الحكاية الثانية عشر من روسيا: أكثر حكمة من القيصر
ببساط نور الأدب سنطير إلى بلاد شاسعة واسعة موزعة بين أوروبا وآسيا وتشكل جسرا بين القارتين إنها :روسيا.
إلى روسيا سنرحل وإلى زمن قيصرروسي لنكتشف حكايته مع ابنة مزارع فقير.
الحكاية الثانية عشر: أكثر حكمة من القيصر.
قديما حكم روسيا قيصر.
كان القيصر يذهب للكنيسة كل يوم وفي أحد الأيام وهو ماض إليها لفتت انتباهه مزرعة ؛ شاهد بها مزارعا يدخن غليونه وطلب من سائق عربته التوقف.
جثا المزارع على ركبتيه من دهشته وقال:'إنه شرف عظيم لي أن يتوقف القيصر بمزرعتي".
استغرب القيصر ورد عليه:'عجيب أمرك إنك تتحدث بأسلوب أرقى من أسلوب مزارع من علمك هذا؟".
رد المزارع:'تقول ابنتي أن الكلمات أثمن مايملك الإنسان وأن عليه أن يحسن استخدامها".
قال القيصر:'ابنتك فتاة حكيمة".
رد المزارع:'ابنتي ياسعادة القيصر أكثر الناس حكمة في روسيا بأسرها".
ردد القيصر:'أكثر الناس حكمة في روسيا بأسرها!"
فقال المزارع:'أجل ياسعادة القيصر العظيم".
قال القيصر:'أكثر حكمة مني؟"
ففزع المزارع لكن القيصر لم ينتظر إجابته وأمر سائق العربة بالمضي في طريقه.
في آخر النهار عاد القيصر إلى المزرعة وأعطى المزارع سلة بيض وقال له:'هنا 36 بيضة إعطها لابنتك وقل لها أريد أن تفرخ هذه البيضات غدا'.
وأضاف :'قل لها إن لم تنجح في ذلك فسيكون لها مصير قد لا تتوقعه ".
نظر المزارع إلى سلة البيض ولاحظ أن البيضات لم تكن بيضاء ولا بنية ولكنها كثيرة الحمرة.
"أي نوع من البيض هذا؟" هكذا سأل المزارع ابنته حين دخل عليها بالسلة.
أمسكت ابنته بواحدة وردت:'إنه بيض صلب ناضج و ملون لايمكنه أن يخرج فراخا ولا كتاكيت".
تعجب والدها واحتار وقال:'ماذا علينا أن نفعل إذن؟".
فردت الابنة:'لاتقلق ياأبتي فسأجد حلا مناسبا".
في اليوم الموالي عاد القيصر وكانت ابنة المزارع مشغولة بعملها في الحقل وكانت تغني:'سأزرع فاصوليا ناضجة ولكن هل ستنبت فاصوليا ناضجة؟'
سمعها القيصر فقال لها:'قال والدك أنك فتاة حكيمة ولكن إن كنت تظنين أن الفاصوليا الناضجة تنبت فإني أعتبرك حمقاء! ماذا تنتظرين إذن ؟".
ردت الفتاة:'أنتظر تماما نفس ما انتظره القيصر مني وهو يريدني أن أخرج كتاكيت من بيض ناضج'.
تغير لون القيصر وقال في نفسه إنها فعلا حكيمة وطلب من سائق العربة أن يغادرا المكان.
في اليوم الموالي حين فتح المزارع باب بيته وجد كرة خيوط قطنية صغيرة ورسالة من ورق ذهبي كتب عليها:'قل لابنتك الحكيمة أن تصنع بهذه الخيوط شراعين لسفينتي وإن لم تُنْهِ غدا مهمتها هذه ستسجن وإياك".
بدأ المزارع بالتحسر لكن ابنته أمسكت كرة الخيوط القطنية ووضعتها في جيبها وقالت لأبيها:'لا تقلق أبتي!".
أدارت ورقة الرسالة الذهبية وكتبت عليها شيئا ما و بعد ذلك قطعت غصنا من شجرة التفاح وأعطته لوالدها وقالت له:'إذهب بها إلى القيصر".
كانت الفتاة قد كتبت في الرسالة:'أنت تعلم أن أبي رجل فقير ولا يستطيع أن يشتري لي آلة غزل إن استطاع سيادة القيصر الطيب أن يصنع لي بهذا الغصن الصغير آلة غزل فإني سأنسج له شراعا لسفينته".
عندما قرأ القيصر ماكتبت الفتاة ضحك كثيرا وقال في نفسه:'كم هي حكيمة وذكية إبنة المزارع هذه!".
أرسل القيصر خادما له بكأس زجاجي إلى المزرعة وقال له :قل لابنة المزارع إني غدا سأتزوجها إن استطاعت إفراغ البحر من مائه مستعملة هذا الكأس".
انفجرت الفتاة من الضحك حين سمعت كلام رسول القيصر، بعدها أمسكت كرسيا خشبيا صغيرا وقالت لرسول القيصر أنها تريد أن يعيرها حصانه ثم انطلقت نحو القصر.
إنحنت أمام القيصر ووضعت كرسي الخشب أمامه .
ثم قالت له:" أيها القيصر الطيب ،الشعب الروسي يحبك وأنا من الشعب الروسي وأحبك أيضا ولست ابغي شيئا أكثر من إرضائك لكن عندي مشكلة صغيرة".
رد القيصر:'آ ها! اذن بعد كل هذا لست حكيمة بما فيه الكفاية!".
فردت الفتاة:'فعلا سعادة القيصر الأمر يفتقر إلى الحكمة لأني إن أفرغت البحر من الماء سيمتلأ النهر ويعود النهر للبحر من جديد لكنك إذا صنعت بهذا الكرسي الخشبي سدا للنهر فإنني حتما سأخلي بالكأس الزجاجي البحر من مائه".
ضحك القيصر وقال:'لقد كان والدك على حق أنت آكثر حكمة مني ولكن لأثبت لك أني رجل حكيم أيضا سأتزوج بك الليلة.وهذا من أكثر القرارات التي اتخذتها حكمة'.
ردت الفتاة:'أريد الزواج بك سيدي القيصر لكن عليك أن تعدني بشيء قبل أن أ قترن بك".
نظر القيصر إليهامتعجبا وقال :"أجدك جريئة أكثر من اللازم نوعا ما لكن تفضلي!".
قالت الفتاة : أتعدني أنك إن طردتني يوما من القصر ستسمح لي بأخذ شيء منه.
أجاب القيصر:'إن كان هذا طلبك وشرطك الوحيد فإني أعدك بالوفاء به.
وتزوجت ابنة المزارع الفقيرة بالقيصر الروسي.
سنوات طويلة مضت بسعادة لكن عندما بدأ القيصر يشيخ صار أقل لطفا وأكثر عتابا وخصاما مع الجميع وحتى مع زوجته.
في أحد الأيام وهو غاضب قال لها:'أنت تظنين أنك حكيمة أليس كذلك ؟ لكنني قرفت من أفعالك إرحلي إلى المزرعة التي أتيت منها ولا تنسي أن تأخذي حكمتك معك".
إنحنت الزوجة أمامه و أعطته تاجها وقالت له:'كما تشاء سأفعل لكن مارأيك قبل ذلك أن نأخذ أخر وجبة لنا سوية'.
رد القيصر:'سيكون لك ما تشائين'.
ودون أن ينتبه القيصر وضعت له منوما في شرابه.
وماهي إلا لحظات حتى غط القيصر في نوم عميــق.
طلبت زوجة القيصر إحضار صندوق ضخم وطلبت من سيد الخدم أن يضع القيصر في الصندوق ثم طلبت من سائق العربة وخادم آخر وضع الصندوق في العربة وركبتها هي أيضا وتوجهت إلى المزرعة.
ساعات بعد وصولها إستيقظ القيصر ليجد نفسه ممدودا على فراش في بيت المزارع الفقير القديم.
فصرخ غاضبا:'كيف تجرئين على خطفي أنا قيصر روسيا العظيم!'.
كانت الزوجة ترتدي ثيابا قديمة وتخيط فراشا مرقعا وردت:'لقد وعدتني سيدي القيصر قبل زواجنا أنه بإمكاني أخذ شيء من القيصر إن غادرته و الشيء الوحيد الذي أردت أخذه هو زوجي الذي أحبـه جدّاً ولا أريد العيش بعيدا عنه.'
خجل القيصر من نفسه و أدرك من جديد كم أن زوجته حكيمة بل وتفوقه حكمة .
وعاد الإثنان للقصر ليعيشا في سعادة ورضا.
النهاية
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|