انبعاث
أَعِيدِي إِلَى عَيْنَيْكِ يَا هَذِهِ سِتْرَا **وَلا تَعْصِرِي خَمْرًا فَلَنْ أَشْرَبَ الْخَمْرَا
فَلا عَيْنُكِ الزَّرْقَاءُ بَحْرُ مَوَاجِعٍ** وَلا تَمْسَحُ الأَتْعَابَ خَصْلاتُكِ الشَّقْرَا
تَنَبَّأْتُ وَحْدِي فِي حِرَاءِ تَعَبُّدِي** وَجِئْتُ مِنَ التَّارِيخِ بِالآيَةِ الْكُبْرَى
دَعِينِي وَشَأْنِي لَسْتِ سِحْرًا يُثِيرُنِي** وَبَابِلُ مَدَّتْ كَفَّهَا تَرْفُضُ السِّحْرَا
دَعِينِي فَمَا حُبُّ الْجَمِيلاتِ خَالِدٌ** فَسُرْعَانَ مَا يَخْبُو وَيَلْتَهِمُ الْجَمْرَا
جَمِيعُ أَحَاسِيسِي بِخَمْرَةِ عَادِلٍ** تَهَادَتْ إِلَى عَيْنَيْهِ مَذْهُولَةً سَكْرَى
تَقُولِينَ هَلْ فِي الْعَيْنِ سِرٌّ تُجِلُّهُ** أَجَلْ إِنَّمَا عَيْنَاكِ لا تَحْفَظُ السِّرَّا
أَغِثْ قَلْبِيَ الْمَشْحُونَ بِالْحُبِّ سَيِّدِي** وَذَكِّرْ فَإِنَّ الْحُبَّ تَنْفَعُهُ الذِّكْرَى
وَيَسِّرْ فُؤَادِي فِي مَدَاكَ فَإِنَّنِي** لَيَالٍ طِوَالٌ جِئْتَ فِي لَوْنِهَا بَدْرَا
أَلَمْ أَكُ قَبْلَ الْيَوْمِ صَحْرَاءَ تَائِهٍ** تَلَثَّمَ بِالْبَيْدَاءِ أَوْ لَبِسَ الْقَفْرَا
لَعَلَّ بَنَاتِ الْفِكْرِ لا تَعْرِفُ الْهَوَى** أَظَلُّ إِذًا أَسْعَى لأُعْطِيَهَا الْمَهْرَا
رَأَيْتُكَ فِي الآفَاقِ شَمْسًا مُضِيئَةً** تُشَكِّلُنِي مِنْ طَيْفِهَا الْمُزْدَهِي فَجْرَا
وَبَحْرًا مِنَ الأَفْكَارِ فِي مَدِّهِ اسْتَوَى** فَلَسْتُ أَرَى فِي سَاحِلٍ عِنْدَهُ جَزْرَا
وَأُسْطُورَةً مِنْ دِفْئِهَا رُسِمَ الشَّذَى** فَلا شِعْرَ يُعْطِيهَا الأَمَانَ وَلا نَثْرَا
أَنَا النّسْرُ لَمْ يَعْرِفْ سَمَاءً تُحِبُّهُ** وَعِنْدَ الأَشَمِّ الرَّحْبِ هَا قَدْ بَنَى وَكْرَا
فَيَا سَيِّدِي جَاءَتْ مَوَاوِيلُكَ الَّتِي** تُرَدِّدُ فِي الأَعْمَاقِ أُنْشُودَةَ الْبُشْرَى
وَأَوْحَتْ قَوَافِيكَ الْجَرِيئَةُ وَحْيَهَا** وَهَا أَنَاْ ذَا أَتْلُو عَلَى الْمَلإِ السِّفْرَا
مَزِيجٌ مِنَ الرُّؤْيَا احْتَسَتْهُ جَوَارِحِي** شَبِعْتُ بِهِ حُلْوًا وَأَعْشَقُهُ مُرَّا
أَيَا سَيِّدِي وَالْبَحْرُ طَافَ بِخَاطِرِي** وَأَنْتَ بِمَا فِي الْبَحْرِ يَا سَيِّدِي أَدْرَى
أَيَغْسِلُنِي الْبَحْرُ الطَّوِيلُ بِمَائِهِ** وَأَهْوَى سِوَاهُ حِينَ أَفْتَقِدُ الْبَحْرَا
بُرَاقٌ مِنَ الأَطْيَافِ شَكَّلَهُ الدُّجَى** إِلَى أَعْصُرِ الأَلْوَانِ وَالصَّمْتِ بِي أَسْرَى
فَأَبْصَرْتُ مِنْ بَيْنِ السَّحَابَاتِ عَادِلاً** يُشَذِّبُ فِي كَفَّيْهِ بِالْحَجَرِ الصَّخْرَا
يُسَافِرُ لِلْعَصْرِ الْجُرَاسِيِّ تَائِهًا** لِيَبْعَثَ فِي التَّارِيخِ مَلْحَمَةً أُخْرَى
وَمَازَالَ يَبْنِي حِقْبَةً بَعْدَ حِقْبَةٍ** وَيُلْبِسُهَا الإِحْسَاسَ وَالدِّفْءَ وَالطُّهْرَا
بَنَى لِيَ مِحْرَابًا فَصَلَّيْتُ عِنْدَهُ** صَلاةَ الْهَوَى سِرًّا لِيَقْبَلَنِي جَهْرَا
هُنَالِكَ أَلْوَانِي وَأَلْوَانُ سَهْمِهِ** تَلاقَتْ وَكَانَ شَذَى التَّارِيخِ يَسْتَبِقُ الدَّهْرَا
عَلَى مَعْلَمِ الإِحْسَاسِ مَنْ ذَا يَقِيسُنَا** لِيَعْرِفَ كَمْ تَمْتَدُّ آهَاتُنَا الْحَرَّى
وَلَكِنَّ رَبَّ النَّاسِ يَعْلَمُ أَنَّنَا** حَبِيبَانِ مَدَّ الطُّهْرُ بَيْنَهُمَا جِسْرَا
الشاعر إبراهيم بشوات 15/ 10 /2010