لقاء عبر نوافذ العالم
قلت له و نحن جالسان تحت برج إيفل
- أين ستسافر بعد غد ؟
قال لي في حنان متخفٍ خلف جذارية من القسوة عكسها ذلك البرج العاشق
- أين سأسافر ! لم أختر وجهتي بعد
فأنا اليوم هنا و كنت البارحة هناك و غدا يوم جديد .... و ستكون قصيدتي بعنوان جديد
قلت و أنا ساهمة بل و متشردة النظرات
- أي امرأة ستتجول بين كلماتك غدا ؟
تغيرت قسمات وجهه فجأة و أشرقت ملامحه بابتسامة باهتة و قال :
- يا سيدتي لن يبقى الشعر إن محت الظلال أجساد النساء
و لن يستمر قلمي عاشقا لعبير الأوراق
و لن أستلهم الشعر من عيون الأحباء
لن تستنطقني عيني امرأة
و لن تتحداني كلمات أخرى لشعراء تغنوا بأجمل النساء
بقيت شاردة أعاتب ظله الذي تصور في خبث عبر ثرى ليل موحش
كنت أعلم أنه ينظر إلي . فقررت أن أتفادى نظراته السهمية القاتلة التي أدمت قلبي يوما
كنت أحبه في صمت
و بالمقابل كنت أحسه بحبني ..... أحيانا ..... عندما يتخلى عن صفته كشاعر . كزير نساء
عندما ينصاع لحديث امرأة تجالسه باشتياق متدفق ....
عندما يصوره فنجان قهوتي و هو يختلس النظر ....
عندما تفضحه نظراته العفوية و هو غارق في حواري
عندما يبرد شاي الصباح
عندما تتجرد السماء من نور الشمس عند المغيب
يكون قد مر النهار و هو صامت
أتراه يمطرني شعرا ؟
لأكون قنديلا لديوانه الجديد
حروفا يخطف بها قلوب العاشقات من الحمقاوات
أتراه يتدفأ بعواطفي ؟
حتى يمر شتاءي و يأتي شتاء جديد .
قلت في صوت قد فضح انزعاجي :
- حدثني إذا عن الفارق بين الأمس و اليوم و الغد !.....
تسمر ..... رفع رأسه إلى مدى بعيد . يعانق أضواء ذلك البرج المشؤوم
و ابتسم ببرود قاتل دون أن ينطق
شعرت و كأن نيران العالم شبّت بداخلي
بل و قد تحول الألم إلى حمم بمفعول مزدوج حار لدرجة الذوبان .... و بارد لدرجة التجمد و هو الفارق بين أعماقي و ظاهري
قال :
- وكيف تريدين أن يكون وداعنا ؟ ......
قلت :
- كآخر مرة منذ 3 سنوات .
بنفس التفاصيل
بنفس الأجواء
بنفس برودة الطقس
و بنفس برودة المشاعر
كانت عزة نفسه قاهرة و بالمقابل كنت امرأة
تحمل عواصف من الكبرياء
كان رجلا وسيما
كنت أحبه .....
قلت :
- ألم تستطع امرأة أن تغلب الوحدة بداخلك ؟ .....
قال متجهما :
- سأقرر يوما ........ حين تجافين العزوبية .
قلت و باستخفاف :
- لم يولد رجل بعد ليحوِّل و جهة أسفاري .
قال :
- إذا سنلتقي بعد سنين تحت تمثال آخر ... ليشهد جدالنا العقيم .
قالها و في صوته نبرة حزن غريبة
أبصرت حينها رجلا آخر ... عبر تقاسيم وجهه المعتم الكئيب
اكتشفت سر الرجل الذي استهواني دائما
و كأن لحظات الفراق هي من تتحدث
ابتسم بصعوبة و قال :
- وداعا يا صديقتي ...... إلى موعد آخر .... في بلد آخر ..... تحت راية أخرى
لم أنطق و كأن لساني قد شل فجأة .
قالها و اختفى في الظلام ........ ليتركني حبيسة الألم
غريقة في بحر من الدموع
تزامن ذلك مع تساقط أمطار غزيرة امتزجت مع عبراتي المتهاطلة
لتشكل تعبيرا رائعا عن فلسفة حب مستحيل .....