الشعر بين حالتين
[align=justify]
يكون موجعاً ومقلقاً أن ينوس الشعر بين حالتين، حالة يكون فيها محلقاً مرتفعاً مليئاً بالخصب والامتداد والأضواء، وحالة أخرى يكون فيها مجرد صوت موسيقي يتردد لاحياة فيه ولا حيوية ولا ارتفاع ولا خصوبة.. والسؤال الجارح الموجع ينطلق من جملة بسيطة تقول: ما الداعي لوجود مثل هذا الفرق الهائل بين قصيدة وأخرى، بين شعر وشعر، خاصة حين يكون الشاعر الذي قال هذا وذاك واحداً؟؟..
في الفن، أو في الإبداع بشكل عام، يقولون من الصعب أن يحلق المبدع في كل الحالات.. من الصعب أن يختصر كل الفضاءات ليكون في الأعلى دائماً.. وهذا أمر طبيعي لا نجادل في جزئياته والكثير من دوربه.. لكن يبقى سؤالنا الجارح مفتوحاً على القول: ما معنى أن يرتفع الشاعر في قصيدة ما حتى يصل إلى قمة القمم، ثم تراه في قصيدة ثانية يهبط حتى الحضيض.. وحين تجري المقارنة، يداخلك الشك بأن تكون القصيدتان لشاعر واحد..!!..
الاختلاف في المستوى جائز.. لكنه اختلاف بسيط يبقي على ملامح الشاعر وأسلوبه وصوته ونبرته.. ربما يكرر نفسه.. ربما يعزف على الأوتار عزفاً كان قد عزفه من قبل.. ربما تخونه بعض المقاطع فلا تكون سويتها بسوية المقاطع الأخرى.. كل هذا جائز.. لكن أن يصير الشاعر غير الشاعر، والقصيدة غير القصيدة، فهذا يجعلك تشك بأمور كثيرة، تدعوك وتدفعك لأن تنصح الشاعر بالصمت..!!..
يرى البعض، أن حرارة الحدث، قد تفقد الشاعر بعض قدراته الفنية، فتراه في قصيدة ضعيفة مفككة غير قادرة على الوقوف.. ومع أن مثل هذه الفرضية خاطئة وغير مقبولة، حيث أن الشاعر الجيد يبقى جيداً في كل الأحوال.. والاختلاف حين يحدث فإنما يحدث في مقدار الجودة، فنقول هذه القصيدة أجود من تلك، وهذه القصيدة أفضل من سابقتها.. فإننا نقول ببساطة لايطلب من الشاعر أن يتحرك على وقع الحدث إلا وهو واثق من أدواته وقدرته وملكته.. أما أن يكون شاعراً مفرغاً خاضعاً لتسارع الحدث فهذا أمر غير مقبول..!!..
لا أحد ينكر أن هناك شعر حدث أو شعر مناسبة.. وفي مثل هذه الحالات قد يحلق الشعر فيكون في القمة الأعلى، وقد يهبط فيكون في الحضيض.. وهذا يعيدنا إلى البداية كما نلاحظ، فالشاعر هو الذي يتحرك على نبض الحدث، وهو الذي يجعل الشعر مرتفعاً أو منخفضاً.. وطبيعي أننا لايمكن أن ننكر أهمية الحدث وحجمه، فالتساوي مستحيل هنا.. لكن يبقى الشاعر هو صاحب التجربة في كل الحالات، ولايطلب منه، أن يكون في الأعلى مرة، وفي الحضيض مرة.. وهنا لانتحدث عن الشعراء الذين لايعرفون من القمم إلا أنها قمم.. لأن شعراء كهؤلاء لايستطيع أحد أن يقارن بين هذه القصيدة أو تلك لهم.. فالمقارنة بين السيء والسيء، لن تخرج بأي نتيجة..
نتحدث عن الشاعر المجيد.. عن القصيدة الجيدة.. عن الشعر الذي يستطيع بكل جمال وبهاء أن يكون شعراً رائعاً.. هنا نثور ونتساءل حين نجد قصيدة تهبط كل الهبوط، وتصل إلى الحضيض.. ونشك كل الشك.. لأن الشاعر المجيد، والذي عودنا أن يكون مجيداً، يجعلنا نرتبك حين نجد شعره بين حالتين متناقضتين تماماً.. فقصيدة تعلو حتى تصل إلى القمة، وقصيدة تنكسر وتقع دون أي مبرر لتكون في الحضيض..
لانستطيع أن نبرر، ولا نقبل، أن يكون الشاعر بين حالتين، لأنه بذلك يكون شخصيتين لا شخصية واحدة.. وإذا أردنا الحقيقة، نقول إن الشاعر في هذا الموقع تحديداً قد استهتر بفنه، وفتح الباب واسعاً لدخول الخطأ إلى شعره ليكون شعراً بعيداً عنه، بعيداً عن عالمه، بعيداً عن حقيقته.. فالشاعر الحقيقي لايقبل أن يكون شاعر حالتين، أو شاعر شخصيتين في شعره.. وأعود مؤكداً ومصراً أنني أعني الشاعر المجيد، لذلك قلت الشاعر الحقيقي..
كم من الشعر يكتب باسم الشعر ولايمت إليه بصلة.. كم من الأدعياء يدخلون عالم الشعر ويخربون عالمه.. وكم.. وكم..!!.. أنا لا أتحدث عن هؤلاء، ولايعنيني أن أتحدث عنهم.. فأنا أتحدث عن الشاعر الحقيقي، الشاعر المجيد، الشاعر الذي يهمه أن تكون قصيدته نسراً يحلق في الأعالي..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|