رد: روعة التعبير في القرآن : دعوة للتدبر والتأمل
بعد غياب عن هذا الملف أعود إليه ؛ مع آيه قرآنية من سورة يوسف؛ أنقل شيئا من تحليلها؛ من كتاب لأستاذَي الفاضلين محمد بوحمدي وعبد الرحيم الرحموني
بسم الله الرحمن الرحيم.
قال الله عز وجل: * وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حبا إنا لنرلها في ضلال مبين * صدق الله العظيم .
هذا الكلام متضمن لوجوه من المكر.
أحدها: قولهن (امرأة العزيز تراود فتاها) ولم يسموها باسمها، بل ذكروها بالوصف الذي ينادى عليها بقبيح فعلها بكونها ذات بعل، فصدور الفاحشة من ذات الزوج أقبح من صدورها ممن لا زوج لها .
الثاني : أن زوجها عزيز مصر، ورئيسها، وكبيرها. وذلك أقبح لوقوع الفاحشة منها.
الثالث: أن الذي تراوده مملوك لا حر. وذلك أبلغ في القبح.
الرابع : أنه فتاها الذي هو في بيتها، وتحت كنفها . فحكمه حكم أهل البيت. بخلاف من تطلب ذلك من الأجنبي البعيد.
والخامس: أنها هي المراودة الطالبة.
السادس: أنها قد بلغ بها عشقها له كل مبلغ، حتى وصل حبها له إلى شغاف قلبها .
السابع : أن في ضمن هذا : أنه أعف منها وأبر، وأوفى، حيث كانت هي المراودة الطالبة، وهو الممتنع عفافا وكرما وحياء .وهذا غاية الذم لها.
الثامن: أنهن أتين بفعل المراودة بصيغة المستقبل الدالة على الاستمرار والوقوع حالا واستقبالا، وأن هذا شأنها، ولم يقلن : راودت فتاها. وفرق بين قولك: فلان أضاف ضيفا ، وفلان يقري الضيف ويطعم الطعام، ويحمل الكل. فإن هذا يدل على أن هذا شأنه وعادته .
التاسع : قولهن ( إنا لنراها في ضلال مبين ) أي إنا لنستقبح منها ذلك غاية الاستقباح. فنسبن الاستقباح إليهن ومن شأنهن مساعدة بعضهن بعضا على الهوى ولا يكدن يرين ذلك قبيحا، كما يساعد الرجال بعضهم بعضا على ذلك، فحيث استقبحن منها ذلك كان هذا دليلا على أنه من أقبح الأمور، وأنه مما لا ينبغي أن تساعد عليه، ولا يحسن معاونتها عليه.
العاشر: أنهن جمعن لها في هذا الكلام اللوم بين العشق المفرط والطلب المفرط ، فلم تقتصد في حبها ،ولا في طلبها.
أما العشق فقولهن (قد شغفها حبا) أي وصل حبه إلى شغاف قلبها.
وأما الطلب المفرط فقولهن (تراود فتاها )والمراودة: الطلب مرة بعد مرة فنسبوها إلى شدة العشق ، وشدة الحرص على الفاحشة.
فلما سمعت بهذا المكر منهن هيأت لهن مكرا أبلغ منه، فهيأت لهن متكأ ، ثم أرسلت إليهن، فجمعتهن، وخبأت يوسف عليه السلام عنهن. وقيل: انها جملته، وألبسته أحسن ما تقدر عليه، وأخرجته عليهن فجأة. فلم يرعهن إلا وأحسن خلق الله وأجمله قد طلع عليهن بغتة، فراعهن ذلك المنظر البهي، وفي أيديهن مدى يقطعن بها ما يأكلن، فدهشن حتى قطعن أيديهن، وهن لا يشعرن.
وقد قيل: إنهن أبن أيديهن. ولكن الظاهر خلاف ذلك. وإنما تقطيعهن أيديهن جرحها، وشقها بالمدى، لدهشتهن بما رأين، فقابلت مكرهن القولي بهذا المكر الفعلي، وكانت هذه في النساء غاية في المكر.
ص. ص. 41- 43. من كتاب التحليل اللغوي الأسلوبي منهج وتطبيق.
للدكتورين: محمد بوحمدي وعبد الرحيم الرحموني
|