صقيع في الأمعاء!
كان الليل يلف البلدة الصغيرة بعباءته السوداء، ونجومه الباهتة تتلألأ كعيون ذابلة في سماء غائمة … في شبه كوخ جد مهترئ، يئنّ سقفه الخشبي مع كلّ حركة عابرة، كانت "مريم" الصغيرة تحدّق في الظلام بعينين غائرتين، لا تراهما إلا دمعة حائرة تلوح في الأفق البعيد... ليس ظلام الليل ما يلفها، بل ظلام الجوع الذي يفتك بأمعائها الغضة، ينسج خيوطا من الألم حول أحشائها، كلعنة لا فكاك منها.
إلى جوارها، نام "أحمد"، أخوها الأصغر، جسد نحيل لا يكاد يملأ فراغ الفراش… أنفاسه المتقطعة كانت أقرب إلى آهات مكتومة، كأنّ الجوع يسرق منه حتى هواء الرئة…قبل أن ينام، همس لها بصوت واهن، ممزوجٍ بالحمّى:
"أختي... هل سنأكل خبزاً اليوم؟"
لم تجب مريم، بل ضمته إلى صدرها النحيل، تشعر بعظام قفصه الصدري البارزة، وكأنها سكاكين صغيرة تخترق جسدها.
أيّ خبز هذا الذي سيتحدث عنه طفل جائع، والخبز نفسه أصبح حلما بعيد المنال؟
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|