فكرة كاذبة + قلم كاذب= مضمون كاذب!!
مدخل:
- هذا الوغد كيف تركوه طليقا؟؟ وكان انسب مكان له هو قاع السجن؟؟
- إن الرجال يستر بعضهم جرائم البعض ولاسيما اذا كانت متعلقة بامثال هذه الاشياء!! ولايجرؤ احد عندئذ ان يبوح بسر ِ من اسرارها!!(1)
* قيل ان النبى (ص) قال في احد احاديثه ان المسلم لايكذب!! قد يزنى ويسرق ويشرب الخمر ويفعل منكرات اخرى لكنه لايكذب..بمعنى الخروج من الدين..ولااعتبر هذا الاستدلال استغلالا من قبلى لجانب روحى..غير انه استغلال موضوعى ليس الا..بغض النظر عن صحة رواية الحديث من عدمه..لكن مضامينه تفضى بنا الى سوء الكذب لدى الانسان بصفة عامة.
الكتابة سر من اسرار الصنعة..قلما تجد كاتبا يبدا في نص جديد وسط الناس ..الا نادرا..خاصة اؤلئك الذين يدخلون الى الابداع من نوافذ اخرى!! والمدخل اعلاه من مسرحية للرائع لوركا ..ربما نقترح ان نمسك بالمعنى اكثر من الاحداث التى استدعت هذا الحوار بين اميليا ومارتيريو في المسرحية..
ولااكتب هنا مابين الشخصانية والعاطفة او الشك... وقد نمارس هذا في حياتنا( وينبغى الانفعل) لكن عند الكتابة يختلف الامر... وموضوعنا هنا حول الافتراء على الابداع في ظل الحرية المطلقة التى يوفرها عالم الانترنت وربما بعض المطبوعات الاخرى...فنجد الكثير من الاقلام التى لن تتوقف عند مفرداتها تمعنا ودراسة.. وهذه من آفات الحرية المطلقة التى حولت النت الى سوق مقرف ومتزاحم ماكان ليكون لو ان العلم هو سيد الاشياء ومعيارها!! ولايظن احد انى ضد الحرية المطلقة...غير ان هذه المطلقة اذاتسنت لبعض الاطفال فانهم سوف يدمرون حتى العابهم اذا لم يتم ردعهم او كما يقول برتراند راسل( كلما وجهت صفعة لطفل فان خليطا معقدا من العواطف المتقدة المتنازعه يغلى في داخلى(2)) لكنه يستدرك فيقول :
( لامفر من فرض بعض القيود على مبدا الحرية المطلقة اذا اردنا من الاطفال ان يتعلموا شيئا (3))...
وذات مرة قال لى احد الزملاء ان الكتابة السياسية لاتختلف عن الممارسة السياسية ، بمعنى ان كلاهما يخضعان لفن السياسة..او فن الممكن ا والميكافيلية..انا ارى ان الامر يختلف..فاى كتابة سياسية او غيرسياسية.. تخضع للعلم بمعزل عن الممارسة..وكما الكتابة في الادب والفن..لذلك هناك في السياسة كذب وحسب..اما في الكتابة اياً كانت..هناك كذب اوصدق !! وهنا اقترح ان نتناول مضامين الكتابات الكاذبة..فهى الافكار التى لاتتصالح مع الحياة او كما يقول كاجان :
( لاتتواءم مع الحقيقة الواقعة لحياة المجتمع (4))..والنص الحقيقى هو النص الذى يحمل فكرة صادقة ، وان اختلف الناس مع هذه الفكرة..غيران الناس لايختلفون ابدا( الا فيما ندر) على الكذب!! بمعنى ادق فإن النص الكاذب ينتج مضمونا كاذبا..والافكار الكاذبة بالطبيعة تؤثر على نحو سلبى بالمضمون..سارق النصوص الادبية كاذب وان طرح مضامين جيدة..لانه سارق وذلك من بداهة القول.. وبعض الكتابات يتجلى الكذب فيها بسرقة الفكرة والمضمون..وبعض الكتاب يسرقون ويذيلون كتاباتهم بثبت مراجع يثبت بعد ذلك بسذاجتهم فضاحة سرقاتهم!! وبذلك فان الفكرة التى يدعى صاحبها انها ملكه تنتج في الحقيقة نصا كاذبا غير قابل للحياة ، حتى وان عاش فترة من الزمن ! او كما يقول الشاعر العباسى دعبل الخُزاعى:
يموت ردىء الشعر قبل صاحبه * ويعيش جيده وان مات قائله
لان التاريخ في الادب لايصنعه الكذابين!! فالمضمون هو روح النص ،ليجعلك تتآلف مع تفاصيله ويأسرك بعمقه..وعلى سبيل المثال هناك ترجمات لنصوص هى ترجمات كاذبة لانها ناقلة امينة ليس الا..الصدق هنا في النقل..والكذب في ادعاء الابداع..بعض الترجمات الاخرى نجد فيها روح المترجم وانفاسه ، لذلك تسمى ترجمة صادقة وشغل على النص باسلوب المترجم..والمترجم الصادق ليس هو الامين دائما بطبيعة الحال بل الصادق هو الذى يختلف عن الكاذب في الحالة الاخيرة لان الكاذب على الترجمة هو الذى يترجم نصا دون ان يحدد المضامين التى يهتم لها..اما الكاذب الاسوأ فذلك الذى يترجم نصا ويتمادى في تحريف احداثه ليلوى عنقه ويجيره لورشة كذبه ويكتب عليه( تأليفا)!! وأقرأ من آن لآخر قصص واشعار هى نسخ كربونية مشوهة عن الاخوة كرامازوف او فضائح الاميرات او البؤساء او من مكة الى هنااوحتى معطف غوغول!! وشعر بوكوفسكى وبعضها عن بونى وكلايد والاخرى عن موريس لبلان...
الفونسو ايلسابيو قال ذات مرة اثناء تسلمه لاحد الجوائز الادبية في امريكا:
(اتحدث ـ على عجالة ربما ـ عن الطرق التي أفادتني فيها الترجمة كشكل من أشكال التأليف وكأساس للكثير من عملي بوصفي شاعراً وكاتباً. لم يدر بخلدي مطلقاً أني مترجم محترف لأن إدراكي لأية لغة أخرى، عدا الإنكليزية، محدود تماما ً يُصيِّر كل ترجمة أنجزها إلى عملية بطيئة وأحياناً مبهمة جداً "غالباً ما يحدث ذلك في حالة اللغات التي تغترب عن وجهة نظرنا، وبالتعاون مع مترجمين آخرين". وكقاعدة عندي، عندما أترجم لا أضيف للنص الأصل ولا أحذف منه لكني كنت ضمن تلك الحدود أخالني شاعراً يستعمل الترجمة كوسيلة لخلق قصائد جديدة أو نقل قصائد جديدة للغة الإنكليزية(5)).. بعض النصوص عن اجواء نجيب
محفوظ..وينسحب الكذب ايضا على المسرح وبعض المسلسلات الدرامية التى هى عبارة عن تعريب او( تلييب) لافلام ومسلسلات مصرية قديمة...
الكذب في كتابة النص يمارسه بعض الكتاب لانهم غير قادرين على صنع مخيلة خاصة بهم او مدائن تحتويهم..خاصة اؤلئك النبت الشيطانى الذى لاتعرف عن سيرتهم الادبية سوى طلاسم تشتم منها روائح الكذب على النص!! فيكذب على المكان والزمان والاجواء والرموز التى يستقى اسماءها من افواه المثقفين وغيرهم ممن لهم علاقة حقيقية بالمكان وليس عن فهم ومعايشة لتلك الرموز التى يتناولها.. فيأسرك بعمقه واستقلالية وتفرد طرحه وقدرته على الامساك بتلابيب المتلقى..لكنك تكتشف النبت الشيطانى فيحيلك الى فكرة كاذبة كتبها قلم كاذب..ويتم الاحتفاء بالقلم الكاذب كصانع جديد لاجواء مغايرة وتختلف !!لان الادعاء من اخطر الممارسات في تاريخ الادب( كما يقول احمد الفيتورى)..فكل شهرة يبنيها المدعى يصنعها من الكذب والتطفل والتفرغ( بالادعاء) وتشويه الصدق او جمال وجه الحياة لان المدرسة اصلا هى مدرسة كذب وافتراء..فيخرج عليك شاهرا سيفه.. لان احجار الجبان كبيرة!! ولكنها غير فاعلة بسبب يده التى ترتعش او يكون كالمريب يكاد يقول خذونى!! ولانه يعانى من مركب نقص اسمه( المكانة في التاريخ)..ومع ذلك فإن للقلم الكاذب متلقى يتماهى مع افكاره ويتعاطى معها واحيانا ينصهر فيها..فيجد من يقرأ له ويشاهد اعماله ويستمرىء تكراره الممل للكذب والادعاء ( خاصة في زمن كونى صغير)!!..ولان الكاذب لاقيمة اخلاقية يؤمن بها فان خصومته ايضا خالية من الشرف ولابد ان يجد هنا متلقى يخشاه ويحاول ان يدرأ عن نفسه شروره ..بمبدأ ( ابعد عن الشر وغنى له!!) ومع ذلك فالكذب عمره اقصر من عمر الكاذب احيانا..لان الكذب في النصوص يمزقها وينفى عنها صفة الفن..
بمعنى اوضح..الكتابات الكاذبة هىصناعة رجعية( بمعناها الابداعى وليس السياسى!!) تتطفل على الفن وتشظى روعته..لان الفن الحقيقى لايجسد الا قيم حقيقية في ورشة غير كاذبة وجدت بتراتيبية تاريخية..وصنعت ادواتها في مشهد هى متصلة معه وعاشت فيه وعُرفت به حتى
وان اختلفت معها...ثم بعد ذلك تأتى قراءة هذه التراتيبية في المشهد فإما ان يقال كاتب متصل بابداعه..وإما ان يقال كاتب يعبث منذ عشرات السنين ولاينتج معنى ..لكنهم لايقولون نبت شيطانى او كاتب كاذب جاء من افق غامض وحط فوق الارض كعنقاء مستحيلة!! والكاتب غير الكاذب مهما اختلفنا حول مضامينه..وقد تكون رديئة ( احيانا بفعل صدقه!!) والصدق يتجسد في انه يقدم ما عنده (و ليس بالامكان ماهو ابدع) لكنه نبت موجود يسعى بين الناس... وللايضاح هناك نماذج وليست حصراًُ: محمد المالكى كاتب صادق مع نفسه ومضامينه وان اختلف معه كل الناس...سالم العبار ومحمد المسلاتى وخليفة حسين مصطفى وسليمان كشلاف وخديجة بسيكرى ومفتاح العمارى وحسين مخلوف واسماء الاسطى ونجوى بن شتوان وعزالدين اللواج ورامز النويصرى ..وهم امثلة ليس الا ..كتاب صادقون فيما يهتمون به وله..لهم تراتيب في المشهد ولم ياتوا من ظلام..لهم اسماءهم وتواجدهم..ثم نختلف او نتفق معهم لابأس من ذلك..لكن لااحد يدعى ان اسماءهم جاءت فجأة..او نزلت من عل..او وجدنا اسماءهم ذات صباح دون تقديم لذواتهم الابداعية..
لقد كان ومايزال للافتراء على النصوص تاريخ طويل منذ القدم وحتى اليوم..ومنه ماقيل ان شكسبير لم يؤلف مسرحياته...وبعضهم قال ان شكسبير له اسم آخر وقد تلبس بهذا الاسم بسبب عدم اعتراف ابويه ببنوته... والكذب هنا نسبى اذا صح هذا الزعم... والشاعر تشارلز بوكوفسكى اعترف بكتابته لنصوص تاريخية رديئة مقابل مال يحتاجه...لكنه تبرأ منها واعتبرها جزء من اعمال رديئة كتبها ذلك لانه لم يشأ ان يكون كاتبا كاذبا... بعضهم الآخر تلبس اقلام اخرى واعترف بعجزه عن خروجه من هذا الجلباب المُقتبس!!...البعض الآخر لدينا كتاب كاذبون ايضا لانهم ارتدوا عباءة الصادق النيهوم ولم يعترفوا...كاتب هذه السطور تلبسه النيهوم ولم اتمكن من الخروج من اجواءه حتى الآن واعترف بذلك..واحد الصادقين الاجانب في الكتابة قال حرفيا عن قراءته لرواية كاتب آخر:( كلما قرأت تلك الرواية وجدت في كتاباتى جزء منها بدون وعى منى ) ..جان جينيه الكاتب الفرنسى العظيم كان صادقا مع ذاته.فلم يسرق غير الكتب ليقرأها وليقدم للمتلقى ابداعه المتميز..وذات مرة سجن بسبب سرقته لكتاب
واعترف بذلك..قال له القاضى: "هل تعرف ثمن الكتاب الذي سرقت؟"، فأجابه جينيه:
"لا أعرف ثمن الكتاب، لكني أعرف قيمته"!! وقد كتب " مذكرات لص " وهو في السجن..ولم يقل احد انه كاتب كاذب..لكن بعض النقاد يقولون عنه : "إنسان سيء لكن كتاباته جيدة جدا". !!المحصلة وبدون اى اطالة قد تنتج حشوا لامبرر له ولزوم ما لايلزم..هى :
النص الكاذب ، يفرخ مضمونا كاذبا، ويؤدى الى قراءة مشوهة وكاذبة لمتلقى يستمرىء الكذب ليس الا..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــ
هوامش :
(1) من رائعة غارثيا لوركا المسرحية( بيت برنارد البا) والحوار بين الشخصيتين اميليا ومارتيربو.
(2) برتراند راسل لــ ..آلان وُود ترجمة د. رمسيس عوض..دار الاندلس..بيروت 1984م.
(3) نفس المصدر.
(4) الفن والحياة. كاجان. السلسلة النضالية.
(5) الترجمة بوصفها تأليفاً والتأليف بوصفه ترجمةً.. جيروم روثنبرغ.. ترجمة خالدة حامد 2004م.
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|