يالا يا بنات على زنقة الستات
د. ناصر شافعي
صاحت الأم في بناتها في بهجة و سرور " يالا يابنات " .. كان رد البنات التلقائي " على فين ياماما ؟ " .. ردت الأم بنشوة تصحبها إعتزار : " تعرفوا يا بنات حنروح فين النهارده ؟ .. زنقة الستات " .. تهللت البنات فرحاً و تصفيقاً .. وانهلن على الأم بالأحضان و القبلات !! .. نظر الأب إلى الأم في ضيق و ألم قائلاً : " الزنقة تاني .. آه ياني .. حرام عليكي يا تهاني !! .. خليها الشهر التاني .. "
اليوم أتجول معكم في مدينتي الحبيبة الاسكندرية المصرية .. وأنا من عشاق المناطق الشعبية التجارية .. نظراً لوجود الأنماط و الشخصيات المصرية البسيطة التي لم تتلوث بعد بتلوث المدنية و العولمة .. ساعات قليلة أقضيها في التجول و التأمل وشراء ما لايلزمني و لا أحتاج إليه .. ولكن شراء ما أشتاق إليه ليكون ذكرى من هذا المكان .
زنقة الستات من أشهر المناطق التجارية في حي المنشية في الأسكندرية .. وتنقسم إلى شارعين ضيقين .. لا يزيد عرض الأول عن ثلاثة أمتار وهو سوق الخيط .. ولا يزيد عرض الثاني عن مترين وهو زنقة الستات نفسها .. وهو طريق ضيق ليس بطويل بل عشرات قليلة من الأمتار .. وهو فعلاً زنقة للستات الراغبات في شراء مستلزمات العروسة و تجهيزها بالجميل من أقمشة وملابس و أدوات زينة و حلى و خيوط و خرز و ترتر و زراير و أسكسورات ..
و لإنشاء هذه الزنقة حكاية ترجع إلى عام 1880 في عهد الحاكم التركي لمصر " توفيق باشا " إبن " الخديو إسماعيل" .. وترجع الحكاية ألى أن مجموعة من التجار المصريين الفقراء الذين كانوا يعانون من جشع أحد التجار الأتراك الذي كان مسيطراً على التجارة في الأسكندرية بنفوذه و ثراءه .. وكان يحاربهم في تجارتهم البسيطة ، فأتفق هؤلاء التجار الصغار على الاتحاد معاً ضد هذا التاجر الجشع و محاربته تجارياً .. فجمعوا الأموال من بعضهم و قاموا بتأجير المحال في هذا الشارع الضيق للغاية و المسمى بسوق الخيط و الشارع الموازي له وهو أشد ضيقاً .. وأطلقوا عليهما " زنقة الستات " ..
قاموا بتقسيم المحال في هذين الممرين الضيقين إلى حوانيت صغير جداً ..كدّس و عرض كل تاجر تجارته في إحدى هذه الحوانيت الضيقة .. وإمعاناً في تحديهم لهذا التاجر الجشع ، إتفق جميع التجار على تخفيض أسعار بضاعتهم بحيث يكسبون أقل قدر من الربح .. ليس هذا فقط ، بل إتفقوا فيما بينهم على منح الهدايا للبنات والستات و العرايس ، كلٍ حسب مقدرة السيدة الشرائية لتشجيع رواج البضاعة ولكسب زبون دائم و آخرجديد .. ونجحت الخطة التجارية .. وذاع و انتشر صيت " زنقة الستات " ليس في الأسكندرية فقط ، بل في كل أرجاء القطر المصري و العالم العربي . والجميل أن " زنقة الستات " مازالت محتفظة بنفس نوعية تجارتها و جمالها و أزدحام الستات فيها ..
ولابد من وجود الرجال في الزنقة ، ليس للفرجة أو الزنقة .. ولكن لدفع فاتورة الحساب .. للمشترايات الجميلة المغرية بلا تدبير أو حساب !!.
نصيحة : لو كان معاك من المال فُتات .. لا تذهب لزنقة الستات !!.
تحياتي . د. ناصر شافعي