الشعور بالغثيان
[align=justify]
نعم يا شحرور الغندور أقولها وأعيدها ولا أملّ من تكرارها: أنا أكره الكيان الصهيوني ولا أحب سحنته أو خلقته وإن دهنوها بكل الألوان البراقة التي في الدنيا.. وهذا موقف لا مجال فيه للأخذ والرد.. وإذا كانت أمي تصر على أن رأسي «يابس»!! منذ صغري.. فأنا في هذا الموضوع تحديداً لا أرضى غير الرأس اليابس، وأرفض رفضاً قاطعاً باتاً مجرد الحوار حول الموضوع، لأنه في اعتقادي الراسخ، أنه يصعب أن تجعل الأسود أبيض بين ليلة وضحاها، أو بين حين وحين.. ثم لماذا يا شحرور يا ابن الحلال سأحب هذا الكيان الذي لا يعرف منذ سنوات طويلة، غير قصفنا وقتلنا وتدمير بيوتنا.. ماذا تغير حتى أحبه.. وما هو الداعي الآن لهذا الحب الذي لا أعرف له أي تعريف أو توصيف؟؟!!..
منذ طفولتي الأولى، وكنت أحبو ولا أعرف من الكلمات شيئاً، كنت أسمع أن أهلي شردوا من حيفا وتركوا بيوتهم، فكان علي أن أشرف إلى هذه الدنيا في بلاد الغربة، وأن أكبر في بلاد الغربة، وأن أصف في صف طويل لآخذ بعض الطحين، وأن أفقد في كل يوم، إن لم يكن في كل ساعة، قريباً أو حبيباً أو صديقاً، يعود إلينا ملفوفاً بزهر البرقوق الأحمر.. وإلى جانب ذلك، كان علي أن أتحمل وجود خالي في بلد، وعمي في بلد آخر، وابن عمي في بلد ثالث.. وكثيراً ما كنت أحلم مجرد حلم أن يكون عندي بيت، أو ظل شجرة، أو نصف ظل.. فماذا تغير لأحب هذا الكيان الذي سرق البيضة وقشرتها، ولم يترك لنا أي شيء؟؟!!.
هل أحب الصهاينة لأنهم ذبحوني بدل المرَّة ألف مرة؟؟ هل أحبهم لأنهم ما زالوا مصرين على قصف جنوب لبنان صباح مساء؟؟ هل أحبهم لأنهم أعطوني من فلسطين شبراً أو أقل من شبر، مع أن كل فلسطين لي؟؟.. هل أحبهم لأنهم يحاولون جعل سرقتهم لأرضي ووطني وبيتي واقعاً، وبعدها أتحول لإنسان يستجدي قطعة أو قضمة من خبزه؟؟ على أي شيء أحبهم.. وكيف؟؟
صدقني يا شحرور أنا أشعر بالغثيان، وأحاول قدر استطاعتي التشبث بكل ما كتبه محمد الماغوط، وبكل ما رسمه ناجي العلي، وبكل ما تركه غسان كنفاني.. فما يحدث يا شحرور يقلب المعدة والرأس ويغير كل الاتجاهات.. ولا أستطيع رغم كل التطبيل والتزمير والقفز على الحبال، هضم هذه الوجبة الكريهة النتنة من محاولة تلميع وجه القاتل..!!.. لأنني كلما رأيت سحنة واحد من هؤلاء الصهاينة، تذكرت قافلة طويلة عريضة من الشهداء، وطالعتني عيونهم عاتبة صارخة سائلة، غير مصدقة.. فكيف أقول لهؤلاء الشهداء إن المهزلة تتمدد في الشوارع والبيوت والهواء، وتكاد تسيطر على الملامح؟؟!!
كنت من قبل ومازلت أقول: التخلي عن شبر واحد يبقي المعادلة غير صحيحة.. لا أعرف، ولا أريد أن أعرف كيف يحسبها السياسيون، وكيف يدخلون الفيل في ثقب إبرة..!! فأنا أعرف أن هؤلاء غرباء، وأنهم سرقوا فلسطين، وفي فلسطين هذه مدينة لي اسمها حيفا، وفي حيفا هذه شارع وهواء وبيت.. سأتخلى عن كل تعنتي حين يعود كل شيء إلى وضعه الطبيعي دون زيادة أو نقصان.. وحتى لا تقفز إلى الرؤوس أي فكرة لا أريدها أقول يا حبيبي يا شحرور: لن أعود إلى بيتي والاحتلال موجود، لأن عودتي ستكون دون معنى، ولن أعود إلى بيتي وشبر من فلسطين محتل لأن عودتي ستكون ناقصة.. أنا أريد أن أعود إلى فلسطين لا إلى «إسرائيل»!! لأنني لن أعترف في أي يوم من الأيام بشيء اسمه «إسرائيل» وإن وضعوا لي هذه الفكرة على صحن من ذهب.. لأن هذه المفردة تلغي فلسطين، وأنا لا أستطيع القبول بإلغاء وطني وبلدي وأرضي..
اسمع يا شحرور.. أحياناً يقولون لي عليك القبول بنصف الأشياء، لأنك لن تحصل على الأشياء كلها.. ويطيب لهم أن يقولوا كيف ضيعنا الفرص الذهبية منذ العام 1948، حين رفضنا أنصاف الحلول..!!.. طبعاً هم يعلمون أن علينا أن نقع أسرى هذه الأوهام، حتى نضع اليد على الخد ونقول يا ليت ويا ليت!!.. لكن لماذا يريدون منا قبول أنصاف الحلول وعلى أي أساس، مادمنا أصحاب الحق؟؟!!..
أنصاف الحلول، تبقى في كل التعريفات أنصاف حلول، أي أننا سنبقى بين بين، وحين يطول بنا الزمن، ستصير أنصاف الحلول، أرباع حلول، وهكذا حتى نصل إلى نقطة الصفر مطالبين في أحسن الأحوال بأن نترك لنعيش لا أكثر ولا أقل.. وعندها سيعقدون المؤتمرات وستجتمع الدول الكبيرة والصغيرة للتفكير بإمكانية إعطائنا حق العيش لكن ضمن شروط علينا أن ننفذها بحذافيرها وإلا منعنا حتى من العيش.. ولا ندري بعدها بماذا سيفكرون، ربما بتحديد سنوات لكل واحد منا لا يتجاوزها وجوداً في الحياة.. أفلا تشعر معي يا شحرور بالغثيان!! صدقني يا شحرور حين يتعلق الأمر بوطن فلا مجال للمساومة..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|