....
[frame="15 70"]
الكرامة هي حالة نفسية شعورية أساسا تكون كفطرة في الإنسان و يزداد الشعور بها كلما كان الشعور بالقهر و الذل و المهانة عميقا .. فيشعر الإنسان المهان بشيء يشبه العذاب النّفسي فتتولد مع ذلك الرغبة في القيام بشيء لاسترجاع الشعور بالراحة النّفسية و العزة ..حتّى يحقّق استقراره النفسي و رضاه الكامل عن نفسه ..
و اكيد تحتاج لشيء كالأكسجين كي يبقيها حية .. و لا وجود لشيء مثل ذلك إن كانت مهدورة أصلا .. بل أبسط الحقوق منتهكة بطريقة وحشية .. قد تكون الحرية الحقيقية انطلاقا من الحرية النّفسية ممثلة في اللاستعباد النفسي و الخضوع و حتى الوصول إلى حرية الوطن .. سببا لشعور الإنسان بأنّ له كرامة ..
رغم ذلك فنجد بعض البلدان مثلا تعاني الحرية ظاهريا و هي عكس الحرب التي معناها وجود المغتصب الظالم على الأراضي الوطنية بشكل تستحيل معه الحياة الهادئة و السكينة .. لكنّها تعتبر ظاهريا حرية بحكم الممارسات الشاذة التي تفرغها من معانيها و تنتفي بذلك حالة الكرامة كحالة نفسية يشعر بها الإنسان انطلاقا من عدة معايير .. وهذا ما يقصد به الاستعمار غير المباشر أو بالتبعية و الذّي تمارس فيه كلّ الانتهاكات بشكل مغلّف لا يظهر للعيان .. من سلب و نهب و هدم للاقتصاد وتلويث التاريخ المجيد و استغلال مهين فلو كان هنا الاستعمار مباشرا كما اعتدناه داخل الحدود و بالطريقة المألوفة و التي تولّد الثورة و الجهاد و الاستماتة في سبيل الحرية الحقة لكان الامر هيّنا و لقبلناه بمنطق الحرب العادية لا الحرب النّفسية و التي قد تكون نتائجها اخطر بكثير من تلك التي تمارس بقوة السلاح ..
لذلك في الحالة الأولى نجد مفهوم الكرامة واضحا أكثر باعتبار حالة الاستدلال و التبعية و التي مرادفها الصمت و السكون عن الحق ..
في الاستعمار غير المباشر نجد أنّ مصطلح الخيانة بارز بشكل كبير و الخائن يكون من أهل الدار كما يقولون و بالتالي فنجد من هم يفضلون مصلحة الغير على مصلحة الوطن .. و عادة يكون ممن يمثلون الشعب أو القائمين بصفة قانونية بأعمال السلطة خدمة للشعب و تحقيقا لمصالح الوطن و في الحقيقة الذي يحصل هو عكس ما هو موجود .. و هذا الذي لمسناه جديا و كمثال حي في أنظمتنا العربية العميلة للغرب الساعية وراء تحقيق مصالح شخصية تخدمها بالدرجة الأولى و من ثمّ تفادي الغضب الغربي و حالة السخط التي قد تلي أية حالة تمرّد و كأن التوجيه الحقيقي أو القائد الحقيقي هو ليس ذلك الجالس على كرسي الحكم و إنّما تنظيم آخر يجيد أعمال السلطة و التحكّم عن بعد .. ذلك الكرسي الذي أجهدته الخطط المحاكة و التدبيرات و أنهكته أكثر السيطرة الخارجية فأصبح مفرغا من ماهيته السلطوية ..
و الغرض من كلّ ذلك احتكار السلطة مع وجود الحماية الخارجية ..
و النتيجة أن المجتمعات العربية بقيت كما كانت قبل قرون .. لا تكنولوجيا لا علوم لا تصنيع لا اجتهاد ..
بعض المجتمعات و القرى لا زالت دفينة و أسيرة لبعض المعتقدات البالية حتّى أنّي اتفاجأ كثيرا من حالة بعض الأسر التي لازالت تعيش في القرى و الجبال البعيدة حالة مزرية و كأننا لازلنا في حالة الاستعمار التقليدي بل هم أسوء .. أبسط الحقوق لا تتوافر عليها لا ماء لا غداء ..
و لا نقول الجهل أو الأمية فهي حالة لا زلنا نعتبرها عادية ..
في مجتمعاتنا العربية يتم تهجير الأدمغة أو المتفوقين تلقائيا بإعانات أو منح لاستكمال الدراسة في الخارج و من هناك تبدأ الإغراءات و المقارنة مع المستوى الوطني و ما يوفره البلد الأصلي ..
هناك بطالة بشكل فضيع فنصف فئة الشباب إن لم نقل الثلث بدون عمل ..
المستوى المعيشي كلّ يوم في انخفاض و ما يتبعه من غلاء المعيشة و الدخل المحدود ..
تصريح بالمنفعة العمومية لأراضي كانت قبل ذلك أراضي فلاحية خصبة و بالتالي القضاء على البلد من الناحية الزراعية على حساب البناء و التشييد لسكنات .. رغم أنّ الفلاحة تعتبر منذ قديم العصور الثروة التي لا تضاهيها ثروة .. و النتيجة الحاجة اليوم لأبسط المواد الغذائية .. لأهم البلدان التي كانت تنتجها بل و تصدرها ..
ثم المشاكل الداخلية و ما ينتج عنها من حروب مصغرة طائفية و عرقية و دفاع كل فئة عن حقها في الوصول إلى السلطة و حقها في إقامة دويلة صغرى داخل الدولة الكبرى و ما يترتب عن ذلك من انقسام في الجسد الواحد و انشطار في الذات الواحدة و فقدان شيئا فشيئا لمقومات الهوية العربية و التاريخ المشترك و الشعور بالانتماء ..
و أهم من ذلك كله المحاولات المتكرّرة لتشويه صورة الإسلام و الاعتداء على الشخصيات الإسلامية وصولا حتّى للأنبياء و الرّسل كما حدث مع نبينا و رسولنا محمد صلى الله عليه و سلم قبل فترة و تحطيم البنية الإسلامية و مقومات الإسلام و التشكيك في صحّة ما جاء في القرآن .. و الدعوة للمسيحية و لاعتناق ديانات أخرى غير الإسلام في الوقت * و لله الحمد * شهد العالم و الغرب خصوصا حالات دخول كثيرة في الإسلام ..
تقسيم العالم انطلاقا من مستوى التطور إلى بلدان متقدمة و بلدان نامية أو دول العالم الثالث كتأكيد على أنّنا دونهم و تحقيقا لمطالب التبعية و الخضوع .. و قبولنا طوعا لهذه التسميات و رضانا بها مما أضعفنا اكثر بدل من أن نحاول النهوض بأنفسنا حتّى نشلّ حالة التبعية تلك و نمحو عنا العار الذي حملناه لسنوات طوال ..
للأسف الشديد الدول العظمى وضعت لنفسها خارطة و سارت عليها و ألزمتنا انطلاقا من الكرامة النائمة في جانبنا ان نخضع لها و نسلّم بها كحالة واقعية لا يمكننا تجاوزها .. و لهذه الدول حق الفيتو و حق تقرير مصير الشعوب الضعيفة و لها إصدار القرارات العالمية الملزمة و تطبيقها و تنفيذها و لها أساليب الردع و لها إصدار اللوائح و المناشير .. و لها التهديد حتّى بقوة السلاح في حالة التمرّد و العصيان .. و هذا ما رأيناه أكثر من مرة من خلال التدخلات العسكرية .. التي هدمت أكثر مما أصلحت و قتلت أكثر مما حافظت على الأرواح .. التنظيم العالمي يخضع للقواعد الموضوعة انطلاقا من مصالح الغرب و يخدمها و على أساسه تمّ تقسيم العالم ..
سيدة النور الغالية الأستاذة هدى الخطيب ..
مداخلة قيّمة لها جذور تاريخية .. ناقشت أسباب الازمات انطلاقا من المصطلحات و المفاهيم المتعددة لكلمة استعمار وصولا إلى المشاكل التي يعانيها المواطن العربي اليوم ..
أسئلة عميقة تتناول الوضع العربي وسط الرهانات الدولية الغربية ..
طرح موفّق جدا سياسي اقتصادي و حتّى له الطابع الدولي انطلاقا من فكرة التنظيم العالمي و الأسس التي يستند عليها ..
سيدتي الفاضلة شكرا و أتمنى حقا لو تشرفيني بمداخلات أخرى ..
** المستقبل العربي و كيف يبدو انطلاقا من بعض المعايير و الحقائق المؤكدة اليوم .. ؟
** ما مصير الدول العربية التي تشهد اليوم حالات من الأعاصير العنيفة .. و ما مدى الاستجابة العربية لتحقيق الوحدة العربية .. ؟
** هل الوضع الراهن لبعض البلدان العربية يعني فشل ثورات سنة 2011 ؟
** كيف لنا أن نراهن على حريتنا إن كنا أصلا لا نملك الدافع و الكرامة .. للوصول إليها ؟
[/frame]