في معترك المتنبي
إلى القبر ماض أم إلى القبر راحل ودوني بيد ما لهن سواحل
علمت بأن الدار داران فيهما شقاء و أفراح وصنع وناقل
فحسبي بالأخرى أروم جميلها إذا كانت الأولى دحاها التفاؤل
فقد مسني منها قبيح صنيعها وقد خصني منها الأسى والنوازل
وما بيدها إلا سواد شجونها تغربني ما بينهن فواصل
إلى إن عدمت الرشد فيها فعفتها وقلت أيا حتفي متى أنت نازل
تخطى إلي اليأس وهو رزيلة فجرعني سما به القلب ثامل
فقد تهت في دنيا الجحيم أظنها نعيما فما عازت عيون الدلائل
ولكن إذا ما المرء قد زاغ قلبه يرى جنة قي النار وهو يماثل
يشد بحبل الأمنيات وثاقه وما هن إلا الكاذبات الروافل
يصد عن النور الوهيج عيونه ليبصر بدرا في المدى وهو آفل
وفي الشمس ما يغني القلوب عن السرى وفي الحق ما يعني الحجا وهو صائل
ونجري مع الأهواء حيث تقاذفت وليس وراء الحق للمرء طائل
يفندني ليلي إذا الصبح غرني بذنب وقد غشت سمائي الرزائل
فكم يستبد الليل في ظلماته بقلب ترامت في رباه المشاكل
تطاول ليلي والنجوم عوابس فرقت لحالي والأسى متواصل
تؤنبني نفسي وتطرح همها وتسخو بآراء وراحت تجادل
تقول عشقت الليل والصبح ساطع وترفض أنوارا وغيرك سائل
فما نفع ما تحصي من العلم والرؤى ومن فلسفات جلهن تماطل
فمنها التي تذري المبادئ والرؤى ومنها التي لا تعتريها الزلازل
وللمال أرقى الفلسفات أجلها فيستعبد الفكر الذي لا ينازل
فمفهوم دنيانا غدا عكس ما مضى فلن تستطيع البت فيما تشاكل
هل القدس قدس الغرب أم قدس عربها أم الكعبة القليس والغرب بابل
فهذي علامات القيامة قد بدت لناظرها شكلا فمن ذا يعاظل
وهذا الورى أنى انبرى لن تفيده فرائضه أو قد تقيه النوافل
إن المنايا والنوايا تلازمت وحان قصاص الناس والحق فاصل
وإن البرايا والسرايا تطابقت وقامت قبور والمنايا مواثل
ومازلت تسعى بالعقيدة والرؤى وسعيك في جد ودهرك هازل
وفي قلبك المقهور صبح مبلج تشيخ القوافي فيه وهي قوافل
إلى م تقاسي الهم وهو جهنم وصوتك مقبور ونورك آفل
وتقبل أوجاع الكتابة والرؤى وقولك منبوذ وعقلك جاهل
وأنت ولوع في قديم تعيده فأين الهدى فينا وأين الرسائل
فحسبك ما فينا سوى الجهل في حلى من العلم والأنوار أنى تناضل
وما في الورى إن أنت أخطأت عاذر وكل الورى لو أنت أحرزت عاذل
فقلت لها يا نفس لا تقنطي ولا تلومي فؤادي إن لومك قاتل
أريد من الأيام ما لا تنيله وحسبي من الأيام ما أنا آمل
ونور الهدى رغم الدجى ليس آفلا فيبصره من رام حقا ..... وعاقل
أغار على شمس الحقيقة في الورى من الليل والأحقاد والكل زائل
ألا كل ليل ينتهي عند فجره و كل شعاع ما عدا الحق باطل
وكل مسود ما سرى الدهر صارخ وكل عظيم ما خلا الله سافل
وإني أرى مهما يقال على الهدى مسالكه أنجى لمن هو راحل
وإن كنت لم أبلغ من الفجر والضحى مناي فإن القلب بات يحاول
ومهما تكن من ظلمة في سماءنا فلا بد من صبح لها وهو عاجل
