اسْتِهْلاَل
لَنْ تَخْدَعَنِي أُسْطُورَةُ هَذَا الزَّمَنِ...
الْمُتَرَاقِصِ..
كَالظّلِّ الْمَنْقُوشِ ..
عَلَى شُرُفَاتِ الْمُدُنِ ..
لَنْ تَخْدَعَنِي الدَّمْعَةُ آبِقَةً..
فِي صَمْتِ الْحَجَرِ ،
قَدْ يَنْسِفُنِي الْحَجَرُ ..
لَكِنْ .. هَلْ أَنْسَى ..؟
قَطَفُونِي مِنْ بَيْنِ الأَزْهَارِ الْيَانِعَةِ..
قَطَفُونِي وَمَا تَخْبُو آهَاتُ الْجَمْرِ ..
لَمْ يَخْتَرِقوا سِيمْفونِيَّةَ الزَّفَرَاتِ ...
زَفّونِي إِلَى النِّسْيانِ ،
وَمَا فِي الْمُهْجَةِ إِلاّ حَشْرَجَةٌ تَتَلَظّى بِالدّمْعَةِ ،
تَسْقُطُ بَائِسةً كَسَوادِ اللّيْلِ ..
وَ لا تَتَهَجّى ..
حرْفًا أَوْ حَجَرًا ..
لاَ تَسْتَنْبِطُ ماهِيَّةَ الْكَوْنِ ..
لاَ تَقْرَأُ طالِعَها ..
فَأسَافِرَ كَالْعُصْفُورِ الْمُتَوَهِّجِ ..
أَسْتَكْشِفُ وِدْيَانًا وَ أَحَابِيل ،
أَتَلَوَّعُ بِالْحَرْفِ الْمَعْسُول ،
أَتَحَوَّلُ قِنْدِيلاً يَحْتَرِقُ ،
أَقْتَحِمُ الأَحْجَارَ بِعَيْنَيَّ الْغائِرَتَيْن ..
قَدْ أَهْنَأُ مِنْ ضَوْضَاءِ الدّنْيَا الْخَرْقَاء ..
قَدْ أَخْرُجُ مِنْ ذِكْرَايَ الْمَهْزُومَة ..
قَدْ أَلْمَسُ كُلّ تَجَاعِيدِ الْجُدْرَان ..
أَوْ رَائِحةَ الطّوبِ الْمُتَشَبِّعِ بِالْوَرَمِ ..
لَكِنْ لنْ أَنْسَى غُرْبَةَ رُوحِي فِي جَسَدٍ مُهْتَرِيءٍ ...
وَ لا أَنْسَى زَمَنَ النّسْيَانِ ، وَ لا كُرْبَاجَ الْحِرْبَاءِ ،
وَ جَلْجَلَةَ الدُّخَلاءِ ،
وَ ظُلْمَةَ أَقْبِيَّةِ الْقَبْرِ ..
قَدْ أَذْرِفُ دَمْعًا، أَوْ أَتَأَلّمُ لَوْعًا ،
وَ أنَا لا أَقْدِرُ أَنْ أَمْسَحَ رَائِحَةَ الْبَارُودِ ،
وَ لا قِرْطَاسَ التَّجْرِيمِ عَلَى أَفْكَارٍ عَارِيَّةٍ مِنْ عِشْقِ صَلابَةِ هَذَا الزَّمَنِ .
قَدْ أَحْلُمُ حُلْمًا ، أَوْ أَسْرِقُ أُنْشُودَةَ طِفْلٍ يَأْمَلُ بِالدِّفْءِ ،
قَدْ أَتَأوَّهُ جُوعًا ،
قَدْ أَلْعَنُ ثِقْلَ الْأَزَمَاتِ ،
قَدْ أَلْعَنُ كُلَّ الثّوَرَاتِ ،
وَ لا أَسْتَشْهِدُ فِي سِرْدَابِ الشّهَوَاتِ ،
وَ قِرْطاَسِ الإِبْهامِ وَ دَفْنِ الأَمَلِ ...
لا أَقْدِرُ أَنْ أَحْمِلَ تَابُوتًا زُجَّ بِدَاخِلِهِ :
رَقْمٌ ...
أَرْقَامٌ ..
وَ تَفَاصِيلٌ أُخْرَى ،
أَتَأَسَّى حُزْنًا ..
تَقْتَحِمُ الظّلْمَاءُ عَنَاقِيدَ الْأحْلاَمِ ..
لَكِنْ لاَ .. لَنْ أَنْسَى ..
أَتَمَادَى أَحْيَانًا كَالْفارِسِ يَكْبُو ،
يَسْقُطُ كَالْهَرَمِ ..
قَدْ أُعْلِنُها مِنْ أعْمَاقِي :
هَدْرًا ..
قُوَّةً..
سِحْرًا ..
لَكِنْ أَحْيَانًا أَضْعُفُ فِي وَجْهِ الْقَدَرِ ..
أَخْبُو كَالْجَمْرِ ..
لَكِنْ لَنْ أَنْسَى ..
حَتَّى لَوْ سَقَطَتْ أَشْيَاءُ الدّنْيَا ..
وَ انْخَسَفَ الْقَمَرُ ..
حَتَّى لَوْ مَاتَ الظّلُّ ..
أَوِ انْكَسَرَ الْحَجَرُ ..
حَتّى لَوْ وَضَعُوا الدّنْيَا فِي يُمْنَايَ ..
وَ حَالَفَنِي الْقَدَرُ ..
لَكِنْ لا أَنْسَى ..
لَنْ أَنْسَى ..
زَمَنَ الْعِشْقِ الْمَخْدُوعِ وَ تَارِيخَ الْأَزَمَاتِ ،
لَنْ أَنْسَى شَطْبَ الْأحْرُفِ فِي الصَّفَحَاتِ،
وَ سُقوُطَ الْمَعْنَى لِلزَّمَنِ الآتِي .