[طلعت سقيرق]

[align=justify]
منذ البداية يا شحرور يا غندور سأعترف أن حال الشباب ما عاد يعجبني.. وإذا كنت يا شحرور لم تصل الثلاثين من عمرك بعد، أي أنك من جيل الشباب، فلا تهتم كثيراً، لأن ما سأقوله له أسباب.. والأسباب أكثر من كثيرة يا ابن الغنادير.. خذ مثلاً قلة صبر الشباب كواحدة، فهم يريدون أن يحصل كل شيء في لحظة، وكأن الأمور بقضها وقضيضها لا تحتاج إلا إلى كبسة زر.. وحين تحدثهم عن الصبر، يتهمونك بالبطء والتخلف وما شابه.
وخذ شكواهم وضجرهم من كل شيء، وكأنهم عجائز في التسعين.. فهم لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ـ مع أنني لا أدري ما دخل رجب بالصيام ـ تقول لهم هذا أبيض، فيقولون بل أسود.. وتقول أسود فيقولون أبيض.. وفي كل الحالات، فهم غير معجبين بالأبيض أو الأسود.. يريدون كل شيء، ولا يريدون أي شيء.. وحين تحار وتضيع، يتهمونك بالابتعاد عن قضايا الشباب فأرجوك يا شحرور ما هي هذه القضايا بما أنك من الشباب.. أخبرني وأفدني أفادك الله؟؟!!..
تنحنح شحرور وهز رأسه وقال: كأنك يا صاحبي تبحث منذ البداية عن نقاط الخلاف لا اللقاء.. هل بينك وبين الشباب ثأر قديم.. أم أنك تغار منهم لأنهم لا يحملون الشيب الذي تحمل في رأسك.. قضايا الشباب هي قضايا الحياة.. كل شيء في الحياة قضية من قضاياهم.. لا تقل لي أيها الكاتب الألمعي إن قضاياكم أنتم جيل عبد الحليم وأم كلثوم وعبد الوهاب، هي قضايا جيلنا الذي مل من الموسيقى الكلاسيكية، ومن الآهات والبكاء والتنهدات والزواج في آخر الأفلام.. تمنيت أن أسمع أغنية من أغانيكم التي صرعتنا بها إلا وتراني في نحيب وبكاء كأن أحداً من أهلي قد مات..
يا أخي هذا عصر الكمبيوتر وليس عصر السهر تحت ضوء القمر وشرب الشاي والاسترخاء والتفكير ست أو سبع ساعات بعيني الحبيبة وجيدها وأصابعها.. قضايانا أيها الكاتب هي أن نعيش هذا الزمان بكل وقعه ونبضه.. قضايانا أن يجد الواحد منا غرفة ولقمة ونصف زوجة.. والواحد منكم يتفاخر بأنه تزوج أربع نساء وخلف قبيلة من الأولاد..!!.. أتريد أن تعرف قضايانا بعد. والله لو بدأت بسرد كل قضايانا وهمومنا فلن أنتهي.. ببساطة يا صاحبي نريد أن نعيش.. نريد أن تفهمونا.. أن تكونوا معنا لا علينا..!!.
قلت وقد فوجئت وذهلت: ومتى كنا ضدكم. ثم أتريد أن تقنعني أن الواحد منكم يرضى حقاً بغرفة ولقمة ونصف زوجة، مع أنني بصراحة لم أفهم «نصف زوجة».. كيف «نصف زوجة» يا شحرور؟؟ ثم من قال لك إن الواحد منا يتزوج أربع نساء..!!.. سامحك الله تذكرني بالمثل الشعبي القائل: «شو بدك بالتنتين يابو غليطه.. إنت بوحده ومزنر بشريطه»..!!.. ثم كيف تهاجم الأصالة في أغانينا وتتهم كل أغنية بأنها تثير البكاء والنحيب.. هذا يدل على أنك لم تسمع من أغانينا إلا القليل.. صحح معلوماتك.. وبعدها ناقش..
قال شحرور الغندور بغضب: «نصف زوجة» يا حضرة المحترم، لأن الواحد منا لا يستطيع في هذه الظروف المصيرية أن يتزوج إلا من موظفة.. ولا أعترض على عمل المرأة لا سمح الله..!!.. لكن الموظفة في هذه الأيام تعاني الأمرين والأمر من الأمرين.. فالوظيفة ترهق أعصابها.. والذهاب والإياب يجعلانها مثل الخرقة.. وعليها أن تكون في أحسن زينة حتى يرضى المدير ونائبه ورئيس القسم الذي تعمل فيه.. وحين تصل إلى البيت، عليها حسب تقاليدنا الشرقية أن تطبخ وتغسل وتنظف.. ولن أحدثك عن حالها حين يكون عندها أولاد.. ومثل هذه الزوجة لاتصل إلى آخر النهار إلا منهكة خائرة القوى.. فهل ستكون زوجة كاملة، وفهمك كفاية..!!..
قلت: يا شحرور أمرك غريب.. تقفز مثل الأرنب من مكان إلى مكان ولاتقف عند موضوع محدد.. وإذا كان الأمر يهمك إلى هذا الحد فساعد زوجتك وحاول أن تخفف من متاعبها..
قال: هل تريدني مثلاً أن أحبل أربعة أشهر وأترك لها خمسة.. هل أرضع الطفل رضعة وأترك لها الثانية.. هل أمسح وأجلي وأغسل حتى أصير فضيحة بين الجيران والأهل؟؟ أنا ابن هذا المجتمع ولا أستطيع الخروج من جلدي كي ترضى حضرتك.. ثم من قال لك إنني أريد الزواج أصلاً..؟؟ ولماذا أتزوج في هذا الزمن الانبطاحي؟؟..
قلت: حقاً أمرك غريب يا شحرور.. حدثتك في البداية عن أن شباب اليوم لا يعجبهم العجب، فعارضتني.. وحدثتك عن قلة صبر الشباب فقمت خطيباً.. ماذا تريد؟؟..
صاح: لا أريد شيئاً.. مشاكلنا يا صاحبي أكبر من كبيرة.. ولن يفيدني صراخك وزعيقك.. ولن تفهم في يوم من الأيام ماذا أريد؟؟ قلت: لا بأس.. اسمح لي إذن أن أطرح الأمر على الشباب.. أنا والله أريد أن أعرف ماذا تريدون.. ولاشيء آخر..؟؟.

[/align]