[طلعت سقيرق]

[align=justify]
كان يفترض أن أقرأ رواية " يحيى يعيش ولا يحيى " للكاتب التركي عزين نيسين منذ فترة طويلة ، بل طويلة جدا ، لأرى إلى هذا الكاتب في وجه من وجوه أدبه المتعددة والتي تكاد تكون معجزة بما تحمل من امتداد وجمال ورونق .. وإذا كان بطل الرواية يشار يشامز من أغرب الشخصيات وأجملها على الإطلاق ، فإن الطريقة التي يروي بها عزيز نيسين روايته ورواية شخصيته تشدك إليها وتجعلك تقرأ ما تشبه في أدبنا العربي ويقارب ما نجده في السير التي لا تتركك ولا تجعلك تأخذ نفسا حتى تكمل القصة حتى آخرها متمنيا ألا تنتهي ..
بشار يشامز بحبكة بسيطة يريد أن يحصل على هوية شخصية ليتجوز مثل بقية الناس في هذه المعمورة ، فيكتشف الموظف المسئول أن يشار قد استشهد في معركة القلعة قبل سنوات طويلة ، طبعا الخطأ ناتج عن تشابه أسماء !!لكن من يقنع الموظف؟؟.. .. وتقوم قيامة يشار : كيف أكون ميتا وأنا أقف أمامك .. الموظف في كل الحالات ليس لديه إلا الثبوتيات والأوراق الرسمية ، وعنده حسب الأوراق الرسمية أن يشار ميت .. إذن على يشار أن يقتنع وهو بين الناس انه ميت !!..
تنشأ كل المفارقات المضحكة والمبكية من هذه النقطة التي لا حل لها بأي شكل من الأشكال .. فالميت في الأوراق الرسمية ميت ولا مجال لتصحيح الخطأ في الدفاتر الرسمية المقدسة!!.... ونذهب مع هذه الشخصية التي تعيش ولا تعيش كل مذهب ، إن أراد أن يعمل فهو بحاجة لبطاقة شخصية ، وإن أراد أن يتحرك من مكان إلى مكان فهو أيضا بحاجة إلى بطاقة شخصية .. أما عندما يريدون منه شيئا – أي الحكومة – فلا أهمية للهوية الشخصية ..
ولا يكون أمام يشار أخيرا إلا السجن بعد أن يلعن ويشتم الجميع دون تفريق !!.. .. وفي السجن يتحول إلى حكواتي يروي قصته الغريبة العجيبة بطريقة تجعل كل السجناء مستمعين، خاصة في مهجعه .. ويشار الذي كان غبيا من قبل يتحول في السجن إلى تاجر محنك يتاجر بكل شيء .. وتكون حكمته المال هو الذي سيكون مخلصه وهويته وسبيله عندما يخرج من السجن ..
يتاجر بكل شيء .. يصبح صيادا ماهرا للفرص .. ويخفي ما يقوم به عن الجميع حتى لا يطمعوا به ويأخذون منه .. يضم المال إلى المال .. وعندما بخرج من السجن .. يكون شخصية جديدة تفاجئ حتى المساجين معه .. فهو الذي كان لا يعرف غير الملابس القديمة ، يلبس أجمل الملابس، وهناك من يسعى لينقل له أغراضه في عدة حقائب كبيرة .. كيف كان ذلك وكيف حدث ..؟؟.. سؤال لا يستطيع المساجين إلا التوقف أمامه عاجزين .. فيشار تعلم .. لكنه تعلم بسرعة وسبق الجميع ليكون شخصية تنقلب مائة وثمانين درجة وبشكل لا يصدق.. الإنسان المسكين الفقير سيء الحال يخرج من السجن وكأنه كان في سفر يجني المال ويجمعه ..
يذهلك عزيز نيسين بتقديمه لشخصية يشار الغريبة التي تثير مفارقاتها الكثير من الضحك .. وتعرف أن هذا الكاتب قد أعطى عددا كبيرا من الكتاب مادة غنية أفادتهم في طريقة حبك القصة الفكاهية أو الساخرة ، حتى لتكاد تظن أن الكثير من هذه القصص خرجت من معطف عزيز نيسين .. ليس في الأدب الغربي فقط كما نتوهم بل في العديد من الآداب العالمية .. فالرجل خزان لا ينضب من الفكاهة والروح المرحة ..

[/align]