مديرة وصاحبة مدرسة أطفال / أمينة سر الموسوعة الفلسطينية (رئيسة مجلس الحكماء ) رئيسة القسم الفلسطيني
|
التكايا (من مواد الموسوعة الفلسطينية - القسم الأول- المجلد الأول)
التكايا (من مواد الموسوعة الفلسطينية – القسم الأول – المجلد الأول):
التكية هي الكلمة التركية المسايرة للخانقاه وللزاوية . لذلك فإن البحث عن التكايا في فلسطين يتناول الخوانق أو الزوايا التي أسسها العثمانيون فيها وأطلق عليها اسم تكايا , وكذلك الزوايا التي غلب عليها اسم تكايا في العصر العثماني مع أنها أنشئت قبل ذلك العصر .
وكلمة "تكية" نفسها كلمة غامضة الأصل , وفيها اجتهادات, فبعضهم يرجعها إلى الفعل العربي "وكأ و اتكأ" بمعنى : استند أو اعتمد, خاصة أن من معاني كلمة "تكية" بالتركية الاتكاء والتوكؤ والاستناد إلى شيء للراحة والاسترخاء . ومن هنا تكون التكية بمعنى مكان الراحة والاعتكاف. من جهة أخر يعتقد المستشرق الفرنسي كلمان هوار أن الكلمة أتت من "تكية" الفارسية بمعنى "جلد" , ويعيد إلى الأذهان أن شيوخ الزوايا الصوفية كانوا يجعلون جلد الخروف أو غيره من الحيوانات شعاراً لهم .
وعلى أية حال فإن الكلمة كانت تطلق عند العثمانيين على ثلاثة أشياء :
1) مقام أو مزار أحد الأولياء .
2) زاوية أو خانقاه يقيم فيها الدراويش والصوفية .
3) خان أو, نزل لراحة الحجاج والمسافرين (مثل تكية السلطان سليم في دمشق).
وكانت هذه المعاني مستعملة كلها في فلسطين , ولكن المعنى الغالب هو المعنى الثاني , وهو أن التكية مكان يقيم فيه الدراويش , ويأكلون مجاناً, ويقضون أوقاتهم في العبادة وفي الذكر الذي كثيراً ما كان يصحب بالرقص والموسيقى . وفي كثير من الأحيان تحدّد معنى التكية , بحيث أصبحت التكية , في المعنى الأكثر شيوعاً , منشأة لتقديم الوجبات الشعبية المجّانية للفقراء والمجاورين , وخاصة خدمة الأماكن المقدسة , دون أن يكون لذلك علاقة مباشرة بالدراويش والصوفية .
كان عدد التكايا في فلسطين في العهد العثماني كبيراً, حتى إن الرحالة التركي أوليا جلبي الذي زار فلسطين في القرن الحادي عشر الهجري/ السابع عشر الميلادي قال إنه كان في القدس تكايا لسبعين طريقة منها الكيلانية ,(الجيلانية) , والبدوية , والسعدية, والرفاعية والمولوية . وكانت هذه الطرق نفسها منتشرة في الوقت نفسه في نابلس والخليل وغيرهما من المدن الفلسطينية . وفي الوقت الذي أخذت فيه المدارس تضمحل زمن العثمانيين بقيت الزوايا والتكايا وانتعشت, وازداد عدد الصوفية والدراويش, خاصة في نابلس والخليل والقدس . وابتداء من القرن الحادي عشر الهجري/السابع عشر الميلادي كانت المناطق المجاورة للحرمين في القدس والخليل ملأى برجال الطرق الصوفية .
وبالرغم من أن أكثر ما كان يطلق عليه اسم "تكايا" زمن العثمانيين كان زوايا أو خوانق أسست قبل العصر العثماني فإن الفترة العثمانية في فلسطين شهدت نشوء تكايا كثيرة جديدة في القدس وجنين ونابلس وغيرها. ومن أهم التكايا الجديدة التكايا التالية :
1) التكية المولوية : تقع هذه التكية بحارة السعدية في القدس . أنشأتها الدولة العثمانية لأتباع الطريقة المولوية التي كان بنو عثمان يؤيدونها فانتشرت بسرعة . بناها قومندان القدس خداوند كاريك سنة 995هـ /1586م . وكان تعيين شيخ التكية يأتي من الشيخ الأعلى للطريقة في قونية (الأناضول) . والتكية (الخانقاه الزاوية) مؤلفة من طبقتين كانت الأولى طابقين , الطابق الأول كان كنيسة للصليبيين تدعى كنيسة القديسة أغنس حوّلها الأتراك إلى مسجد, ثم بنوا فوقها طبقة ثانية . وبناؤها بناء جميل متواضع له مدخل ضيق وجدران بيضاء .
كان للتكية أملاك وأوقاف للإنفاق عليها اندثرت كلها, وتوفي قبل سنوات آخر شيخ من شيوخها, وهو الشيخ عادل المولوي الطرابلسي الأصل .
والطريقة المولوية التي تبنّتها الدولة العثمانية أسسها جلال الدين الرومي (604-672هـ/1207-1273م) الشاعر الفارسي المشهور في قونية ببلاد الأناضول . وهي طريقة دراويش تمتاز برقص دائري مشهور وموسيقي . وكانت الطريقة موجودة في القدس قبل الاحتلال العثماني .
وقد ثبّت السلطان سليم, عندما زار القدس, رئيس الدراويش المولوية "أخفش زاده" في وظيفته ومنحه 500 أقجة صدقات . وفي القرن الحادي عشر الهجري/السابع عشر الميلادي كان في القدس عدد كبير من أتباع الطريقة المولوية , وكان الواحد منهم يتقاضى 500 أقجة . وقد زار التكية ووصفها سنة 1101هـ/1689م الشيخ عبد الغني النابلسي المتصوف المشهور .
2) تكية خاصكي سلطان : تقع في مدينة القدس في عقبة التكية المعروفة باسم عقبة المفتي شرقي دار الأيتام الإسلامية . أنشأتها خاصكي سلطان زوجة السلطان سليمان القانوني سنة 959هـ/1551م ووقفت عليها أوقافا كثيرة كانت منتشرة في سناجق القدس وغزة وصفد وصيدا. أشرف على بناء التكية الأمير بايرام جاويش بن مصطفى الذي أشرف على عمارة سور القدس . وكانت التكية من أهم المنشآت التي أقامها العثمانيون في فلسطين لمساعدة الفقراء وطلبة العلم في القدس , وظلت حتى الستينات من القرن العشرين تقدم الطعام للفقراء .
3) تكية فاطمة خاتون : فاطمة خاتون ابنة محمد بك , وحفيدة السلطان قانصوه الغوري آخر سلاطين المماليك , وزوجة لالا مصطفى باشا من رجالات العثمانيين . وقد بنت في جنين جامع جنين الكبير سنة 974 هـ وحبست عليه أوقافا كثيرة . كما أقامت تكية بجانب الجامع تقدم الطعام والمأوى للأغراب والمسافرين . وألحقت بالجامع والتكية حماماً وعشرين دكاناً يصرف من ريعها على التكية والجامع ووجوه البر والإحسان . كما وقفت حصتها من أملاكها في صفد ودمشق وحمص وحماه وحلب .
وهاتان التكيتان , أي تكية خاصكي سلطان وفاطمة خاتون , لم تكونا للصوفية والدراويش بشكل خاص , وإنما كانتا في الأساس لتقديم الطعام للمحتاجين والمسافرين .
أما المؤسسات (الزوايا أو الخوانق أو الربط أو المقامات )السابقة للعصر العثماني التي اكتسبت اسم تكايا في هذا العصر , أو كان وصف تكية يطلق عليها بين أوصاف أخرى , فأشهرها التكايا التالية .
1) تكية سيدنا الخليل : كانت تسمى "سماط سيدنا الخليل " في عهد المماليك وقبله. وقد أنشئ السماط (وهو ما يقدم عليه الطعام ونحوه) منذ عهد قديم جداً, وقد ذكره الرحالة الفارسي ناصر خسرو (438هـ/1036م) ونسب بدايته إلى إبراهيم الخليل عليه السلام. وقد وقف عليه حكام المماليك أوقافاً سخية , وأُلحق في هذا العصر بالرباط المنصوري الذي عمّره السلطان المملوكي قلاوون بن عبد الله (ت689هـ/1290م) .
وفي العصر العثماني أطلق على السماط اسم تكية سيدنا الخليل . وهي تعرف بهذا الاسم إلى الآن . ولا تزال التكية عامرة , تقدم الخبز و "الدشيشة" للواردين والفقراء .
2) تكية النبي موسى: في أواسط القرن السابع الهجري/الثالث عشر الميلادي بنى الظاهر بيبرس مقام النبي موسى بين القدس وأريحا. وقد أوجد مع المقام تكية على ظهرها غرف تشبه الخانات للنوم والإقامة خدمة لزوار النبي موسى. وكان هؤلاء الزوار يفدون في شهر نيسان من كل عام على وجه الخصوص. ووقف بيبرس الأوقاف التي تدرّ على التكية مبالغ كافية لإطعام حشد كبير من الزوّار طوال وجودهم هناك .
3) تكية المغربي : هو اسم آخر للخانقاه الصلاحية التي أنشأها صلاح الدين الأيوبي في حطّين . وورد ذكرها في رحلة أوليا جلبي السائح التركي في القرن الحادي عشر الهجري/السابع عشر الميلادي, وقال إنها دعيت بهذا الإسم نسبة إلى شيخ مغربي عيّنه صلاح الدين شيخاً لها.
4) تكية عيون التجار: وهي خان يطلق عليه اسم تكية . ويضم الخان حصناً أيضاً. وهو يقع في خربة عيون التجار بقضاء طبرية . أقيم الخان سنة 843هـ/1440م زمن المماليك الشراكسة, ورممّه وجددّه الوزير العثماني ستان باشا(المتوفى سنة 1004هـ/1595 م). وكان هذا الخان (التكية) يقع على الطريق بين دمشق وبيت المقدس من جهة ومصر من جهة أخرى. تحدث عنه عبد الغني النابلسي في الحضرة الأنسية فقال:"ثم سرنا (بعد زيارة المُنية على بحيرة طبرية ) حتى أقبلنا على تكية عيون التجار فدخلنا التكية وبالجملة , فعيون التجار منزل حسن يليق أن ينزل به عيون التجار .. وفيه يفترق المسافر الذاهب إلى مصر جهة الغرب والذاهب إلى بيت المقدس".
5) التكية الدرويشية: تقع إلى الجنوب الشرقي من جامع التيّنة بنابلس, وفيها أضرحة أهمها ضريح الدرويش مراد الرومي. وقد زارها الشيخ عبد الغني النابلسي (1101هـ/1689م), وقال :
" فيها ضريح شيخ الكمال ومعدن السلوك والحقيقة الدرويش مراد الرومي رحمه الله تعالى . فلما وصلنا إلى بيت فيه ذلك الضريح , وعليه هيبة التقديس والتسبيح , قرأنا الفاتحة, ودعونا الله تعالى هناك بالكتابة والتصريح , ثم خرجنا إلى إيوان لطيف قبالة روض وريف وأشجار باسقة وورد يانع الغصون وعرايش عنب تطلّ من تحتها لتكوّن في المكان بركة لطيفة بها الماء يجري فياضاً من تلك الحضرة الشريفة ".
توقفت التكية الآن وأصبحت مساكن لسدنتها من آل البسطامي بعد أن درست أوقافها .
6) تكية السري السقطي : في جبل جرزيم غربي نابلس مقام للسري السقطي المتصوف المشهور المتوفى سنة 251 أو 253هـ / 865أو 867م , وهو خال أبي القاسم الجنيد الصوفي المشهور وأستاذه . والسري السقطي مات ودفن في بغداد , ولكنه نزل نابلس وبُني له مقام فيها. وكان في هذا المقام في القرن الحادي عشر الهجري /السابع عشر الميلادي تكية وصفها الرحالة أوليا جلبي بأنها تكية كبيرة يحيى فيها شيخ الدراويش الذكر مساء كل خميس , ويرافق ذلك دق الطبول والدفوف حتى الصباح .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|