[د. منذر أبوشعر]

ابن الجوزي: هو الإمام العالم الزاهد الحافظ المؤرخ الواعظ أبو الفرج عبد الرحمن بن علي القرشي، نسبة إلى شجرة جوز كانت في داره بواسط لم يكن بواسط شجرة جوز غيرها (الوافي بالوفيات 18/ 109)، وقيل غير ذلك.
ولد ببغداد في فترة سيطرة السلاجقة على الخلافة العباسية، في خلافة المستظهر بالله (وكانت خلافته من المحرم عام 487 هـ حتى ربيع الآخر عام 512 هـ)، وهي فترة عرفت بالاضطرابات السياسية والعسكرية.
كان عالماً موسوعياً كبيراً، وقال عنه ابن كثير (إسماعيل بن عمر القرشي 700 هـ - 774 هـ): برز في علوم كثيرة، وانفرد بها عن غيره، وجمع المصنفات الكبار والصغار نحوًا منْ 300 مصنفاً، وكتب بيده نحواً من 200 مُجلدة.. ولَه في الْعُلوم كلها اليدُ الطولَى، والمشاركات في سائر أنواعها مِنَ التفسير والحديث والتاريخ والحساب والنظر فِي النجوم والطب والفقه وغير ذلك من اللغة والنحو، وله مقامات وخطب (البداية والنهاية 13/ 28).
ولسعة شهرة مجالسه في التدريس والوعظ تعلقت به دار الخلافة، حتى كان الخليفة ووزراؤه وأعيان الخلافة والفقهاء يحضرون مجالس وعظه في دار الخلافة نفسها(ذيل طبقات الحنابلة 2/480).
لكن مما أخذ عليه كثرة أغلاطه في تصانيفه،وعذره أنه كان مكثراً، يصنف الكتاب ولا يعتبره، ويشتغل بغيره. بل ربما كتب في الوقت الواحد في تصانيف عديدة. ولهذا قَال: أنا مُرتب، ولست بمصنف (ذيل طبقات الحنابلة 2 / 487).
كما أخذ عليه ميله إلى التأويل في بعض كلامه،فهو وإن كان مطلعاً على الأحاديث والآثار في هذا الباب، فلم يكن خبيراً بحل شبهة المتكلمين وبيان فِسادها، ولهذا فقد اضطرب في هذا الباب، وتلونت فيه آراؤه.
وقد امتحن في آخر عمره سنة 590هـ، وذلك أن الوزير ابن يونس الحنبلي (عبيد الله بن يونس الأزجي، ت: 593 هـ) عقد في ولايته مجلساً للركن عبد السلام بن عبد الوهاب الجيلاني (ت: 611 هـ ) وأحرق كتبه لما تحويه من الزندقة وعبادة النجوم ورأي الأوائل، بمحضر من ابن الجوزي، وانتزع منه مدرسة جده عبد القادر الجيلاني وسلمها إلى ابن الجوزي؛ فلما ولي الوزارة ابن القصاب (محمد بن علي البغدادي، ت: 593 هـ ) - وكان رافضياً خبيثاً - سعى في القبض على ابن يونس، وتتبع أصحابه، فقال له الركن عبد السلام: أين أنت من ابن الجوزي؟ إنه ناصبي ومن أولاد أَبي بكر الصديق، ومن أكبر أصحاب ابن يونس، أعطاه مدرسة جدي، وأحرقت كتبي بمشورته. فكتب ابن القصاب إلى الخليفة الناصر (575 هـ ـ 622هـ) وكان له ميل إلى الشيعة، فأمر بتسليمه إلى الركن عبد السلام، فجاء الركن إلى دار الشيخ وشتمه، وأغلظ عليه وختم على كتبه وداره، وشتت عياله، وأفردت له دار بدرب الديوان، وبقي محبوساً فيها خمس سنين يخدم نفسه بنفسه، ويغسل ثوبه ويطبخ، ويستقي الماء من البئر، ولا يتمكن من خروج إلى حمام ولا غيره وقد قارب الثمانين.
وبقي على ذلك من سنة 590هـ إلى سنة 595هـ، فأفرج عنه، فقدم إلى بغداد، وفرح به أهل بغداد فرحاً زائداً، ونودي له بالجلوس يوم السبت للتدريس. ولم يزل على عادته في الوعظ، ونشر العلم وكتابته إلى أن توفي (ذيل طبقات الحنابلة 2/504 ).
** ** **
ومن كتابه تلبيس إبليس قال:
التلبيس: إظهار الباطل في صورة الحق.
والغرور: نوع جهل يوجب اعتقاد الفاسد صحيحاً والرديء جيداً. وسببه: وجود
شبهة أوجبت ذلك.
قال الحسن بن صالح الهمداني: إن الشيطان ليفتح للعبد تسعة وتسعين باباً من الخير
يريد به باباً من الشر. وقد دخل إبليس على هذه الأمة في عقائدها من طريقين:
أحدهما: التقليد للآباء والأسلاف. والثاني: الخوض فيما لا يدرك غوْره ويعجز
الخائض عن الوصول إلى عمقه، فأوقع أصحاب هذا القسم في فنون من التخليط.
فأما الطريق الأول، فإن إبليس زيَّن للمقلدين أن الأدلة قد تشتبه، والتقليد سليم. فضلَّ
في هذا الطريق خلق كثير، وبه هلاك عامة الناس؛ وفي ذلك إبطال منفعة العقل،
لأن العقل إنما خلق للتأمل والتدبر.
واعلمْ أن عموم أصحاب المذاهب يعظم في قلوبهم (الشخص) فيتبعون قوله من غير
تدبر بما قال، وهذا عين الضلال، لأن النظر ينبغي أن يكون إلى القول لا إلى
القائل: قال سيدنا علي بن أبي طالب للحارث بن حوط الليثي، وقال له: أتظن أن
طلحة والزبير كانا على باطل؛ فقال له: يا حارث أنه ملبوس عليك، إن الحق لا
يُعرف بالرجال، اعْرفِ الحقَّ تعرفْ أهله.
قال ابن الجوزي: ومن العوام من يرضى عن عقل نفسه فلا يبالي بمخالفة العلماء،
فمتى خالفت فتواهم غرضه، أخذ يرد عليهم ويقدح فيهم.
ومن تلبيسه عليهم تقديمهم المتزهدين على العلماء، فلو رأوا جُبَّة صوف على أجهل
الناس عظموه خصوصاً إذا طأطأ رأسه وتخاشع لهم، يقولون: أين هذا من فلان
العالم ذاك طالب الدنيا وهذا زاهد لا يأكل عنبة ولا رطبة ولا يتزوج قط؛ جهلاً
بفضل العلم على الزهد، وإيثارهم للمتزهدين على شريعة محمد بن عبد الله صلى
الله عليه وسلم.
ومن تلبيسه عليهم قدحهم في العلماء بتناول المباحات، وذلك من أقبح الجهل.
وأكثر ميلهم إلى الغرباء، فهم يؤثرون الغريب على أهل بلدهم ممن خبروا أمره
وعرفوا عقيدته، فيميلون إلى الغريب؛ وإنما ينبغي تسليم النفوس إلى من خبرت
معرفته.
وقد يخرج بالعوام تعظيم المتزهدين إلى قبول دعاويهم وإن خرقوا الشريعة
وخرجوا عن حدودها.
ومن العوام من يقول: هؤلاء العلماء ما يحافظون على الحدود، فلان يفعل كذا
وفلان يفعل كذا، فأمري قريب. ونسوا أن الجاهل والعالم في باب التكليف سواء،
وغلبة الهوى للعالم لا يكون عذراً للجاهل.
وبعضهم يقول: ما قدر ذنبي حتى أعاقب، ومن أنا حتى أؤاخذ وذنبي لا يضره
وطاعتي لا تنفعه وعفوه أعظم من جرمي ؟
كأنهم اعتقدوا أنه لا يؤاخذ إلا ضداًّ أو نداًّ، وأنهم بالمخالفة قد صاروا في مقام
المعاند.
ومن تلبيسه عليهم، أن يعتمد أحدهم على خلة خير ولا يبالي بما فعل بعدها، لا
يتحاشى عن المعاصي. ونسوا أن الاعتقاد فرض، والكف عن المعاصي فرض
آخر، فلا يكفي أحدهما عن صاحبه.
ومن العوام من يعتمد على نافلة ويضيع فرائض، ويحضر مجالس الذكر ويبكي
مكتفياً بذلك؛ وإنما المقصود هو العمل، وإذا لم يعمل بما يسمع كان زيادة في
الحُجة عليه.
فإن قيل: إن العوام لا يعرفون الدليل، فكيف لا يقلدون ؟!
فالجواب: إن دليل الاعتقاد ظاهر، لا يخفى على عاقل؛ وأما الفروع - فإنها لما
كثرت حوادثها، واعتاص على العامي عرفانها، وقرب لها أمْر الخطأ فيها -
كان أصلح ما يفعله العامي التقليد لمن عرف ونظر وتدبر.
وأما الطريق الثاني: فإن إبليس استغواهم على قدر فطنتهم، فساقهم إلى مذهب
الفلاسفة حتى أخرجهم عن الإسلام، وأفضى بأكثرهم إلى الشكوك وببعضهم إلى
الإلحاد.

[علاء زايد فارس]

سلمت يداك أستاذ منذر
موضوع قيم ورائع وممتع في ذات الوقت

[ناز أحمد عزت العبدالله]

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
رحم الله إبن الجوزي بإذن الله وسائر علماء المسلمين الأموات منهم والأحياء *
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه المجتبين والتابعين بإحسان الى يوم الدين *
جزاك الله خيراً دكتور منذر أبو شعر ودام البيان والتبيان *

[د. منذر أبوشعر]

الأديب الباسم، وجه النور الساخر، ابني علاء زايد فارس:


الأستاذ الأديب ابني ناز أحمد العبد الله، زهرة نور الأدب المتجددة شباباً وعبق طيب خير:
بطيب عزم تواجدكما، نكمل صدق جمال الدرب، ونقطف بلذاذة أطايب تراثنا الذي نفخر به ونعتز به.
والخير كله لكما، ومشرقة أيامكما جميعها.