الخروج من القمقم...
أخرجُ من قمقمِ صبري
وجهاً عربيَّ القسماتْ...
وجهاً حَفَرَتْه النكباتْ...
أخرجُ ناراً تتوهَّجُ في العينينِ،
بقسوةْ...
أخرجُ غضباً يغلي حقداً...
لكنْ...
في ذات الوقت،
يتبرعمُ فوق الأرضِ الموءُودةِ
وردةْ...
وينابيعَ أمانٍ ثرَّةْ
تَتَدَفَّقُ فرحاً أخضرَ،
وأضاميمَ حنانٍ
تتضوَّع نشوى...
أخرجُ من قمقمِ قهري
حجراً،
في كفِّ صبيٍّ نَزِقٍ،
قد عاشَ سنيَّ طفولتهِ الرثَّةْ،
يتعتَّقُ حبّاً،
وحكاياتٍ شتَّى،
عن قومٍ ما فرحوا يوماً،
مُذْ داهمهم طوفانُ الخوفِ الأسودْ،
في ليلةِ مولدِه الأغبرْ..
ليلتها...
شَنَقُوا ـ قيلَ ـ أخاه الأكبرْ،
في ليلةِ عرسهْ،
واعتقلوا الأصغرْ...
ذبحوا أمَّهْ،
حَرَقوا زرعَ أبيه،
في عزِّ الظهرِ،
وقالوا:
كان حقيراً،
جدَّفَ ضدَّ إلهِ الوطنِ
وأبى أن يسجد إلا لله...
أخرجُ من قمقمِ ذلِّي
ظلّاً
يبحثُ عن لقمةِ طفلٍ
صيَّرَهُ الجوعُ تراباً...
يبحثُ عن نَفسٍ كُسِرَتْ،
خلف الأبواب العليا...
عن نفس قُهِرَتْ
خلفَ الأبواب الموصدةِ بوجهِهْ
باباً... باباً...
عن ذكرى أحلامٍ عَبَرَتْ:
فهنا،
ذات مساءٍ قاتمْ،
أقعيتُ ككلبٍ،
وَبَكَيتْ...
وهنا، أَلْحَفْتُ وأسرفتُ استجداءً،
وسكبتْ
آخرَ ما بقيَ بوجهي من قطراتِ العزِّ
رجاءً...
لكنْ...،
ظلَّ الملك الأعظمُ يضحكُ مني...
ثمَّ تنحنحَ منتشياً:
أَعْطُوهْ...
فرموا لي عظمةْ...
فلَحَسْتُ العظمةَ في فرحٍ،
وخرجتُ من الباب العالي،
أحملُ عظْمَةَ جودِهْ،
لكنْ،
دون كرامةْ...!
أخرجُ من قمقمِ ظلمي
نوراً...
أتكوَّرُ شمساً،
أتشكَّلُ حجراً،
أتدحرَجُ فوق الأرض الصلبةْ...
أتعثَّرُ،
أتشظَّى،
أتوجَّعُ ألماً،
أضغطُ شفتيَّ بأسناني،
كي لا أبكي...،
وأنا أندفعُ شظايا،
نحو الموت الخالدْ...
يلقاني غاصبُ وطني..
نتعاركُ...
نقتتلُ بقسوةْ..
أَقَعُ...
أنزفُ دمَّ الأرضِ ودَمِّي..
زيتاً أخضرَ،
حبّاً...
وعواصفَ تحتدمُ
غضباً وصواعقْ...
هاأنذا آتٍ
من وجعٍ ينزفُ في خاصرةِ الأمسِ...
من دمِّ الشهداءْ...
هاأنذا آتٍ
ريحاً صرصرَ، وهياكل عظميةْ...
هاأنذا آتٍ
غيماً...
سيفاً عربياً...
يسألني الجلادُ برعبٍ:
ــ كيف خرجتْ؟
ــ قد ضاق القمقم ـ يا مولايَ ـ عَلَيْ،
فخرجتْ...
ــ أنتَ إذن ماردُ (لبيكْ)؟
ــ لا...
أنا لستُ بذيَّاكَ الماردْ...
ولذا....،
لن أركعَ لكْ،
لن ألهجَ باسمكَ،
لن أبتهلَ لمجدكَ،
لن تسمعَ مني يا... هذا...
(شبيك.. لبيك... عبدكَ ذا الطائع بين يديك..)..
فأنا أكبر من قمقمك التافه هذا،
بل أكبر منك...
أنا هذي الأرضُ المجروحةُ قهراً...
أنا صوت عصافيرِ الأملِ
تطمحُ أن تلهو حرَّةْ،
تحت أشعة شمسٍ حلوةْ..
هل تذكرُ ـ يا قبَّحَكَ الله ـ الشمسَ؟
هل تذكر ملعبَ أحلامي،
وجمالَ الوادي الهائم حباً،
والزيتونَ وطلعَ النخلِ،
ولون البيدر؟
هل تذكر أمي وأبي وأخي؟
أنتَ ـ بلا شكٍّ ـ تذكرْ..
ولذا،
فتهيَّأ لملاقاتي،
إني آتٍ آتٍ آتْ
لأصحِّح وضعي
أوصافي
وسبيل طموحي...
فتهيَّأ...
دمشق 2013
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|