ابنتي فتحية عبد الرحمن.. وفضاءات جمال العربية
تصيبك دهشة التأمل والمتعة وقتما تقرأ صدق انفعال تشكيل الحرف مع عمق الرؤيا ،فتُصَّفق حبوراً ،وتطلب المزيد،وأنت شارد مع أمداء عبق الأرض ،فيختلط الدمع والحنين والحب وسامي المشاعر الإنسانية الراقية،مع طهر الأحاسيس والإنفعالات .
ومن بين السطور ،ترى نزقاً وحدَّة تمازج رقة الأنثى ووداعتها ،وعجلةً غير صبور ،تذكِّرك بوطنٍ شامخٍ أتتْ منه فسكن عروقها .
فتحية عبد الرحمن ،ابنتي المتألقة من الجزائر، أردتُ اليوم أن نمشي برفقة فضاءات جمالات اسمها ،فلها من اسمها وافر النصيب ،بل لها النصيب كله. لكنني بدءاً سأتحدث عن بلدي التي أُحب :الجزائر ،والتي آليت على نفسي ،وقتما أزورها ،أن ألثم عبق أريج عزَّةِ ترابها.
** ** **
فالجزائر المدينة ،يرجع أصل تسميتها إلى القرن السادس عشر للميلاد ، وكانت في الأصل أربع جزر تشرف على ميناء الجزائر القديم ،فاستولى الإسبان على أكبرها ( جزيرة الصخرة ) سنة 1509 م ،وأقاموا عليها حصن بينون ،فاستنجد أهل المدينة بالأخوة بربروس ،وهم خمسة إخوة جميعهم من قادة الأسطول العثماني،وأشهرهم أصغرهم :خيرالدين بربروس،واسمه خضر(1470 م - 1546 م ) فاستطاعوا - مع أهل البلاد - من طرد الإسبان الغزاة.وبعد تمام النصر ،قام خير الدين بردم الفواصل بين الجزر بحجارة ضخمة جلبها من رأس تمنفوست المقابل لخليج الجزائر ،مُشَكِّلاً بذلك الإميرالية ( مقر قيادة القوات البحرية ) ، واضعاً بذلك أسس الدولة الجزائرية الحديثة ،بحدودها الحالية تقريباً.
وبربروس :لفظ تركي ،بمعنى ذو اللحية الشقراء ،أطلقه على خير الدين السلطان العثماني سليم الأول ،المولود عام 1465 م ( وحكم منذ عام 1512 م- حتى وفاته سنة 1520 م )، فصار اللقب للعائلة كلها .
** ** **
وفتحية: من الفَتْح ،وهو الكشف والوضوح والظهور ،وهذا يعني صرامة المُسمَّى ،فكأن المُسَمَّى به استغنى عن اللون الرمادي ،واكتفى باللون الأبيض أو الأسود ،فأحرجه ذلك أحياناً ،وسيىء فهمه مرات ،فتنوسي في غمار ذلك أنَّ كلُّ واضحٍ ظاهرٌ فهو ليِّنٌ سَهْلٌ، وأنَّ المُسَمَّى به يعرف ما يريد ومتى يريد ،وأن ذلك الوصف دلالة على صفة جامعة هي(السماحة ) سماحة الطباع ،التي تتضمن جميع ما تبذله النفس وتجود به سهلاً بلا كدٍّ مع طلاقة الوجه ،وبشاشة النفس ،وأريحية الخُلق ،والانبساط لكل معروف ،والخفة إلى كل بر ولطف ،والتهلل لكل ضعيف أو محتاج ،والإسراع إلى نجدة الملهوف وتأمين الخائف ونصرة المظلوم .
فالفتح: الماء الجاري على وجه الأرض ،يجري من عَيْن وغيرها،ليُسْقى به .فكأنه يكشف خبء الزرع والثمروالخير من الأرض.
والفَتْح: أول المطر ،يقال :فَتَح الله فُتُوحاً كثيرة ،إذا أُمطر القوم .وأصابت الأرضَ فُتُوحٌ ،ويومٌ مُنْفَتِحٌ بالماء.
والفَتْح: النُّصْرة ،وافتتاحُ دارِ الحرب وتَمَلُّكها،والجمع فُتُوح .قال تعالى:( فقد جاءكم الفتح ).
والفَتْح عند أهل العربية :نوع من الحركة يفتح لها الفم ،وهو من ألقاب البناء .ومنه :الحروف المُنْفَتِحة :وهي التي يُحتاج فيها لفتح الحَنك ،عدا أحرف أربعة مُطبقة ,هي( ضطصظ ).
والفتحة في الإعراب :العلامة الأصلية للنصب .
والفُتُح (بضمتين ): الواسع المفتوح ،يقال :بابٌ فُتُح ،أي لايكاد يُغْلق . وقارورة فُتُح: واسعة الرأس ليس لها صِمام ولا غِلاف ،لأنها حينئذ مفتوحة ،وهو فُعُلٌ بمعنى مفعول .
والفُتْحة :الفُرْجة في الشيء ،يقال منه: فَتَح الكتاب :نشر طيَّه .وفَتَح الطريق: هيَّأه وأذن بالمرور فيه. وفتح الجلسة :بدأ عملها .وفتح في الميزانية اعتماداً: خصَّص مبلغاً من المال للصَّرف منه على عمل معيَّن.
وفتح لفلان قلبه: اطمأنَّ إليه وباح له بسرِّه ، تقول: افْتَحْ سِرَّك عليَّ لا على فلان.وفتح اللهُ قلبه للأمر :شرحَه له.
وفُتِح على فلان: جُدَّ وأقبلتْ عليه الدُّنيا .
وفواتح القرآن الكريم: أوائل السُّوَر ،يقال: قرأَ فاتحةَ السُّورةِ وخاتِمتَها،أي أوَّلها وآخرها .
والفَتَّاح :الحاكم والقاضي بين الناس ،يفتح مواضع الحق.
والفتَّاح :من أسماء الله تعالى ،يفتح أبواب الرزق والرحمة لعباده ويحكم بين الناس .
ورغم جمال الاسم ،وآفاق أمديته ،وصحة جذره ،فهو اسم ليس بالقديم،لم يتسمَّى به أهل الجاهلية ،وبالتالي افتقدنا الاسم في تاريخنا الأول ،ولم نتداوله إلاَّ في العصور الأخيرة ،مثل اسم: باسمة ،وإقبال ،وفاتن ،وأماني،وأسماء كثيرة لاحصر لها.
** ** **
والرحمن: من أسماء الله الحسنى ،وهو ذو الرحمة بجميع الخلق ،لا غاية لرحمته ،خصَّ بها عباده المؤمنين في عاجل الدنيا بما لطُفَ بهم من توفيقه إياهم لطاعته ،والإيمانِ به وبرسله ،واتباعِ أمره واجتنابِ معاصيه، مما خُذِل عنه من أشرك به ،وكفر ،وخالف ما أمره به ،وركب معاصيَه .وكان مع ذلك قد جعل، جلَّ ثناؤه ، لمن آمن به ،وصدَّق رسله ،وعمل بطاعته ، خالصاً ،دون من أشرك وكفر به ،ما أعدَّ له في آجل الآخرة في جناته من النعيم المقيم والفوز المبين ،فكان للمؤمنين رحماناً ،في تسويته بين جميعهم جل ذكرُه في عَدْله وقضائه ،فلا يظلم أحداً منهم مِثْقال ذرَّة ،وإن تكُ حسنةً
يُضاعفها ويُؤْتِ من لَدُنْه أجراً عظيماً ،وتُوَفَّى كلُّ نَفْسٍ ما كَسَبت ،فخصَّ المؤمنين من رحمته في الدنيا والآخرة ،مع ما قد عمَّهم به والكفارَ في الدنيا من الإفضال والإحسان إلى جميعهم في البَسْط في الرزق ،وتسخير السحاب بالغَيْث ،وإخراج النبات من الأرض ،وصحة الأجسام والعقول ، وسائر النعم التي لا تُحْصى ،التي يشترك فيها المؤمنون والكافرون .
والرحمن صفة ،بُنيت من ( فعلان ) وهو من أبنية المبالغة ،لأن معناه الكثرة ،وأشد مبالغة من ( رحيم ) ،وهو مقصور على الله عز وجل ،لا يجوز أن يقال لغيره .
والرحيم: العاطف على خلْقه ، ( فعيل ) بمعنى ( فاعل ) كما قالوا : سميع بمعنى سامع ،وقدير بمعنى قادر ،ورجل رَحُوم وامرأة رَحُوم ،وقد وصف الله تعالى به غيرَه فقال :( لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم ) ،كما وَصَف غيرَه بغير ذلك من أسمائه ،كما في قوله تعالى :( إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاجٍ نبتليه فجعلناه سميعاً بصيراً ).
فمن أسمائه تعالى ما يُسَمَّى به غيرُه ،ومنها ما لا يُسَمَّى به غيرُه ، كاسم ( الله ) و( الرحمن ) و( الخالق ) و( الرزاق )، ونحو ذلك.ولهذا بدأ تعالى أول القرآن ومُفْتَتح سوره باسم الله ووَصَفه بالرحمن ،لأنه أخص وأعرف من الرحيم ،والتسمية إنما تكون بأشهر الأسماء ،فلهذا ابتدأ بالأخصِّ فالأخصِّ .قال الجوهري ( إسماعيل بن حماد ،ت : 393هجرية):الرحمن والرحيم :اسمان مشتقان من الرَّحْمة ،ونظيرهما في اللغة نديم ونَدْمان ، وهما بمعنى. ويجوز تكرير الاسمين إذا اختلف اشتقاقهما على جهة التوكيد كما يقال: فلان جادٌّ مُجِدٌّ .إلاَّ أن الرحمن اسم مختص لله تعالى لايجوز أن يُسَمَّى به غيره ولا يُوصف ، ألا ترى أن تعالى قال :( قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن) فعادَل به الاسم الذي لا يَشْركه فيه غيره(الصحاح :رحم ).
والرُّحْم والرَّحْمة والمَرْحَمة :الرِّقة والعَطْف والشَّفقة ،يقال :رَحِم فلان فلاناً،رقَّ عليه وعطف عليه .قال تعالى :( وأقرب رحماً ) أي أقرب عطفاً وأمسَّ بالقرابة .وقال تعالى ،في المؤمنين العاملين صالحاً ،المتواصين بالصبر على أذى الناس ،وعلى الرحمة بهم :( وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة ) أي بالرحمة على الناس .وقال الراغب الأصفهاني ( الحسين بن محمد ،ت :502 هجرية ): الرحمة :رقة تقتضي الإحسان إلى المرحوم.وقد يُستعمل تارة في الرِّقَّة المجرَّدة ،وتارة في الإحسان المجرَّد ،وتارة في الإحسان المجرَّد عن الرِّقة ،نحو: رَحم الله فلاناً .وإذا وُصف به الله تعالى فليس يُراد به إلاَّ الإحسان المجرَّد دون الرِّقة .وعلى هذا روي أن الرحمة من الله إنعام وإفضال ،أي تََفرَّدَ تعالى بالإحسان ،ومن الآدميين رقة وتعطُّف ،لأنه مركوز في طبائعهم (المفردات في غريب القرآن:رحم)
** ** **
وعذراً ،فقد أكون أطلت جداً ،لكن هذا الباب لاينتهي متعة وفائدة .
ونلتقي في فضاءات أسماء أخرى في فلك نور الأدب .
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|