[عبد الفتاح أفكوح]

غُمُوضٌ
... ثم أجمعوا في البدء على طرح سؤالين لم يتجاوزوهما إلى غيرهما: كيف ومتى حدث هذا الأمر المنكر الشنيع؟...
بالأمس فقط التقوه وحدثهم عن حسن حاله وسعادته بينهم، وجالسوه واستمعوا إلى ما قص عليهم من خبر ذلك الغريب، وما حكى لهم من نبأ تلك الأرملة العجيب ...
أصبح على مرمى حجر منهم جثة هامدة مدرجة بالدماء، وبالقرب منه رفيقة تجواله وقد تناثرت حباتها، وتلك التي كانت ترى صحبته بعدما تقدمت به السن وأدركه الهرم، والتي لم يكن ليستغني عنها في سعيه بين الناس ماشياً، وفي حال حضوره بينهم جالساً، وفي قرع الأرض بها كلما استرسل في رواية من رواياته النادرة سارداً، أو أفاض جاداً دون هزل في حديث، أو قرأ عليهم سيرة من السير صارماً في غير مزاح ...
تبادل المحتشدون حول جثة الشيخ نظرات حائرة مضطربة شاردة، وأخذ كل منهم يحاول العثور على إجابة كافية شافية لسؤال ثالث: من قتل الشيخ؟...
تبادرت عصا الشيخ بلونها المثير واعتدالها السوي، وهي ملقاة غير بعيد منه، إلى أذهان الحاضرين وجال تفكيرهم في بياض عمامته الناصع، وسبحته الجميلة أضاءت بحباتها الخضراء في اعينهم، ولم تكن أصداء كلماته المنتقاة بدقة بالغة، ونبرات صوته الشجي لتغيب عنهم في هذا المقام الرهيب ...
شرد الجميع في مشهد مهيب لم يعهدوا له مثيلاً في حيهم، فدمعت له عيونهم، وأدمى بقسوته وعنفه قلوبهم، وأخذت حيرتهم تزداد كلما أمعنوا فيه النظر، وظل وقع السؤال محتداً في أعماقهم: من قتل الشيخ؟...

د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي

[عبد الفتاح أفكوح]