أرسى الزورق الصغير دعائمه قرب الشاطئ بانتظار وصولهما ، هي مترددة جداً بل وخائفة من النزول إلى البحر وهو يحثها بشدة ويداعب كفيها برفق يريد أن يمحو أثار الخوف المترتبة لديها من نزول البحر ، يدفعها برفق للأمام وهي تتراجع مترددة إلى الخلف.
قال لها محاولاً تشجيعها :هيا حبيبتي البحر اليوم هادئ وأمواجه تتراقص برفق ،لا تخافي ، اقتربي ،ألم تعديني بمشاهدة منظر الغروب سوياً من أبعد نقطة هناك حيث تهبط الشمس بأشعتها الذهبية للاغتسال في ماء البحر استعداداً لغد مشرق جميل؟
فتجيبه والخوف ما زال ظاهراً على كلماتها المرتعشة: ولم لا نراقبه من هنا مع كل هؤلاء المتواجدين معنا على الشاطئ؟
فيجيبها متسائلاً : ولكنك وعدتني بهذا وأنا لطالما حلمت به.
تطلعت إليه بإشفاق ونظرت إلى عينيه اللتين تشعان حناناً ،
وتذكرت أنها وعدته مراراً ولا بد أن تحقق له هذه الرغبة وهو الذي لا ينفك عن تحقيق كل رغباتها ،فهو الحب الأول و الأخير ، الحب الأوحد والعشق الأوحد والأمل الأوحد في هذه الدنيا ، فلم لا ترافقه بهذه الرحلة ؟ نظرت إليه وقد استجمعت جزءاً من شجاعتها : حسناً سآتي معك على أن لا تترك يدي أبداً .
حملها إلى الزورق قبل أن تعود بكلامها وأسرع بإقلاع الزورق وهي ما زالت تظهر عدم الخوف الذي انتشر على مساحات وجهها وعلى لونها الممتقع ،فما كان منه إلا أن أخذ يرسل لها بعض النكات البليدة ويرفع يديه بالهواء مقلداً بعض الحركات البهلوانية،وإذ بها تستجيب فعلا وتتحرر من خوفها وبدأت تظهر عليها معالم الارتياح فأخذت تتنقل بالزورق والفرحة
تغمرها وتقول :لم أكن أعلم أن البحر جميل إلى هذا الحد !
فيجيبها البحر أجمل بكثير عندما نصل إلى ذلك المدى فنصبح في عرض البحر تماماً ستشعرين بجماله ساعتها.
قام إلى آلة التسجيل وأدار أغنية أم كلثوم (ألف ليلة وليلة)
وما هي إلا دقائق معدودة حتى قامت منتشرة بالهواء ترقص وترقص وترقص وشعرها الجميل يتطاير مع نسيم البحر وهي لا تأبه له وخصرها النحيل يتمايل كغصن الريحان حينما تداعبه نسمات الصيف ، تطير بالهواء تكاد قدماها الحافيتان لا تلامس أرضية الزورق وخلخالها الذهبي يتراقص حول كاحلها بغنج شديد ، وهي لا تزال ترقص يحاول أن يضمها إليه ، يعانقها ، لكن أبداً
فنشوة الرقص والسعادة بالتحرر من خوفها أخذتها من كل شيء حتى تهاوت متهالكة بقربه تحاول التقاط أنفاسها المتقطعة فأسندت رأسها إلى كتفه وما زالت دقات قلبها تتراقص مع دقات قلبه إلى أن بدأت أشعة الشمس بالغروب فقام كالملدوغ يصيح أرأيت بحياتك أجمل من هذا المنظر؟
تجيبه وقد فغر فاها من الدهشة :أبدا أبداً فعلا
المنظر من هنا أجمل بكثير وأخذا يتنقلان بالزورق علهما
يجدان أكثر المناطق جمالاً فلما عثر عليها قال الآن سآخذ
لك بعض الصور مع الغروب وانطلق فعلاً يلتقط لها صورة تلو الأخرى ثم خطرت بباله فكرة أن يصعد لأعلى ركن في الزورق كي يأخذ لها صورة ذات أبعاد جميلة وبسرعة البرق قفز إلى ظهر الزورق وأخذ يعد آلة التصوير وبينما هو منشغل في تحديد المسافة زلت قدمه ووقع هو وآلة التصوير وهوى إلى الأعماق.
أفاقت من شرودها : يا الهي ما حصل أخذت تركض بأرجاء الزورق علها تراه لكن الظلام كان قد أرخى سدوله،أخذت تنادي عليه وتصرخ وتصرخ تضرب ارض الزورق بأقدامها ،تلطم بكفيها الصغيرتين على تلك الوجنات المسكينة وارتمت في أرض الزورق تبكي وتنتحب ولم يمض عليها الكثير حتى وجدت ضوءا قويا مسلطا عليها فقامت كمن دبت فيه الروح تتلعثم الكلمات على شفتيها وتصيح : هو .. هو وقع هنا وقع في البحر أخشى أن يموت أتوسل إليكم أن تلحقوا به،أنقذوه ،أرجوكم ،فأجابها احد الذين على القارب الآخر :هو بخير لا تخافي لقد تم إنقاذه وهو من أرسلنا للبحث عنك ، هو على الشاطئ ،هيا بنا ،امسك بيدها محاولاً مساعدتها في الانتقال إلى زورقه وما أن وصلت الشاطئ حتى وجدته ممدداً على الرمال والناس من حوله يطمئنون عليه حضرت إليه مسرعة وأخذت تتحسس وجهه لا تصدق أنه ما زال على قيد الحياة فأشار إليها أن تقترب ، يريد أن يهمس بأذنها الصغيرة كلمة فألقت بكل رأسها حتى تسمع ما يقول لها ،فإذ به يهمس لها: غداً نركب البحر !
[/align][/cell][/table1][/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
التعديل الأخير تم بواسطة رشيد الميموني ; 14 / 03 / 2010 الساعة 06 : 03 PM.
أديب وقاص معروف ومتميز حاصل على عدد من الجوائز (انتقل إلى رحمة الله)
رد: دعينا نركب البحر
أختي الفاضلة ميساء
جميل أن اراك هنا أيضا
الحب ،
متعة الإبحار ،
الشعور بالسعادة حد الرقص ،
الخاتمة السعيدة
التلاعب بالمشاعر منذ لحظة القراءة الأولى
حتى الأوج المفزع
ذلك كان انطباعي
"دعينا نركب البحر" دعوتِنا لمشاركتك متعته ،
فكان إبحارا مغرِيا طالما هو هادئ
و الويل كل الويل إذا أغضبه ريح
أو هزه من الأعماق زلزال
سلم مدادك الذهبي و دمت مبدعة
نزار
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: دعينا نركب البحر
الذنب كله تتحمله أم كلثوم
وعدا عن هذا وذاك، يرغب في ركوب اليحر مجددا! طبعا هذا مخرج منطقي لإنسان لا يخشى البحر، بل يجد ذاته في صفحة المياه وركوب البحر وأمواجه
ممتعة هذه المغامرة
مودتي
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب
رد: دعينا نركب البحر
أهلا بك ميساء في علم القصة .. كما قالت نصيرة ، تعودنا عليك رائدة من رواد الخاطرة ولم نكن نظن أن لك باعا في القصة ..
منذ السطر الأول كنت متوجسا من أن شيئا مريعا سيقع .. ولم يخب ظني .. لكن النهاية جاءت سعيدة .
هل نرى محاولات قصصية أخرى لك ؟ .. أتمنى ذلك ..
دمت مبدعة .
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نزار ب. الزين
أختي الفاضلة ميساء
جميل أن اراك هنا أيضا
الحب ،
متعة الإبحار ،
الشعور بالسعادة حد الرقص ،
الخاتمة السعيدة
التلاعب بالمشاعر منذ لحظة القراءة الأولى
حتى الأوج المفزع
ذلك كان انطباعي
"دعينا نركب البحر" دعوتِنا لمشاركتك متعته ،
فكان إبحارا مغرِيا طالما هو هادئ
و الويل كل الويل إذا أغضبه ريح
أو هزه من الأعماق زلزال
سلم مدادك الذهبي و دمت مبدعة
نزار
اهلا بأستاذي الفاضل نزار الزين
سرني مرورك الجميل بدعينا نركب البحر
وسعدت جدا لأنها راقت لذائقة أدبية متميزة كنزار الزين
شكرا لهذا الحضور الجميل ودمت بألف خير .
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خيري حمدان
الذنب كله تتحمله أم كلثوم
وعدا عن هذا وذاك، يرغب في ركوب اليحر مجددا! طبعا هذا مخرج منطقي لإنسان لا يخشى البحر، بل يجد ذاته في صفحة المياه وركوب البحر وأمواجه
ممتعة هذه المغامرة
مودتي
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني
أهلا بك ميساء في علم القصة .. كما قالت نصيرة ، تعودنا عليك رائدة من رواد الخاطرة ولم نكن نظن أن لك باعا في القصة ..
منذ السطر الأول كنت متوجسا من أن شيئا مريعا سيقع .. ولم يخب ظني .. لكن النهاية جاءت سعيدة .
هل نرى محاولات قصصية أخرى لك ؟ .. أتمنى ذلك ..
دمت مبدعة .
رشيد .. لا لا في القصة اسمح لي .. لم أجد نفسي فيها أبدا
القصة تحتاج لأقلام مميزة كرشيد الميموني ..
ننتظر عودتك بقصة رائعة كما عودتنا ..ودمت