[كمال ابو حنيش]

[URL="فدائي في حقول الإبداع وحصن الكلمة المنبع مسلح بالنصوص الدافئة المنتصبة على الأسوار.
يتخذ من الكلمة فضاءً يحرره من القلاع المطبقة على نفسه الجيّاشة، فالكلمة بوابة الكون، ومفتاح المغاليق وشراع
الإبحار، وسفينة الفضاء .
يصبغ تجربته الإستثنائية بالأدب الحارّ ذي الإيحاءات المنتقضة من ركام الحجارة والحديد، حيث يضم بالخلود في
حياة ( أدب السجون )
منذ أهازيج الثائر عوض الذي لا يُعرف عنه سوى أنه شمخ على أعواد مشانق الإنتداب، فاختط بفحمةٍ سواء بليلة
ظلماء على جدار زنزانته التي قضى فيها لحظاته الأخيرة قبيل الإعدام اختط بأهزوجته الشعبية مسيرة كفاح وقصة
شهيد وملحمة شعب على جدار التاريخ الحديث.
منذ الثلاثاء الحمراء التي سكبها إبراهيم طوقان من أشلاء الأبطال الثلاثة، محمد جمجوم، وعطا الزير، وفؤاد حجازي
..منذ (سمر في زنزانة) لتوفيق زياد وتجارب مئات الأدباء الذين أذكت السجون قرائحهم وجللت تجاربهم ما زال
أدب السجون أدباً إستثنائياً.
في هذه الرواية يحول كميل تلك المساحات اليابسة من الأرض، وتلك اللحظات البركانية من الزمان إلى وحدات
غناء، وفياف مثيرة بحرارة الصدق وصلابة الفكر ودفء الوجدان.
وكان منسجماً مع أدب السجون الفلسطيني الذي لم يصدر عنه أية إنحناءة باتجاه الهزيمة والركون، ولم يشهد هذا
الأدب انقلابا على المُثل العليا أو انقضاضاً على مقدسات الأمة، فاستطاع هذا الأدب أن يؤسس لما هو أعمق من
ملامح المعاناة وأنات حزن ... لقد أسس لوعد الآخرة من مراحل الصراع .
لقد تدّرج مصطلح أدب السجون حتى استقل بذاته في عالم الأدب والنقد والأنثربولوجيا، بلغة شفافة خاصة، تبدو
سههلة المنال إلا أنها ظلت عصية على الإندماج بغيرها، فبقيت لغة إستثنائية ..
تماماً كما فعل (كميل أبو حنيش) في هذا العمل الروائي حيث عدم المبالغة في تقنيات السرد متيحاً الفرصة
للإنسياب الناتج عن كون الراوي هنا، يروي من الخندق لا من مكتب، بينما تسيطر الفكرة على مكيانيكية النص
وتتأرجح اللغة عند كميل بين التصريح والتلميح، كل في مكانه المناسب، ودار مع حياة القضية الفلسطينية دوؤة
الإنتماء بلغة شفافة ونقية.
وقفت طويلاً في تفاصيل هذه الرواية حيث المشهد الفلسطيني بعناصره كلها، الإنسيابية والمادية .. وكنت أستمطر
مدلولاتها المتشائجة، اذ وجدت إعادة صياغة تاريخ النضال الفلسطيني الحديث من إنسان يحمل البندقية والقلم
بيد أخرى .
(كميل أبو حنيش) حيث يصعب أن تفصل منهجياً رواية اختطها صاحبها بالدم والنار، بدم أوردته ونيران فوهته،
بعرقه وترابه وأنفاسه الموقوته المكتظة بالبارود عن شخصيته العادية .
في هذه الرواية تجسيد واضح يصور النضال الفلسطيني في كل واحد منا، في كل منجل يحتضن سنابل، في كل
محراث يعيد إلى الأرض عروبتها، في كل فرس تصهل فلا يمتطيها الأغرراب، في كل حفل لا يعترف إلا بأهله
وحنونه وعبق الرّند والقنديل المتدلي من جبناته.
وحينما يكتب الراوي روايته بالدم، تستقيل اللغات كلها وتتستأذن للرحيل، لأن الشاعر مظفر النواب قال يوماً:
وطني علمني أن حروف التاريخ مزورةٌ حين تكون بدون دماء !!
هذا هو كميل الثائر من المهد إلى السجن، الفدائي في حارات قريته ومدينته، والمسلح بالكلمة ..الرصاص..في
خنادق الإبداع..
بقي أن أقول لكم : أن كميل قال لي حينما كنّا _أنا وهو_نتهامس في السياسة ونحن في الثالثة عشر من عمرنا،
قال لي: (إن الصهيونية تحكُم العالم من وراء ستار بما فيه الكونغرس الأمريكي)
واليوم أقول لصاحب هذه الروواية :
إنك تلعن في هذا العمل الأدبي انتهاء هذا الحكم الطارىء على خطوط الطول ودوائر العرض في التاريخ.
#‏رواية_بشائر_كميل_ابو_حنيش"]فدائي في حقول الإبداع وحصن الكلمة المن