الحمد لله المتفرد بالإيجاد والإختراع,الفاعل بلا علة ولاطباع,قهرعباده بالموت وأفزعهم به أيما إفزاع,وقصم به ظهركل جبارعنيد في أمره المطاع,نحمده تعالى على نعم ليس لها انقطاع,ونستعينه ونستغفره من ذنوب قست بهاقلوبنا فلا تلين ولاتخشع لسماع,نشهد ألاإله إلاالله وحده لا شريك له,شهادة من تحقق عظمته وجلاله فسمع وأطاع,ونشهد أن سيدنامحمداعبده ورسوله سيد العوالم بلا نزاع,اللهم صل وسلم عليه وآله وصحبه صلاة وسلاماتنفعنا يوم لا يجد الظالمون حميما ولا شفيعا يطاع..إن المسلم مطالب بأن ينظرإلى صورته كل يوم و ليلة,وما أعني صورة البدن ولكن أعني صورة النفس,ذلك أن غالب نظرنا إنما هونظرإلى صورة وهيأة البدن لا إلى صورة النفس,والله جل وعلا حين يمن على عبده بالنظر إليه ـ لأن هناك من العباد من لا ينظر الله تعالى إليهم ـ إنماينظرسبحانه وتعالى إلى صورة النفس لا صورة الوجه.مصداقا لحديث رسول الله (ص) فيما رواه عنه أبو هريرة(ض) "إن الله تعالى لا ينظرإلى صوركم ولكن ينظرإلى قلوبكم " .فالنفس البشرية لها صورة تحسن وتقبح على وزان الأفعال,وكما لي ولك صورة وهيأةجسمانية تتراوح سيماؤها بين القبح والجمال,كذلك النفس الإنسانية,لها جمال وبهاء,ولها نوروريح طيبة,ولها قبح ولها ظلمات وريح نتنة كريهة.وما من عمل يعمله ابن آدم في الخيرأو في الشر,إلا ويكون له أثره على هذه الصورة,فهوإما يزيدها جمالا وبهاء في الخير ,أويزيدها قبحا وبشاعة في الشر.فإن عملت خيرا طابت نفسك كأجود طيب تجده في حياتك,وازدادت نفسك جمالا فوق جمال,وإن عملت شرا نتنت نفسك وصارت كأخبث جيفة تجده بأنفك قط, وازدادت نفسك قبحا على قبح,ولهذاتقترب الملائكة من العبد الصالح وتؤيده وتسدده و تلهمه إلى العمل الصالح,بينما الملائكة تنفرمن العبد الغارق في الخطايا بما نتنت نفسه,وبما وقع في قلبه من الخبائث,فإذا نفرت منه الملائكة وتبرأت,تلبسته الشياطين فلاتدفعه إلا إلى الشرولايستحلي إلا المعاصي والذنوب,فإذامات العبدمات على إحدى الصفتين ,إما أن يموت بنفس طيبة وإما أن يموت بنفس خبيثة...
للحديث بقية
...الجسد يأكله الدود والعظام يبليها التراب, لكن النفس الإنسانية تبقى برائحة طيبة إن كانت من أهل الإيمان, و برائحة خبيثة إن كانت من أهل الفسوق و العصيان. فالنفس الإنسانية تحمل من رائحة العمل طيبا أو خبثا,ولهذا وجب أن نفهم أن الحرام خبيثة من الخبائث,إذا اقترفها العبد إتسخت نفسه.نحن لا نرى ذلك لكن الله تعالى يرى ذلك,والملائكة الكرام يرون ذلك,بهذاالمعنى وهذاالميزان يجب أن نفهم كتاب الله عزوجل وأحاديث رسول الله(ص)التي تؤكد بأن النفس البشرية تتأثربالأعمال الصالحة صلاحا وطيبة ونوراوبهاء, و تتأثربالأعمال الطالحة قبحا ونجسا ونتانة.فحين يقول الله تعالى"يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا,وإن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله إن شاء,إن الله عليم حكيم" فالمعنى نجاسة النفس,لأن البدن يمكن أن يكون نجسا ويتطهر ويتطيب,أما الطهارة الروحية فإنما تكون في النفس لا في البدن..ولأنه بضدها تعرف الأشياء,ومقابل ذلك نجده في حديث رسول الله(ص)الذي يقول فيه:"إن المؤمن لا ينجس"وللحديث قصة,ذلك أن أبا هريرة(ض) كان يوما خارجا من بيته وهوعلى جنابة,فإذابه يبصررسول الله(ص) قادما,فتجنبه حتى لا يسلم عليه وهوعلى جنابة,فلما لقيه النبي (ص) فيما بعد سأله:"يا أباهريرة ما حملك على أن تتنحى إذرأيتني؟ فقال أبو هريرة "يارسول الله كنت على جنابة فكرهت أن ألقاك وأصافحك. فقال (ص)ياأبا هريرة,إن المؤمن لا ينجس"مع العلم أن الجنابة من النجاسة التي وجب على المسلم أن يتطهرمنها,ولكن المصطفى (ص) يقصد أن نفس المؤمن طاهرة,وإنما تطهرالنفس المؤمنة وتداوم على طهارتها بالصلوات وبالأذكاروبتلاوة القرآن والصلاة على سيدنا محمد(ص) و تجديد النية والتوبة ومداومة الإستغفار,ففي ذلك جلاؤهاونصاعتها و بياضهاونقاؤها,لأن الأصل في النفس المؤمنة أنها طيبة وطاهرة,ولذلك أيها المسلم إذاهمت نفسك بمحرم من المحرمات,زنا أوخمرا أوقمارا أو زوراأو سرقة أوبهتاناأوتعديا أوعدوانا,فتذكرأن الذنوب كلها لها طبيعة واحدة,الدنوب دنس ووسخ.فبادرإلى تخليص نفسك من دنسها ووسخها وسارع إلى تنظيف نفسك من أدرانها التي لحقت بها كما تسارع إلى تنظيف بدنك وثوبك إدا حاق به ما يوسخه ويلطخه...
... يروي ابن شبيب عن معاذبن جبل عن رسول الله(ص)أنه قال"ّإتق الله حيثما كنت ,وأتبع السيئة الحسنة تمحها,وخالق الناس بخلق حسن".الحرام خبيثة من الخبائث فلا تلطخ نفسك به,بل طهرها بالأعمال الصالحة وتبرأ إلى الله تعالى من كل ذنب,فإنه عزوجل يحب التوابين ويحب المتطهرين, و هاهورسول الله يدعوربه فيقول:"اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين "... وحدها النفس الخبيثة هي التي تستحلي الحرام,النفس الخبيثة هي التي تجد المتعة في العفن وفي القبح والنتانة,تجد الراحة في الأدران والأوساخ,فإذا أنت ارتكبت معصية من المعاصي ولم يتحرك فيك وازع الندم على ما فعلت وبقيت مطمئنا في وسخ الذنوب فاعلم أنك من أصحاب النفوس الخبيثة أما إذا ارتكبت خطيئة من الخطايا,فندمت على ما فعلت وشعرت بأنك في ضيق من أمرك وأحسست بأنك متسخ النفس فبادرت إلى تطهير نفسك,فهذا دليل على أنك من أصحاب النفوس الطيبة,وأنك من أهل الإيمان الذين لا يرضون أن يتلطخوا بأوساخ الذنوب,لذلك كان (ص) يدعو ربه تعالى فيقول : "اللهم باعد بيني و بين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب,اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس,اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد"وليس المعنى أخذ هذا الدعاء حرفيا على مأخذ الظاهر,وإنماهي كنايات و مسميات القصد منها تطهيرالنفس بشلال من المعاني الروحية التي تنقي النفوس وتغسلها من الخطايا".برواية أبي سعيد الخدري وهو عند الطبراني والحاكم بسند حسن عن رسول الله )ص(قال:"يقول إبليس لله عزوجل:بعزتك وجلالك لا أبرح أغويهم مارأيت الأرواح فيهم فيقول له الحق سبحانه,فبعزتي وجلالي لاأبرح أغفرلهم مااستغفروني" .الإستغفارإدن هو جلاء الدنوب وهوالمطهر من أوساخ الدنايا وأدران الخطايا,وأنت كلما استغفرت الله عزوجل ,فكأنما تسدد سهما لإبليس اللعين لأنك تغلبت عليه وعلى نفسك الأمارة بالسوء,حين ندمت على دنبك ولم تأخدك الغرة أوالسهوة,وعالجت إثمك بيقظة إيمانية دعتك إلى الإستغفاربماهومنة إلهية على العباد المؤمنين,تمسح دنوبهم لا بل وتثيبهم وتجعلهم من أهل مقامات النادمين المستغفرين.
...يالكرم المولى عزوجل..يكون في قلبك خاطرسوء,أوتمر بك نية غير سليمة,أو تتلفظ بكلمة مشينة,أوتنظرنظرة غيربريئة,أوتحدثك نفسك بمعصية فترتكبها وتتسخ,ثم ما تلبث أن تبادر إلى تخليص نفسك من وسخها بالندم و الإستغفار,فإداأنت من المبصرين بعد أن كنت أعمى البصيرة."إن الدين اتقواإدامسهم طائف من الشيطان تدكروا فإداهم مبصرون".فوائد هاته النعمة الربانية ــ نعمة الندم والإستغفارــ كثيرة ومنافعها عديدة,لكننا نفرط فيها,ونغفل عنها ونحن في خضم هائج من الفتن,تعصف بنا رياح الهوى والملدات, ونغرق في أوحال الشهوات,ونتعثر في المعاصي والسيئات,وننسى سبل السلامة وحبل النجاة,وما حبل النجاة إلا ندم و إنابة واستغفار, مصداقا لقول رب العزة :"والدين إدا فعلوا فاحشة أو ظلمواأنفسهم دكرواالله فاستغفروالدنوبهم ومن يغفرالدنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون"...هاهو كتاب الله عزوجل يخبرنا و يدلنا على الداء والدواء,على ما ينجس الأنفس ويدنسها,وما يطهرها و ينقيها.الفواحش هي الوسخ وهي الداء,والندم والإستغفار هو الجلاء و الدواء,فأكثر من الإستغفار في بيتك وعلى مائدتك وفي مجلسك وفي ممشاك ومسعاك,فإنك لاتدري متى تنزل المغفرة ولا متى تكون ساعة الإستجابة.الإستغفارحطة للدنوب,فكن من المستغفرين,أظهر لربك الندم والجأ إليه تجده منيباغفارا,مهما عظمت دنوبك ومهما اتسخت نفسك,مهما استحودت عليك خطاياك, ومهما رأيت عصيانك كبيرا,ووزرك جما غزيرا,إغسل دنسك الجسيم بالإستغفار,ولاق ربك بالندم والإقرار,فهوسبحانه وتعالى منتهى خوف العابدين,وغاية خشية المتقين.فإن أنت فعلت إنفتحت لك بصائر الهدى وانقشعت عنك سحائب الضلالة,وكتبك ربك عزوجل عنده في مقامات النادمين المستغفرين.