سخرية القدر
من منا لم يعانده القدر يوما؟؟؟؟انها قصة رحمة ...القلب الأبيض والروح النقية...عاشت مع زوج ليس ككل الأزواج..وانجبت له العديد من الأولاد والبنات..وأهملت نفسها وذابت كشمعة لتنير للكل طريقهم...بينما كان هو بكل حماس يشارك في الاجتماعات والمنتديات الحرفية..يجالس علية القوم..مشاركا في الحقل السياسي...وهو في اطمئنان تام لوجود أنثى تقف معه جنبا لجنب..ممهدة له كل طرق الفلاح والنجاح...فكما يقال ,,وراء كل عظيم امرأة,,..فكانت هي تلك المرأة التي حفرت في الصخر لاسعاد زوجها وأبنائها.
عاش عيشة الملوك بأبسط الأشياء..صال وجال البلدان وتمكن من أداء مناسك الحج مرارا دون مرافقة زوجته لأن أبناءها الصغار في حاجة اليها.. فتظل حبيسة المنزل والأولاد لحين عودته.
مرت الأيام...كبر الصغار وكبرت مشاكلهم..تزوج أغلبهم وانغمسوا في حياتهم هم أيضا مع أبنائهم...ليأتي اليوم الذي تمنوا جميعا تخطيه...مرضت المسكينة مرضا شديدا ..انه مرض العصر...عانت منه كثيرا واحتملت الآلام لتفارق الحياة دون أن يجرأ أحد على مصارحتها بطبيعة مرضها.ذهبت الأم تاركة أعينا دامعة وقلوبا دامية وأجسادا وهنة من هول الفاجعة..التحقت بالرفيق الأعلى وهي توصي أبناءها بالاتحاد وبتزويج أبيهم حتى تكون مطمئنة عليه في قبرها ...حتى في موتها كانت تفكر في اسعاد الكل...يا لسخرية القدر..
وهكذا كان..اختار الزوج زوجة أخرى لنفسه بعد مضي ثلاث سنوات..امرأة يافعة..كبيرة في السن ..فقدت قدرتها على الانجاب..عاشا معا وحقق الزوج أمنية زوجته المتوفاة.وأحب الأولاد زوجة أبيهم ليس كأمهم طبعا لكن لنقل كأخت كبرى ..فقد كانت حنونة وطيبة تعمل على اسعاد أبيهم وهذا ما كان يروق للأبناء..يحسون أن أباهم في مأمن معها.
تمر السنون بسرعة...لتكتمل الخمس سنوات..ويدعى الأب لحفل تكريم يقام له عرفانا بالجميل الذي أسداه للمهنيين..والحماس الذي أبداه في فترة شبابه لعمله.
حضر الأبناء الحفل..فكانت المفاجأة..اعلان فوزه بعمرة للديار المقدسة.. بكى الأبناء فرحا لهذا النبأ...وأحسوا بالفخر من أبيهم الذي بذل كل ما في وسعه لاسعادهم ..واعتزوا بانتسابهم اليه..فقد أخلص وتفانى في عمله فحصل على هذه المكافأة في وقته الضائع...عاد الجميع للمنزل والفرح يغمر القلوب..ويعلن الأب عن رفضه للهدية ان كانت له لوحده..فلا يمكنه السفر دون مرافقة زوجته..فكانت دهشة الأبناء كبيرة لالحاحه..وعمل جادا لتحقيق رغبته...
الأم المسكينة لم ترافقه أثناء أدائه لمناسك الحج الأربع التي قام بها...كانت حبيسة المنزل والأولاد لتحصد الزوجة الثانية ما زرعته الأولى من صبر وتحمل ومعاناة لزوجها الحاضر الغائب في حياتها...
سبحان الله...انها لعبة القدر وسخريته...أم تحملت الصعاب لتكون خير زوجة توصل زوجها للرقي..صبرت لبعده واضطراب عيشته...فكانت الممرضة والمربية والطباخة والمعلمة رغم أميتها...علمت الأبناء ومنحتهم الأدب والأخلاق وأوصلتهم لبر الأمان لتختفي في سلام...وزوجة ثانية منحها الله ما استحقته الأولى...لكن ليس لقضاء الله اعتراض...فهو سبحانه لا يؤخر أمرا الا لخير ولا يحرمنا منه الا لخير أيضا..فهو رب الخير ولا يأتي الا بخير ...فتفاصيل الحياة تجعلنا أحيانا في حيرة منها وكل ما نعيشه هو قدر مقدور ونعم بالله دائما....ويالسخرية القدر منا أحيانا...كل ما بقي للأولاد هو الدعاء للوالدة الكريمة بالرحمة والمغفرة...فمن يدري؟؟؟؟فربما يكون ثواب عمرتهما معا هدية لها من رب السماء ويسخر القدر مرة أخرى؟؟؟
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|