي
***
نفس الأشجار أمرّها كل يوم , نفسها كل الأشياء..
لا أعرف ما يدفعه للابتسام هذا الأبله وهو ما انفك يمسح زجاج السيارات منذ ولدته أمه !
وهذه الفرحة بزهورها الذابلة تمر بها كل يوم تعرضها للمارة بقروش تافهة ..
لاااا الأوغاد الصغار قلت لهم ألا يلعبوا الكرة بجوار سيارتي ابتعدوا هيا ...
أف ... يبدو كأن الجو جميل سأمشي إلى المنتزه القريب فمازال الوقت مبكرا ..
****
ربيع مبهج يسر الناظرين تجلى بكل روعة أزهار فاح عبيرها وأينعت أغصان كانت تئن اشتياقا لنسمة ربيعية أخّاذة ..
سأجلس هنا فالمنظر خلاب ..
أخرجت مجلة تقلبها بهدوء مستمتعة بجمال الجو وهدوء المكان
جلبة وضحكات تعالت في جنبات المكان أفسد عليها عزلتها
أطفال يجرون ويمرحون يرمقهم من بعيد طفل وديع , بعينيه المتلألئتين وابتسامة تغطي تقاسيم وجهه الصغير
أحست بغصة تهز أركانها جعلتها تتحرك من مكانها و باتجاه الصبي تسير
اقتربت منه أتحب أن تلعب معهم ؟؟ تبسم قائلا ليس الآن لكني سألعب يوما ما ولمعت عيناه
مسحت رأسه تسأله من أحضرك إلى هنا ؟؟
جدتي إنها هناك ..
زاد فضولها توجهت نحو العجوز المشرقة الوجه وقار يلف ملامحها تجلس بهدوء تكسوها السكينة
تنظر إلى الأطفال وتنثر الحب تطعم الطيور المحلقة حولها
جلست قائلة كم هو جميل هذا الصبي كيف حدث له هذا ؟
تبسمت العجوز ملتفتة نحوها قائلة إنها قصة طويلة سيدتي قد لا يسمح وقتك بسماعها .
أجابت بشغف بل أود ذلك وأرجو أن لا أثقل عليك ..
بدأت تسرد العجوز حكايتها مع الصبي وكيف فقد أبويه وكيف بترت ساقاه بعد ذاك الحادث المؤسف
سألت قائله أعجب لهدوئك والابتسامة الساحرة المرسومة على شفاهك وعلى شفاه الصغير
ردت العجوز إنه قدر الله يا ابنتي فهل نملك له ردا الله أرحم به مني وهو الذي يقدر الخير ؟
تعجبت وصرخت بانفعال : -خير ؟ أي خير في بتر ساقي هذا الملاك ؟؟
ردت العجوز إنها حكمة الله في كونه فلا نملك غير الرضا بقضائه .
هذه الدنيا أيام معدودة وهناك دار المستقر والخلود والراحة لا شقاء ولا نصب .
نتزود لها بتقوى الله وطاعته والصبر على الابتلاء فهو يمحصنا ويصقلنا لنستحق درجاته العلا .
أحست بشيء يهبط في قلبها من سكينة هذه العجوز وهدأت من انفعالها ..
استجمعت أنفاسها وسألت : - لِمَ لَم تركبي له أرجل اصطناعية ؟
أجابت العجوز بابتسامة وقالت بتنهد لم أوفر جهدا وحاولت بكل السبل أن أركب له أطرافا صناعية أخبرني الأطباء أنه لا يمكن تركيبها هنا وأن وضعه يحتاج للسفر إلى ألمانيا .
- ولم لم تأخذيه ؟
- كما ترين يا ابنتي نحن أناس بسطاء ولم يترك لي زوجي رحمه الله أي ثروة لكني أعمل ليل نهار.أحيك الملابس وسوف أجمع المبلغ بإذن الله وأجري له العملية . ولن يهدأ لي بال حتى أرى حبيبي الصغير يسير على قدميه
انتابت العجوز عبرة لتسيل دمعة على خدها بين تلك الأخاديد التي حفرتها السنون كوشم الشموخ ، فتتحرك مشاعرها وتنهار بالبكاء قائلة : -آسفة أنا سيدتي لم أكن أريد أن أحرك أشجانك سامحيني . سعدت بالتعرف إليك أرجوك أريد زيارتك والتواصل معك فلقد ارتحت إليك كثيرا ..
تبسمت العجوز قائلة : -أنت على الرحب والسعة يا ابنتي أهلا بك في أي وقت .
أخذت عنوان العجوز وانطلقت نحو منزلها .
استلقت على سريرها تبكي بحرقة : -ما أتفهَني !! كيف كنت أعيش بهذه الحياة ؟؟!! ملكت كل شيء جربت كل شيء وعجزت أن أحيا سعيدة راضية كهذا الطفل البريء وجدّته الصابرة المحتسبة . أشهر عشتها مستنكفة عن الحياة بسبب ذلك الجبان الخائن ..
ظلت تبكي حتى أحست بدموعها تلف قلبها بالضياء !
تستمع صوت المؤذن للظهر ينادي حي على الفلاح : -ياه منذ زمن لم أسمع الأذان ما أعذبه من صوت وما أروعه من نداء .
- لبيك ربي .. عدت إليك .. لبيك ربي ، اقبلني بين يدك .. لبيك ربي ، سأعيش منذ اليوم لك .
سأبسط يدي بالخير عله يمسح ذنوبا قد أبعدتني عنك[/align]
November 29th, 2011
[/frame]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني ; 31 / 12 / 2013 الساعة 42 : 12 AM.
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: عاد الربيع
[align=justify]استمتعت بقصة حفلت بمشاعر شتى .. والأروع فيها هي تلك الرسالة الضمنية التي تحث على الإيمان بالقدر وعدم الاستسلام للقنوط .
نعم .. يعود الربيع إلى القلب ليدفئه بعد شتاء الياس والإحباط .
المبدعة وسام .. متعة هي نصوصك .. سواء قصصك أونسمات قصاصاتك ..
أنتظر انهمار غيثك من جديد ..
مودتي وورودي .[/align]