ما أشقانا !
ما أشقى العقل حين ينبش في تفاصيل غابت، كمن يعود إلى حقلٍ أكلته النار، ليبحث عن زهرة ظنّها نجت من اللهيب!
إنه بحثٌ عن أشباح، عن ظلال لأحاسيس كانت يوما ما حياة، فأصبحت اليوم رمادا يتطاير مع أول نسمة حنين.
أهذا قدرنا؟ أن نُعيد مشاهدة أفلامنا القديمة التي نعرف نهايتها جيدا، وندمي قلوبنا على شخصيات ماتت فيها منذ زمن، ونُعلّق آمالا على حكايات غادرتْنا إلى الأبد؟ نعم، هذا قدر العقل المُدمن على الألم، الذي يرفض أن يفتح صفحةً بيضاء، لأنه ما يزال يعتقد أن في الصفحات الممزّقة بقايا من رائحة السعادة.
تلك التفاصيل التي غابت، لم تغب هكذا عبثًا.
لقد كانت كالحصى الصغيرة التي تراكمت في طريقنا، فلم نجد من حكمة القدر إلا أن نزيلها، لا لكي نمضي في طريق آخر، بل لكي لا نعود إليها.
لكنّنا نعود، نعود بذاكرةٍ أشبه بمنزل مسكون بالغياب، وننبش في كل زاوية، ونستدعي كلّ ما فيه من أوجاع، نستدعي الضحكات المكسورة، والوعود المنسية، والدموع المبتورة، وكل ما تركته الأقدار من ندوبٍ على أجسادنا.
ونقول: أين كانت السعادة؟ أين ذهبت؟ وكأننا لا نعرف أنّها لم تكن سوى لحظة زائرة، مرّت بنا مسرعة، وتركت لنا آثار أقدامها على رمال لم تكن صلبة بما يكفي لتحمل ذكراها إلى الأبد.
فهل يمكن لروحٍ أن تُبنى من جديد على أنقاض ما كان؟
أم أننا سنظل نبحث عن تفاصيل غابت، ونموت كلّ يوم بجرعة زائدة من الحنين؟
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|