القصيدة الومضة
[align=justify]
يتساءل كثيرون عن بنية القصيدة الومضة وماذا نعني بهذا المصطلح وهل هناك قصيدة يمكن أن تشكل معنى الومض بما يحمل من سرعة وتكثيف ووصول سريع؟؟..
إذا عدنا إلى أدبنا العربي نجد في التعريف والتوصيف أن القصيدة لا تسمى قصيدة إلا إذا بلغت سبعة أبيات وما فوق ، أما ما دون ذلك أي ستة أبيات مثلا فلا تسمى قصيدة بل مقطوعة .. من هنا يمكن أن نتواصل مباشرة مع القليل والمختصر ، ونتذكر الرباعيات في الشعر العربي بما كانت تحمل من اختصار شديد لتؤدي غرضا كاملا دون اجتزاء ، وهو شيء لا يبتعد عن معنى الومضة بما تعني من تكثيف وضغط وتعبير بأقل المفردات عما نريد .. فقد رأى الشاعر انه لا يحتاج أحيانا إلى الإطالة كي يقول ما يريد قوله ..
قد يشبه هذا في أدبنا الحديث القصة القصيرة جدا والتي كثر كتابها وبشكل غير طبيعي حتى خرجت عن المقصود منها .. إذ كان المبتغى أن تؤدي القصة القصيرة جدا كما القصيدة الومضة ، المعنى المراد بأقل كلام وبتكثيف شديد واختزال أو قص للزوائد التي لا لزوم لها ، ويفترض أن تكون هذه الاختصارات الشديدة مؤدية إلى الإدهاش والإمتاع والفائدة إن في القصة القصيرة جدا أو في قصيدة الومضة لكن القصة القصيرة جدا خرجت إلى اللهو والعبث فصارت إلى ما صارت إليه من ضعف وتفكك وهشاشة عند أكثر من يكتبون هذا الجنس إن أفردناه ، وهذا الصنف إن اتبعناه لفن القصة القصيرة..
جمالية القصيدة الومضة في أنها تعطيك المعنى المدهش والذي يبقى في الذهن لا يبرح .. اذكر أنني قلت من الومضات قبل سنوات طويلة قصيدة تقول :" عيناك تسألني / عن أعقل العشاق؟؟.. / مسكينة أنت / هل يعقل العشاق ؟؟.. " القصيدة كما نرى تتألف من أربعة أسطر و لا تزيد عن عشر كلمات .. وهي تضم موضوعا ، وغرضا ، ومقولة ، ومؤدى ، ولا تكسر حدود الفن فهناك الوزن والتقفية والصورة وتحريك الفعل ووجود شخصيتين واحدة تسأل وأخرى تجيب .. والاستعارة المكنية واضحة في هذه القصيدة الومضة بمعناها الواسع فالعينان تسألان وتنطقان الكلام أي نشبهما بالإنسان الذي يقول.. والسؤال يستتبع طلب ترتيب مقامات العشاق ومن الأعقل منهم ؟؟.. أي أن في العشق مراتب لعودة أو لذهاب جزء من العقل شغفا وهو أيضا موجود كثيرا في أدبنا العربي..طبعا تأتى الإجابة لتحمل الغرابة والإدهاش ، إذ من قال لكِ إن هناك عاشقا واحدا يعقل حتى نرتب من منهم الأعقل ؟؟.. إنها عشر كلمات أدت كل هذا الذي ذهبنا إليه .. فالاختصار أو الومض هنا لم يكن مجانيا بل كان مفيدا مؤديا لما أريد منه بشكل كامل .. وطبيعي أن الشعراء قد كتبوا في هذا الشكل وأبدعوا ، وما وجدتُ عبثية في قصيدة الومضة كما وجدت في القصة القصيرة جدا إذ بقي الشعراء محافظين على قيمة القصيدة ولم يكسروا جماليتها وفائدتها ..
إذن قصيدة الومضة فن يفترض أن يكون متكامل الأداء والتوصيل والجمالية .. ومن صفاته التي يمكن أن تجتمع في عبارة مفيدة يحضرني هنا " ما قلّ ودلّ " فهنا المعنى المفيد والصحيح لما نريد أن نطرحه عن قصيدة الومضة ..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|