بوريدان وحماره: قصة الاختيار الأبدي/د. رجاء بنحيدا
هل سمعت من قبل عن بوريدان؟ لا، ليس الفيلسوف الذي كتب عن المنطق، بل حماره! هذا الحمار المسكين الذي يقف في منتصف المسرح، يواجه حقيقتين مريرتين: كومة من التبن على يمينه، ودلو من الماء على يساره. إنه جائع وعطشان. وكلتا الحاجتين متساويتان في الإلحاح، والمسافة إليهما متساوية، والجاذبية التي يمارسانها عليه متطابقة تماما.
وهنا تكمن المأساة الحقيقية… إنه عاجز. عاجز ليس لأنه لا يستطيع أن يختار، بل لأنه لا يملك سببا يدفعه للاختيار.
ليس هناك ما يرجح كفة على أخرى،إنه يقف هناك، صامتا، متجمدا في لحظة من التردد المطلق، حتى مات من الجوع والعطش.
لا تضحك؟! ربما تعتقد أن هذا مجرد حمار غبي. لكن فكر مليا، هل نحن أفضل حالا؟
نحن ، جميعا ، حمير بوريدان. نقف في منتصف حياتنا، محاطين بقرارات متساوية في القيمة، متطابقة في جاذبيتها الكاذبة.
نعيش في عصر الوفرة. وفرة الخيارات التي تجعلنا أكثر عجزا. كل طريق يبدو صحيحا، وكل قرار يبدو مبررا…وهذا هو الجحيم الحقيقي: ليس أن لا يكون لديك خيارات، بل أن تكون لديك كل الخيارات الممكنة، فلا تستطيع أن تختار أيا منها.
نحن لسنا مثل الحمار الذي يموت من الجوع والعطش. لا، نحن أسوأ بكثير . نحن نموت ببطء. نموت من التردد. نموت من الخوف من أن نختار شيئا واحداً، فنفقد كل الأشياء الأخرى. نحن نعيش حياة فارغة، معتقدين أننا نختار، بينما في الحقيقة نحن فقط نؤجل الموت. نؤجل القرار الذي سيحدد مصيرنا، ونفتقد الإرادة الحرة …
فماذا لو كان القرار الوحيد الصحيح هو القفز؟ القفز إلى المجهول، دون منطق، ودون سبب،مجرد فعل إرادي، مجرد اختيار أعمى…لأن المنطق الذي يجعلك تفكر، هو نفسه الذي سيقتلك في النهاية.
هل ستظل حائرا كحمار بوريدان؟ أم ستختار أن تكون إنسانا؟ وأن تختار حتى لو كان اختيارك خاطئا؟
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|