التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 138,784
عدد  مرات الظهور : 163,780,987

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > جمهوريات نور الأدب > جمهوريات الأدباء الخاصة > على ضفاف لبنى ياسين > قصة قصيرة
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 24 / 06 / 2010, 50 : 10 AM   رقم المشاركة : [1]
لبنى ياسين
كاتبة صحفية تكتب القصة-المقال-الرواية، عضو اتحاد الكتاب العرب عضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات( مشرفة سابقاً)

 الصورة الرمزية لبنى ياسين
 





لبنى ياسين has a reputation beyond reputeلبنى ياسين has a reputation beyond reputeلبنى ياسين has a reputation beyond reputeلبنى ياسين has a reputation beyond reputeلبنى ياسين has a reputation beyond reputeلبنى ياسين has a reputation beyond reputeلبنى ياسين has a reputation beyond reputeلبنى ياسين has a reputation beyond reputeلبنى ياسين has a reputation beyond reputeلبنى ياسين has a reputation beyond reputeلبنى ياسين has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

موت صابر

هذه القصة من أوائل القصص التي كتبتها، وهي في مجموعتي القصصية الأولى " ضد التيار".

موت صابر
لبنى ياسين



كان الشارع الملتوي التواء ثعبان ضخم ..فارغ في هذه الساعة المتأخرة من الليل ..إلا من أعمدة النور العملاقة التي تراقب سكون الشارع بفضول, متغامزة ربما مع النجوم التي تنقط وجه السماء المعتم باطمئنان ..أما الصمت فقد كان مهيمناً بوقار لا يشوبه إلا مواء القطط من حين لآخر في شجار دامٍ على فتات منسي في أحد أكياس القمامة الملقاة هنا وهناك بإهمال على خد ذلك الشارع الضيق من أحد شوارع العاصمة الفقيرة ..عندما ظهر من بعيد خيال رجل ما .. يترنح في منتصف الشارع .. لا يكاد يقوى على الاستقامة ..كان يمشي الهوينا فهو ليس في عجلة من أمره للوصول لأي مكان , بل ربما على العكس كان يحاول قتل الوقت و هو يمشي متثاقلاً لكن الحق أن لا أحد يعرف من منهما قتل الآخر , كان يتلفت و كأنه يودع الزقاق ..موزعاً نظراته التائهة من عيون أجبرتها قسوة الأيام و ضنك العيش على الاختباء في حفرة الأسى , لكأنها خجلى من مواجهة الحياة، إنه صابر عرفته كل زاوية من زوايا الزقاق الحزين، وعانقه كل جدار من جدرانه فهنا ولد، وهنا ترعرع, و من يدري فربما هنا يموت أيضاً, وأخذ كل حائط على عاتقه إسناد الرجل من حين لآخر,عله يستطيع الوصول إلى منزله, فهنا في الشوارع الفقيرة يسري قانون وحدة الحال فيصبح الإنسان و الجدار و القمامة و القطط متشابهين حتى لكأنهم شيء واحد ,انه قانون العدم , و ربما استمدت عقوبة الإعدام اسمها من هنا بالذات .

(الله يرحمك يا أبي ): قال صابر بصوت غمس في مائدة الأسى حتى تشبع, وأكمل ترنحه في اتجاه ما كان في داخله يتعمد الابتعاد عن منزله، ولو أنه ليس لديه مكان آخر يقصده, لكنه لن يستطيع أن يواجه الأفواه الجائعة..وهي تجري إليه بمجرد وصوله متأملة بشيء من الطعام لا يحمله, فتنظر إليه مستغيثة أو ربما معاتبة ..بينما أنات أمه المريضة، والتي تخرج من أعماق روحها المتألمة, تمزق سكون الخيبة وتضفي عليها مسحة مأساوية, و إن كانت لا تنقصها, و هو لا يملك ثمن الخبز لعياله, فكيف بثمن عملية لا تجرى إلا في مشافٍ خاصة من فئة الخمس نجوم.

و كيف سينظر في عيون صغيراته الأربع وهن يجرين إليه حالمات بمذاق الخبز الساخن اللذيذ وبعض من الجبن، أو حتى بدون الجبن, لا فرق أي شيء يسد الرمق , فقد أصبح الخبز الساخن الطازج, رفاهية لا يملكنها مذ فقد الأب عمله المتواضع منذ حوالي سنة, و بالرغم من أنه اعتاد على تلك النظرات الجائعة من البنات, و على اللوم المتواصل من أمهن، إلا أن للحظة دخول المنزل، واختراق كل هذه الحواجز طعماً يزداد مرارة كل يوم .

كم تمنى أن يهبه الله بنيناً بدل البنات, و لو صبي واحد ربما استطاع مساعدته بطريقة أو بأخرى، لكنها مشيئة الله ..عندما ولدت له ثاني بناته قال لزوجته:(كفاها الله ...لنتوقف بضع سنوات ريثما يرزقنا الله..لا أريد أن يموت أولادي جوعاً) إلا أنها لم تعره أذناً صاغية ست سنوات من الزواج حصيلتها أربع بنات ..لا يكاد يرى امرأته إلا حاملاً أو مرضعاً، لم يرها يوماً امرأة ..أنثى... بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة، اختارتها له أمه ..قالت له (أريد أن أفرح فيك قبل ما موت )..لكنه مات بعد أن فرحت به , مات في سعيه الدؤوب لعمل يستر به عورة الحاجة و يرد ديونه, و يشبع أفواهاً صغيرة ..لم يكن ذنبها أنها ولدت حاملة اسمه, حاول عبثاً أن يقنع أمه أن تؤجل مسألة زواجه..فما زال يرزح تحت وطأة الديون بعد أن زوج أصغر أخواته، أخته تلك التي كانت مدللة لديه ..فبالكاد كانت تمشي حين توفي أبوه تاركاً له ميراثاً من الأفواه و الديون..خمس بنات و ديون مبعثرة هنا و هناك، ومزيد من مرارة حنظل الفقر متناثرة على أيام عمره لا يكاد يفلت منها يوم واحد.
و منذ ذلك اليوم و هو يجري جري الثور المربوط إلى الساقية، تحمل عبء تربية الفتيات الخمس و تزويجهن ، فيما أمه كانت تنهار شيئاً فشيئاً، كان يحضر لها أدويتها كاملة و لو اضطر إلى الصوم، لكن حالها كان يسوء يوماً بعد يوم، فزوجته لتقر عيناً بأولاده ..لم يكن قد نفض غبار الديون عن كاهله عقب تزويج آخر أخواته ..حين وضعت على كاهله عبء الزوجة التي ما أن وطأت عتبة البيت حتى بدأت بالتفريخ .لكأنها تضع له نقوداً و جواهر ..آه نقود ..كم يتمنى أن يصبح غنياً ..و لو ليوم واحد في حياته و ليكن آخر يوم في عمره ..يموت بعده.

لم يكن من عادة صابر مقارعة الخمر، حتى أنه لا يملك ما يشتري له كأساً واحدة، إنما هذه الليلة، و بينما هو يتسكع في متاهات الحواري والأزقة باحثاً عن بقايا طعام عافته القطط، أو لم تكتشفه بعد، أو لم يوافق مزاجها القططي، و لو أن قطط هذه الأزقة مثل أهلها لا تعاف شيئاً (كله نعمة كريم ) - أنه قانون العدم ذاته الذي يجعل القمامة وليمة تتنافس عليها القطط والجرذان والبشر- صادف أحد أصدقائه الذي أصر على دعوته إلى شيء يسمى بالمصطلح "حانة"، وهي بالواقع أشبه ما تكون بكهف رطب, تفوح منه رائحة العفونة الممزوجة برائحة أنواع المشروب الرخيص, و رائحة العرق الصادر من أجساد كدت تحت الشمس حتى الهلاك، وما الفرق كله عرق..تكاد تكون ميزة هذا المكان الوحيدة انه يتقاضى أسعاراً منخفضة تتناسب مع الجيوب الفارغة لمرتاديه، حانة بدون نجوم لأناس لا يملكون شمساً ولا حياة، والحقيقة أنهم لا يملكون شيئاً على الإطلاق، أقل بكثير من أن ندعوهم أحياء..و أكثر بقليل من أن ندعوهم أشباح.

و هكذا ذهب صابر مع صديقه هذا، وأفرغ في جوفه كل ما استطاع من العرق الرديء ذو الطعم اللاذع, كان يكابد شعوراً قاتلاً بالذنب وهو يروي ظمأه بالعرق، وأمه تتلوى ألماً, و بناته يصرخون جوعاً, حاول مراراً أن يستجمع شجاعته ليطلب من صاحبه هذا أن يقرضه تلك القروش التي سيدفعها ثمناً للمشروب الذي دعاه إليه، فيذهب إلى منزله حاملاً بعض الخبز لأطفاله, لكن الشجاعة خانته في بداية الأمر، وما هي إلا لحظات حتى دار الخمر في رأسه، ولم يعد يفكر بذلك ..لكن ما حدث بعد ذلك جعله ينقلب على ظهره من شدة الضحك, فصديقه أيضاً لم يكن يملك قرشاً في جيبه ، لكنه من الزبائن المداومين على تلك المقبرة الرطبة ..لذلك ما كان عليه إلا أن يضيف ثمن العرق الرديء إلى دفتر الحساب العفن, ضحك صابر كما لم يضحك منذ زمن بعيد، ضحك حتى هطلت دموعه مدراراً من عينيه, وبانت أضراسه المتآكلة السوداء ليس من تراكم الحلويات بل من تراكم الفقر و الإهمال ..ثم ما لبث أن بكى بحرقة طفل ضاع عن أمه.

كم كان يحلم بالثراء، لو أن السماء تمطر ذهباً لمرة واحدة، لو أن ورقة اليانصيب تفوز، حتى تغرقه وتغرق أمه وزوجته وبناته الأربع، فيستيقظ في اليوم التالي وهو يرتدي بدلة أنيقة، ويضع ربطة عنق، ويلبس حذاءاً لامعاً، ويجري العملية لأمه في أحسن مشافي البلد، مشفى خمس نجوم كما يقال، و يشتري لزوجته رداء أحمر للنوم ..ناعماً..شفافاً، وزجاجة عطر من تلك الزجاجات الأنيقة التي تزدان بها واجهات محلات العطور، كم كان يشتهي أن يستنشق العطر النسائي الناعم مسكوباً على جسد زوجته، ويقتني منزلاً كبيراً، وسيارة فارهة، و يشتري لبناته ألعاباً، و ثياباً، ويطعمهم همبرغر، كان يشتهي أن يطعمهم همبرغر، لقد تذوقه مرة واحدة ..في فترة النقاهة من المسؤولية التي حظي بها أيام الخطوبة، كان لذيذاً ساخناً، ورائحته تبعث الشهية في نفس المتخم فكيف ببناته الجائعات، كم يتمنى لو يحضر لهن وجبة كهذه ويراقبهن و هن يلتهمن الطعام بشهية .. لكن شيئاً من هذا لن يحدث .
.تنهد صابر قائلاً في نفسه (الله يرحمك يا أبي )، لم يغب أبوه عن ذهنه في هذا اليوم ..فقد رآه في الحلم الليلة الماضية آتياً إليه، وبادره بالسؤال معاتباً (ليش تأخرت عم استناك من الصبح )، وأفاق من النوم، ومنذ ذلك الوقت وهو يفكر بأبيه، حتى وهو يترنح ثملاً، ويرتمي على الجدران الوسخة فتتلقفه بحنان، وتسنده مشفقة على حاله وكأنه ولدها، وكيف لا وقد عاشت تلك الجدران معه سنيناً تحت ظل قانون العدم، و كيف لا و قد راقبته هذه الحيطان مذ كان طفلاً يلعب مع خليل ابن الجيران، وبقية أصحابه على صفحة خد هذا الشارع، إيه يا زمان لو تتركنا صغاراً ، صحا صابر فجأة على ضوء شديد بهر ناظريه، .بينما ثقب آذنيه صوت حاد لمكابح سيارة فاجأها شيء ما أمامها بينما هي تسير بسرعة جنونية, كان آخر ما خطر في بال صابر (لو أنني أمتلك مثل هذه السيارة يوما واحداً آخذ فيه أسرتي في نزهة ليروا ما أجمل الحياة من خلف هذه النوافذ المغلقة...) عندما ضربته السيارة بقوة, و أسرعت هاربة من قتل كائن ما, ربما كان الموت هو أرحم ما قد يصيبه, لم يستطع أن يعرف صاحب السيارة ما الذي ضربه تماماً ففي هذه الأزقة تتشابه الجدران و القطط و الناس, كما أن الزجاج القاتم يمنع روائح هذه الأزقة العفنة، ومنظرها المزري من التسرب إلى الداخل، لئلا تؤذي عيون أصحاب السيارات الفارهة فيصابون بنوبة رحمة أو إنسانية أو على الأقل بعض الاكتئاب أو التعاطف, ترنح صابر مجدداً لكنه هذه المرة صفع خد الشارع بقوة بعظامه البارزة, وغرق في بركة من الدم, فتح عينيه ليجد أبيه واقفاً فوق رأسه يمد له يده ليساعده على النهوض, قال صابر في نفسه:( كنت أعلم أنك ستأتي ).
أما أخبره بأنه ينتظره منذ الصباح، بدأت قوى صابر تنهار دفعة واحدة بينما كانت الأفكار تتدافع في رأسه المدمى، تذكر أنه لم يحضر الخبز و لا الدواء، وتذكر أيضاً أنه قد طرق كل الأبواب لأجل ذلك لكنه مني بالفشل، أخذ صابر يتفوه بكلمات متباعدة و كأنه يهذي من أثر الضربة التي تلقاها :

بعدها، أمسك صابر بيد أبيه، وسار معه في اتجاه ما ليس من الاتجاهات الأربعة التي نعرفها، فتح أبوه باباً فإذا وراءه نور شديد أعمى عيني صابر فلم يعد يرى أو يسمع، و لم يعد يشعر بأي شيء .

و هكذا مات صابر ت صابر
.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع لبنى ياسين
 لبنى ياسين
عضو اتحاد الكتاب العرب
عضو فخري في جمعية الكاتبات المصريات

المدونة:
http://lubnayaseen-lubnayaseen.blogspot.com/

http://www.youtube.com/watch?v=i1GbCApw6vs النار يا أمي
http://www.youtube.com/watch?v=CDSVoeU60BY طقوس احتضار

http://www.youtube.com/watch?v=J60QKfB-HWo رحيل آخر القراء

http://www.youtube.com/watch?v=PeyM0boH03A نصوص غير مكتملة


لبنى ياسين غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
مــــــــــن القلــــــــب ( د. حسن صابر ) د. ناصر شافعي كلـمــــــــات 4 25 / 09 / 2012 44 : 09 PM
رحبوا معي بانضمام الدكتور القدير حسن صابر د. ناصر شافعي الترحيب بالأعضاء الجدد 14 19 / 12 / 2009 46 : 04 AM
الشاعر صابر معوض / حوار مفتوح في الصالون الأدبي هدى نورالدين الخطيب صالون هدى الخطيب الأدبي للحوار المفتوح 6 23 / 12 / 2007 24 : 10 AM


الساعة الآن 23 : 04 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|