شيء من خبز الروح
[align=justify]
كسر الكلام ما تبقى من حروف الكلام قبل أن أستفيق على جرس اللحظة الهاربة .. داخلني شيء من قلق نهض من نومه وراح يطرق باب العمر .. سألت وأنا أعيد ترتيب الضلوع : هل هناك شيء يطلق في الهواء المجنون صرخة تريد أن تقول كل شيء دفعة واحدة ؟؟.. جاء الجواب مثل انفتاح جرح على مساء حزين : وماذا إذا قام الميتون من قبورهم يسألونك عن حيفا.. عكا .. صفد .. هل ستطوي قامتك وتهرب حتى لا يجرحك السؤال أكثر ؟؟..!!..
لا أستطيع حبس الكلام في صندوق العمر .. صعب .. لا لأنّ المساء شاحب إلى هذا الحد ..ولا لأنّ تذكرة السفر غائمة مطوية .. ولا لأنّ الواحد منا ما عاد يستطيع الصمت ..!!.. بل لأنّ أجنحة الأحلام لا يمكن أن تقصّ وإن في عتمة الليل .. فالواحد منّا جائع لكلّ حبة رمل في فلسطين ، وإذا كانوا يحاولون تسريب الوطن من بين الأصابع ، وتهريب الأحلام من ذاكرة العمر ، فإنّ الإصرار الذي فينا أقوى وأشدّ تماسكاً من كلّ المحاولات .. وسنبقى حاملين لوطن وهوية وحنين واشتعال اشتياق .
قد تكون الأوراق المعلنة والسرية غاصة بالأختام والتواقيع وحتى البصمات.. لكن من منّا يعترف بأنّ بيته ما عاد له . عمره لم يعد في حساب عمره .. أشواقه لم تعد ملك أشواقه .. المسألة أعقد بكثير مما يظنون .. إذ لا تستطيع هذه الأوراق الغريبة أن تسقط ذاكرة كلّ إنسان عربي فلسطيني من الوجود .. لا تستطيع أن تقرر هكذا وبجرة قلم إعدام كلّ سنوات الانتظار ، وإطلاق النار على ما سكن فينا من حب لفلسطين .. ثم ، وبأي حق ، يسحب الهواء من رئاتنا ، والنور من عيوننا ، والكلام من ألسنتنا ؟؟ هل نسمي كلّ ذلك اتفاقاً على السلام .. فأي سلام هو ؟؟..!!..
هل السلام أن يصبح الواحد منّا دون بيت ؟؟ .. هل السلام أن نعطي الوطن لاحتلال ليس له أي شيء في هذا الوطن؟؟ هل السلام أن نعدم في وضح النهار تاريخنا وجذورنا وحبنا ؟؟ هل السلام أن نقول لكل الشهداء ناموا فما عاد هناك وطن رحلتم من أجله ، ودفعتم دماءكم وأعماركم ليعود..؟؟ هل السلام أن يصير الفلسطيني شرطياً على الفلسطيني كي يرتاح الاحتلال وينام بهدوء ..؟؟ أي سلام هذا .. أي سلام ؟؟!!..
نطلق في فضاء الوقت خبز الروح .. نطيّر كل عصافير الأسئلة .. نرمي حجراً في بركة الوقت كي تصير دوائر الأسئلة بحجم العالم .. ونعلن بصوت عال: أن لا سلام إن لم تعيدوا لنا وطناً وبيتاً وهواءً دون اجتزاء .. أن لا سلام إن لم يكن كلّ واحد منا في مدينته التي كانت له .. أن لا سلام بين النقيض والنقيض .. إذ كيف نصدّق أنّ هناك سلاماً عادلاً صحيحاً سوياً بين احتلال وواقع تحت الاحتلال .. السلام هنا نكتة أو مهزلة ، وليس سلاماً .. فلا شيء يستطيع أن يقنع العقل بمنطق سلام كهذا ..ولا شيء يستطيع أن يقنع التاريخ وأصالة الوجود بأنّ الزيف يمكن أن يصبح حقيقة ..!!.. السلام الذي يمكن أن يكون سلاماً ، لا يقوم إلا على المعادلة الصحيحة ، فلسطين محررة ، شعب يعود إلى دياره ، احتلال يزول .. وكلّ ما يخالف ذلك ، لا يعدّ سلاماً بأي حال من الأحوال ..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|