الكتابة والمقاومة..
[align=justify]
هل على الكتابة أن تصمت في زمن الفعل المقاوم؟؟.. أم أن عليها بشكل ما، أن تقف إلى جانب المقاومة، لتكون حاضرة قادرة على المشاركة بكل محاورها..؟؟.. أم أن عليها أن تترك مسافة مانستطيع أن نسميها مسافة وضوح الصورة، كي لاتغرق في التفاصيل الصغيرة والجزئيات مما يخرجها من كونها شكلاً مغايراً بالضرورة لما هو عادي ويومي؟؟..
طبيعي أن تأخذ الكتابة دورها الفاعل المحرك دون الغرق في العادية، ودون الدخول في متاهة التكرار والالتصاق بالمعروف والمقروء.. أي يفترض على الكاتب أن يكون مبدعاً بكل المعايير حتى لايخرج بصورة منسوخة عن واقع ما.. وهذا يشمل كل الكتابات دون استثناء.. فكاتب السياسة، عليه أن يكون مبدعاً مغايراً متفوقاً، بعيداً عن هذا الوقوع الغريب في عملية نثر المنثور، ونقل الموجود بعملية جمع للأخبار ليس إلا!!.. مما يراكم دراسات وتقارير وآراء لاتعطي أي جديد، ولاتفيد القارئ في شيء، لأنه يقرأ معروفاً بالنسبة له، لايختلف عن أي شيء مما يسمعه في نشرة الأخبار.. أين الإبداع.. أين الرأي الحقيقي.. أين التحليل.. أين الإضافة التي تعطي شيئاً يبني؟؟.. هذا يعني أن تكون الكتابة كلها، سياسة وثقافة، في درب الإبداع الذي يضيف ويبني..
إن القول بضرورة صمت الكتابة في زمن الحرب، لأنه لاوقت للكلام حين تتحدث المدافع، وأنه لامعنى للكلام في زمن الحرائق والنار، لايمكن أن يؤخذ بشكل من الأشكال على كونه حقيقة يجب العمل على أساسها.. فالكتابة ترافق الفعل وتمشي معه، لتكون فعلاً مقاوماً أيضاً.. والاتكاء من بعض من يرون غير ذلك على قول الشاعر »السيف أصدق أنباء من الكتب« يجانب الحقيقة كون هذا القول اتجه إلى التقليل من قيمة المنجمين وغيرهم ممن قالوا بأن الهزيمة ستلحق بالجيش إذا ذهب إلى الحرب، فكان النصر حليف الجيش مما أبطل وأسقط تخريصاتهم.. ولو كان الشاعر يقول بأنه لا جدوى للكلام في زمن الحرب، لصمت عن القول هو وسواه أثناء المعارك.. ونعرف تلك القصائد التي كانت تشحذ الهمم أثناء وقبل خوض الحروب.. وهكذا.. كما نعرف كل تلك القصائد وأنواع الأدب التي كانت ترافق الحروب والمعارك، وتلك التي كانت تأتي بعدها.. فالكلمة ذات وظائف متعددة متنوعة، إذ يمكن أن تسبق الفعل المقاوم، وترافقه، ثم تكون بعده..
لكن ماذا نقول عن النقد الذي يوجه إلى هذا الكم الذي يظهر أثناء الحروب كونه كما لايحمل الكثير من القيمة.. إذ تقع كل الكتابات التي تقال في زمن الحروب بحالة غريبة من حالات العادية والمكرر، وصولاً إلى فوضى التراكم الذي لايفيد.. فهل هذا صحيح؟؟.. لن ننكر ذلك في جزء كبير منه.. فهل نقول كما قال كثيرون بضرورة أخذ نفس حتى تضع الحرب أوزارها، ثم يكون للكتابة مصادرها من باب النظر إلى الأشياء بكليتها، دون الوقوع في شرك الانفعال والتسرع؟؟.. لايمكن أن نقول بذلك، لأن التعميم يعني وضع كل الكتاب في صف واحد، متناسين الطباع والمشاعر والأفكار وما إلى ذلك.. باعتقادي من الأجدى أن نترك للكاتب حرية التعبير في الوقت الذي يختاره، وعلينا من بعد أن نأخذ الجيد ونترك السيء.. وطبيعي أننا غير ملزمين بأخذ كل شيء مما يكتب باعتباره كتابة جيدة..
يعود هذا إلى ملاحظة مسار ماكتب والاستفادة من أخطائه وحسناته.. فالكتابة المرافقة حين تقرأ تجربة سبقتها، تستطيع تجاوز الكثير من الأخطاء، لتكون كتابة متفوقة بكل معنى الكلمة، وبما يخرجها من مأزق العادية والتكرار.. هذا يتطلب أن يكون الكاتب ناقداً لما يكتب محدقاً بالجزئيات والكليات.. وباعتقادي أن الكاتب السيء سيء في كل الحالات، والكاتب الجيد جيد في كل الحالات، مع الاعتراف بالتفاوت.. إذ لايمكن أن تكون كتابات الكاتب الجيد نسخة واحدة، بل تتفاوت كتاباته بين هذه وتلك، دون الوقوع في الهبوط الكلي.. وهذا ينطبق على الكاتب الذي يكتب كتابات سيئة، فهي تتفاوت دون الوصول إلى المستوى الجيد أو المتفوق.. إنها تركيبة كاتب.. ثقافة.. موهبة.. قدرة على العطاء.. وهكذا..
قد يطرح السؤال هنا: وهل تحتاج المعارك والحروب إلى كتابات سيئة أو هابطة مادمنا نعرف أن فلاناً لايكتب إلا على هذا الشكل من السوء؟؟.. طبيعي القول بصعوبة إقناع الكاتب بأنه كاتب سيء، أو صاحب كتابات سيئة.. فالكاتب المهزوز لايقبل النقد لأنه خائف على الدوام من كشف ضعفه الذي لايريد أن يعترف به.. وأيضاً علينا الإيمان بوجود هذا وذاك.. فالمتنبي لايمكن أن يكون هذا الشاعر العظيم لولا وجود عدد كبير من الشعراء »والضد يظهر حسنه الضد«.. وعلينا أن نثق أن الكتابات تستفيد من التجربة، وتكبر، وتتسع دائرتها، وطبيعي أن يكون الزمن أفضل غربال، فهو القادر على تجاور كل الكتابات السيئة، والتوجه إلى ترسيخ الكتابات الجيدة.. وكل كتابة تكتب في زمن المعارك والحروب ستأخذ مكانها المناسب فيما بعد، كما كل الكتابات في كل الأزمان..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|