الأستاذة القديرة : مرفت شكري
الأديبة الرائعة : ناجية عامر
شكرا جزيلا على المتابعة والتشجيع , ورجاء بلغوا بهذا الملف كل من تعرفون . فوالله إنها حقا رسالة واجبة التبليغ كما سماها صاحبها , فحق علينا أن نذكر بعضنا , وحق علينا أن نسعى إلى مرضاة الله تعالى عبادة وتقربا .
لكما مني خالص التحية وعظيم التقدير والإمتنان .
... ووصف هذه الأمة ــ في غير ما موطن من القرآن ــ بكونها صاحبة الشهادة على الناس , , وجعل مناط تلك الشهادة إقام الصلاة وإيتاء الزكاة , قال تعالى :"ملة إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول عليكم شهيدا وتكونوا شهداء على الناس , فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير ".
وأما الأحاديث النبوية فإنها تثبت أن أول عمل كلف به رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الإيمان إنما هو الصلاة , والقرآن نفسه شاهد صريح على هذا . وبين النبي عليه الصلاة والسلام ذلك بيانا لالبس فيه فقال : "أتاني جبريل في أول ما أوحي إلي فعلمني الوضوء والصلاة ".
وجعل الله قضية الصلاة والزكاة , ــ بعد قضية التوحيد ــ هي معركة الإيمان الأساسية في حياة المسلم , طيلة الفترة المكية دون أي شيء آخر من الأوامر الجهادية والقتالية . قال تعالى :" ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة " .
وقال لرسوله عليه الصلاة والسلام, لما توعده أبو جهل بمنعه من الصلاة بالبيت العتيق :" أرايت الذي ينهى عبدا إذا صلى , أرايت إن كان على الهدى , أو أمر بالتقوى , أرايت إن كذب وتولى , ألم يعلم بأن الله يرى , كلا لئن لم ينته لنسفعن بالناصية , ناصية كاذبة خاطئة, فليدع ناديه , سندع الزبانية , كلا لاتطعه واسجد واقترب " . فجعل الصلاة معركة مصيرية في قضية الإيمان , مما لا ينبغي للمؤمن أن يساوم فيه ولا أن يلين ولا أن يهون . فقد حسم الله ــ جل جلاله ــ الأمر في أوائل ما نزل من القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم , بكلمة الفصل الباقية إلى يوم الدين :"كلا لاتطعه واسجد واقترب" .
ومن هنا بقيت الصلاة أفضل أعمال المؤمن بإطلاق , فعن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" إستقيموا ولن تحصوا , واعلموا أن خير أعمالكم الصلاة , ولن يحافظ على الوضوء إلا مؤمن ". وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال , قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" الصلاة خير موضوع , فمن استطاع أن يستكثر فليستكثر ". وسئل عليه الصلاة والسلام عن أحب الأعمال إلى الله فقال :" أحب الأعمال إلى الله الصلاة لوقتها , ثم بر الوالدين , ثم الجهاد في سبيل الله " . وعن ابن مسعود قال : سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلاة على وقتها , قلت : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين ,قلت : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله " .
... إن الواجبات في الإسلام كثير , لكنها ليست على وزان واحد , فواجب دون واجب , فهناك الواجبات العامة وهناك الأركان الخمسة , التي هي أصول الواجبات الكبرى في الإسلام , والتي بها يكون الإنسان مسلما أو لا يكون . فعن ابن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :" بني الإسلام على خمس , شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله , وإقام الصلاة ,وإيتاء الزكاة , وحج البيت وصوم رمضان " . ولكن هذه الأركان هي بذاتها مراتب , , فليست عبادة تقع من المؤمن مرة في السنة كالصيام والزكاة , أو مرة في العمر كالحج , كعبادة تقع منه يوميا , وعلى مدار الفلك , من الفجر إلى العشاء , فهذه فريضة ذات طبيعة أخرى . ولهذا جاء وجوبها في القرآن مقرونا بالإيمان في أغلب المواطن كما رأيت , إذ هي إن أقيمت على وجهها ضمنت من المؤمن أداء باقي الأركان , لما لها من تزكية رفيعة للنفس , ترفع العبد إلى مقام العبودية الكاملة بإذن الله .
ومن ثم وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها "عمود الإسلام " قال عليه الصلاة والسلام :" رأس الأمر الإسلام وعموده الصلاة ". والعمود عند العرب يطلق على الخشبة الضخمة أو العود الكبير الذي ترفع به الخيمة من الوسط . ولذلك يكون أقوى وأعظم وأطول , وبدونه لا يكون للخيمة انتصاب , فهو بمثابة السارية أو الأسطوانة المركزية في البناء , وهذا معنى قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه :"لا حظ في الإسلام لمن ترك الصلاة ".
ثم إنه مما يلفت الإنتباه حقا أن كل أحكام الدين ــ عقيدة وشريعة ــ كان وحيا من عند الله , ينزل من السماء إلى الأرض بواسطة الملاك جبريل عليه السلام , إلا الصلاة , فقد كان لها امتياز أعلى , حيث فرضت أول ما فرضت ركعتين فقط لكل وقت , وذلك بالمنهج نفسه , وحيا من السماء إلى الأرض في السنة الأولى من تاريخ نزول القرآن , بل في الأشهر الأولى من بدء الوحي , كما سبق بيانه , ثم بعد ذلك جاء التشريع النهائي للصلاة في الصيغة الكاملة , باستدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم شخصيا إلى السماء السابعة , ليتلقى أمرها من رب العالمين مباشرة , وذلك في ليلة الإسراء والمعراج العجيبة , وخلال المرحلة المكية ذاتها , فقد فرض الله على نبيه في السماء السابعة , وبغير واسطة الملاك جبريل عليه السلام , خمسين صلاة في كل يوم وليلة , ثم خففها سبحانه اختزالا في خمس , ثم قال في الحديث القدسي :" يا محمد , إنهن خمس صلوات كل يوم وليلة , بكل صلاة عشر , فذلك خمسون صلاة ". فأي فريضة هذه التي هي فضل كلها ؟ وإن عبادة فرضت في السماء من غير واسطة ملاك , لحرية بالإرتقاء صعدا بأهلها إلى مقامات السماء .
ومن هنا لم يزل القرآن الكريم يتنزل حضا وتأكيدا لهذه الفريضة العظمى في الإسلام , ويدعو إلى حفظها إقامة وتوقيتا وخضوعا وخشوعا , حتى إنها لا تكاد تخلو سورة من شأنها , أمرا وتوجيها وبيانا وتعليما , وترغيبا وترهيبا , حتى إن لك أن تقول : إن القضية الكبرى بالقرآن بعد الإيمان والتوحيد هي قضية الصلاة . قال تعالى :" إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ".
... ولو تتبعت موضوعات الصلاة في القرآن لجئت بالقرآن كله , فماذا بقي للإنسان من دينه إذا هو ضيع الصلاة؟ .
وما رأيت مثالا أشد وضوحا ولا أشد رهبة في بيان مركزية الصلاة في الإسلام , وعظمتها عند الله من مثل ما يسميه الفقهاء ب"صلاة الخوف" , وقد كان لنا فيها كلام في موطن آخر نختصر منه ههنا ما يلي : فمن أعجب العجب أن ألزم الله ــ جل جلاله ــ المسلمين بالصلاة إلزاما حتى في أحرج الظروف وأخطرها : الحرب والقتال , قال جل جلاله :" حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين , فإن خفتم فرجالا أو ركبانا , فإذا أمنتم فاذكروا الله كما علمكم ما لم تكونوا تعلمون ". فقوله سبحانه :"فإن خفتم" يعني في حال الحرب وانعدام السلم والأمن , سواء لحظة الإشتباك أو لحظة الترقب . وقوله تعالى "فرجالا أو ركبانا" أي فصلوا صلاة الخوف ــ باصطلاح الفقهاءــ على ما تيسر لكم من هيأة ووضع , وصلاة الخوف عندهم هي : عين الصلوات المفروضة , عندما تؤدى في ظروف الحرب , حيث قد تؤدى "رجالا" أي : على أرجلكم , واقفين أو سائرين , أو "ركبانا" أي: راكبين خيولكم أو دباباتكم ومصفحاتكم , أو طائراتكم . وقد فصل الفقهاء والمفسرون وشراح الحديث في صور صلاة الخوف وأشكالها , بناء على قوله تعالى :" وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة , فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم , فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم , ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك , وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم, ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة . ولا جناح عليكم إن كان بكم أذى من مطر أو كنتم مرضى أن تضعوا أسلحتكم . وخذوا حذركم إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا , فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم , فإذا اطمأننتم فأقيموا الصلاة إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ".
فماذا بقي لك بعد هذا يا صاح من الأعمال الحادية إلى باب الله ؟ وها أنت ترى الصلاة أساس السير على كل حال , منشطا ومكرها ؟ ... ولصلاة الخوف صور كثيرة معروفة في كتب السنن وكتب الفقه . وإنما الغاية عندنا ههنا العبرة من الأحكام لا أنفس الأحكام . وذلك أن الله عز وجل طلب من المسلم الصلاة على كل حال مادام عقله سليما , لا ينقصه جنون أو إغماء أو ما في معناهما .
وأحب ههنا أن أعرض لبعض الفقه في صلاة الخوف , لتعرف حجم هاته الفريضة التي ضيعها كثير من الناس اليوم , ولتعرف حجم الخسارة الواقعة بما ضيعوا ...
ذلك أن من أحرج الوجوه في صلاة الخوف ما رواه البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال :"غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نجد , فوازينا العدو , فصاففناهم , فقام رسول الله يصلي لنا , فقامت طائفة معه تصلي , وأقبلت طائفة على العدو , وركع رسول الله بمن معه , وسجد سجدتين ثم انصرفوا , مكان الطائفة التي لم تصل , فجاؤوا فركع رسول الله بهم ركعة , وسجد سجدتين ثم سلم , فقام كل واحد منهم , فركع لنفسه ركعة وسجد سجدتين ".
ومن ذلك مارواه البخاري أيضا عن ابن عباس رضي الله عنه في صفة صلاة الخوف قال :" قام النبي صلى الله عليه وسلم وقام الناس معه , فكبر وكبروا معه , وركع وركع ناس منهم , ثم سجد وسجدوا معه , ثم قام للثانية فقام الذين سجدوا وحرسوا إخوانهم , وأتت الطائفة الأخرى فركعوا وسجدوا معه , والناس كلهم في صلاة , ولكن يحرس بعضهم بعضا ".
ولعل أحرج صورها على الإطلاق أن يصليها كل واحد لنفسه ركعة واحدة بالإيماء , وذلك أنه إذا اشتد الخوف كما هو الحال عند المسايفة ونحوها من صور الإشتباك في القتال , يصلي كل واحد لنفسه ركعة واحدة , راكبا أو راجلا , مقبلا أو مدبرا ...
... فعجيب أمر هذه العبادة العظمى , لا تبرأ ذمة المسلم منها حتى يؤديها , وقد جاء تأكيد ربطها بالوقت حتى في ظروف الحرب كما قرأت , حتى لا يؤخرها مسلم عن وقتها الذي فرضها الله فيه . فالحرب , بل الإشتباك في المعركة , أي ما يسمى قديما بالمسايفة , ليس عذرا لتأخير صلاة عن وقتها , بله أن يكون عذرا لتركها , وإنما هو يؤثر فقط في شكل أدائها لا في إسقاطها , أو إخراجها عن وقتها . فصل على أي حال كنت وخذ حذرك ," إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا "....
يتبع ..
*** الصلاة أساس بيعة الرسول والمفتاح العملي للدخول في الإسلام ***
...لقد كانت الصلاة ــ أولا وقبل كل شيء ــ هي العلامة الأساس لتوبة الكافر المحارب , فمن أقامها من الكفار حرمت محاربته , ووجبت محبته , وحقت أخوته , قال تعالى :" فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم , إن الله غفور رحيم ". وقال سبحانه :" فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين , ونفصل الآيات لقوم يعلمون ".
ومن هنا كانت الصلاة أول بند ــ بعد التوحيد ــ في عقد البيعة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلقاها عن الناس , وذلك وارد في صيغ شتى من أحاديثه الثابتة الصحيحة , ومنها قوله عليه الصلاة والسلام :" ألا تبايعوني على أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا , وأن تقيموا الصلوات الخمس وتؤتوا الزكاة , وتسمعوا وتطيعوا ولا تسألوا الناس شيئا ". ومن هنا كان تارك الصلاة في الحقيقة ناقضا لبيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فتأمل .
وقلت من قبل : الصلاة أولا وقبل كل شيء, لأن الزكاة كثيرا ما تذكر مقرونة بها عطفا , في القرآن والسنة , ولكنها مع ذلك ليست على وزانها , بل هي مرتبة بعدها مباشرة وبدرجة ثانية , وهذا معلوم بالإستقراء التام للنصوص القرآنية والحديثية الصريحة الواضحة . وذلك ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على تعليمه لأصحابه بدقة متناهية . فتدبر المنهاج الدعوي الذي رسمه عليه الصلاة والسلام للصحابي الفقيه معاذ بن جبل رضي الله عنه لما بعثه إلى اليمن , يقول رضي الله عنه :" بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقال : إنك تأتي قوما من أهل الكتاب فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني محمد رسول الله , فإن هم أطاعوا لذلك , فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة , فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم , فإن هم أطاعوا لذلك فإياك وكرائم أموالهم , واتق دعوة المظلوم , فإنه ليس بينها وبين الله حجاب ". فهذا التعبير المتكرر في الحديث " فإن هم أطاعوا لذلك " هو جملة شرطية دالة على أنه : لا فائدة من العمل المذكور بعدها إن لم يتحقق العمل المذكور قبلها أولا , وكانت الصلوات الخمس ــ كما رأيت ــ أول مذكور بعد الإيمان , وقبل سائر الأركان , وعلى هذا وردت النصوص كلها .
يتبع ...
الفاضلة ناهد شما
أين نحن من أولائك التقاة الصالحين الذين كانوا إذا وضعوا جباههم لله تعالى إندمجوا في صلاتهم حتى لم يعودوا يشعرون بما يحيط بهم . وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل من البكاء في صلاته .
شكرا لك سيدتي على المتابعة , ودمت بكل التقدير والإحترام .