رد: اليتيمة و الفستان
تلتقط القاصة فى هذه القصة حالة إنسانية غزلت خيوطها القصصية بإحكام ؟ وقدمت لنا البطلة الرمز, والمثال البللورى لكل الفقراء الذين يحيون صراعا ما بين خطين فاصلين فى الحياة, خط المال الممهد بالرزيلة وخط الفقر المخلوط بالمعاناة والألم والقسوة, وعلى النموذج الإنسانى أن يختار , هذان الخطان يخلقان فى الفن مايسمى بالصراع بين الواجب والرغبة, والقاصة هنا انتصرت للواجب وتدخلت بوعيها وجريان التيار الأخلاقى فى طبيعتها كأنثى عربية ملتزمة جعلها تغلِّب الواجب على الرغبة فسارت فى القصة ضد الطبيعة الإنسانية, وهذا يجعلنى -كمتلق- أتساءل : كيف لأنثى فى ظروف بطلة القصة توصف فى مجتمعنا العربى بانها دخلت فى مرحلة العنوسة أن تظل بهذا الحفاظ الشديد رغم فقرها المدقع وحاجتها الماسة ألى أن تطعم هذه الافواه الجائعة من حولها؟ إنه وعى القاصة المؤلفة الذى اقحم هذا على فطرية الحدث , لكنه وعى غير محسوس ولا مرئي
من هنا كان المبرر الفنى لحبكة القصة الرئيسية وهى الصراع بين الرذيلة والفضيلة , إن البطل الحقيقى هنا ليس مريم ولا صراعها من أجل البقاء , وإنما البطل الحقيقى هو الإنسان الذى يجرده واقعه العفن من إنسانيته ويدفع به الى الذئاب والوحوش والنفعية لكن القاصه توجه إلينا رسالة فى غاية الخطورة من خلال هذه القصة وهى علينا أن نحمى أنفسنا بالتغيير والتجديد والطموح وأن نسير فى خط مستقيم واضح تجاه رياح القهر والمذلة ,هنا نستطيع ان نقهرها ونهزهما وننتصر للإنسانية التى هى أعلى قيمة فى ذواتنا
وعلى المستوى الفنى للقصة نجحت القاصة ان توظف عنصر التشويق فى بؤرة الحدث على امتداد القصة ,وتجلعنا نرغب فى الانتقال من جملة الى جملة ونحن نسارع الخطو لنكتشف ما الآتى, ولهذا استخدمت كل عناصر الحوار القصصى الصامت والمعلن ,والصراع الخفى والخارجى وأن تجعل البطلة محور الحدث لا الحدث محور البطلة, واستخدمت التوراى فى الكشف عن الحدث , وهو يعنى أن يتوارى حدث خلف آخر ليكشفه, فمثلا دار فى ذهن البطلة ان الذى يستطيع ان يوفر لها التكلفة المادية للدخول فى المسابقة هو الذئب ووضعتنا فى صراع حاد بين الرغبة والواجب ,ولم تكشف لنا حقيقة الموقف ,و هل استجابت البطلة للذئب حتى تستطيع الدخول فى المسابقة التى تحقق لها طموحها أم لا؟ ولكنها كشفت ذلك فى موقف آخر عند حوار البطلة مع مدير المصنع الجديد حول كيفية قدرتها على صنع الفستان فكشفت انها جمعته من قصاصات المصنع, واستبدال البدلة, وشراء بعض الأشياء الرخيصة , وهذا يكشف لنا انها لم تستجب لرغبات الذئب.
كما ان القاصة لجأت إلى ما يمكن أن نسميه تضخيم الحدث لإعلاء القيمة, فحين توازن بين البطلة وبين "كوكو شانيل" وحين يوازن المدير بينها وبين المصممين المهرة ذوى العلم هو تضخيم للشعور الذاتى للقاصة نفسها ورغبتها الحادة فى إعلاء القيم الإنسانية والإحتفاء بها , كما القاصة صنعت مفارقة بين مفتتح القصة وخاتمتها, فالمفتتح يشى بالحزن والكآبة والخاتمة تشى بالبهجة والسعادة وكأنها تريد ان تضعنا امام تدرج العاطفة وفق ما يدفع به المجتع إلينا, وتؤكد على نشوة انتصارها وبطلتها للإنسانية على حساب الحيوانية
بيد أنى أرى عنوان القصة مكشوفاو فهو يكشف القصة منذ قرائته الأولى وليتك - سيدتى -أن تعيدى النظر فى العنوان, وأن تعيدى النظر فى التعبير"لو كان لازال حاضرا" واتصور ان إسقاط مفردة " لازال" سيعطى التعبير شكلا جماليا أفضل , إذ لا ضرورة له فى ظل سيطرة مفردة"حاضرا" التى تجب ما قبلها
أحييك بصدق على هذه القصة الأكثر من رائعة, ونستطيع الآن ان نضعك فى مصاف كتاب القصة الكبار
لك كل محبتى وعظيم تقديرى
|