قصة مقتضبة كتبها المرحوم الوالد محمد الخضر الريسوني رحمه الله بعنوان (مريم وأطفال العامرية) ابان الهجمة الاستعمارية الشرسة على العراق
كان الجد واجما، صامتا، يتابع ما تبثه التلفزة من أخبار، حين أقبلت حفيدته صائحة بصوت رقراق:" جدو..جدو.." وارتمت في حضنه..
كانت عيناه لحظتها، مشدودتين إلى بناية انهارت بفعل قنابل فوق أجساد صغيرة، و بالتحديد إلى طفلة شقراء مسجاة على الأرض تكاد بملامحها تشبه حفيدته تماما...
تملكه رعب قاتل أدخله في شبه غيبوبة، لم يخرجه منها سوى صوت الصغيرة الكرواني وهي تمسك وجهه بيديها الحريريتين في محاولة منها للفت انتباهه إليها وصرف نظراته الشاردة عن الشاشة...
ـ نعم حياة جدو..
ـ هل أسمعك نشيدا حفظته اليوم؟..
ودون أن تنتظر منه موافقة، طلبت منه إطفاء التلفزة، وما أن لبى طلبها حتى تراجعت خطوة إلى الخلف ووقفت في شموخ تصدح بنشيد يمجد المحبة و السلام...
وما لبث الجد أن رفع عقيرته منشدا ليكون صوته وصوتها نشيدا واحدا...
فبين واقع مر وأليم تنسحق فيه الأرواح البريئة
تحت الكتل الخراسانية
وحلم بحياة أجمل تدور رحى الحياة
بين جد وحفيدته
الجد يرى العالم المظلم
بينما حفيدته ترى هذا العالم ببرائتها
التي تذيب وتصهر الحديد