على منصة الحيرة (الجزء الثاني)
راح السيد عصام يسير ويفكر..يحاكي نفسه "يا ترى ما وراء هذه الزيارة هل ما ببالك يا عصام... أهي القصور التي حجارتها من نور تستقبل المخلوقين من طين مثلنا..ربما إذا اضطرت الأمور لذلك..."
وبقي هائما يروح ويجي حتى لف الليل بأجنحته المدينة ..توقف عند أحد الجوامع و بقي فيها حتى دقت أجراس الثامنة والنصف..قام وهم بالذهاب لميعاده ذاك..وما زال التفكير يدور في ذهنه..
..وصل إلى المكان المكتوب في البطاقة ..فوجد سورا عاليا مرصع بحبات من النور وحوله رجال حرس كأنما أنت واقف أمام مبنى شرطة ..وليس قصرا خاصا..
..سار ناحية بوابة ذاك القصر وأعطى البطاقة لرجل الحرس ..وسرعان ما رد له الحارس جوابا:..السيد فارس ينتظر قدومك ..مرحبا أهلا وسهلا..
اصطحب الحارس السيد عصام وهو يسير به من مكان لآخر بين جنبات ساحات القصر الخارجية ..حتى وصل إلى مبنى ليس بالحجم الكبير..ووقف عند مدخله ورفع سماعة هاتف معلق هناك على احدى الجدران..ألو ..أخبر السيد فارس..أن ضيفه قد وصل..وفورا سُمح للسيد عصام بالدخول..
..لم يكن عصام قبل ذلك قد رآى أو حتى سمع بالسيد فارس ..بل هو حتى لا يعرف أن هناك منصيا في البلد كمنصي السيد فارس..
استقبله السيد فارس بحرارة شديدة..وجلس يتسامر معه..من بحر حديث لآخر..ومن موضوع لموضوع..و يتحلل هذا الحديث المشروبات الباردة والساخنة ..حتى دقت أجراس الحادية عشر..ولم يجد السيد عصام أن فارسا هذا حدثه بأمر القضية..فحاول أن يستأذن..لكن السيد فارس قاطعه قائلا.. لم تنته جلستنا بعد سيدي..العشاء في انتظارك.. وصاحبه حتى غرفة الطعام ..مائدة لم ينصب مثلها لا في بيت عصام ولا من يعرف..جلسا على مائدة الطعام..ومازال الحديث مستمرا..ثم فجأة قاطع عصام السيد فارس قائلا.."..وبالنسبة لقضية سيادتكم التي تحت يدي.."فلم يسمح له السيد فارس بالإكمال وقال له ..لكل مقام مقال سيدي وليس هذا مقام القضاء..أنت في ضيافتنا ..فسكت السيد عصام مدهوشا..
أكرمه السيد فارسا إكراما مبالغا فيه في تلك الليلة ..و جاء ميعاد الذهاب..فودع السيد فارس ضيفه ..دون أن يريح له باله بسبب هذه الضيافة..
..لكن السيد عصام فطن لتلك الضيافة..وقرر تلك الليلة أن يرى القشية بعين الحق لا بعين ملأتها ضيافة السد فارس..
مرت الأيام تلو الأيام ..وجاء ميعاد الجلسة التي فوجئ السيد عصام من أوراق القضية أنها الجلسة الأخيرة للنطق بالحكم..أي أن منصبه هذا لم يجئه ليفرح به أبدا..
وأصبح صباح يوم الجلسة..وصل السيد عصام إلى المحكمة وفي حقيبته أوراق القضية..دخل حجرته الخاصة..وفتح الحقيبة فلم يجد بها أوراقه التي يرتب بها منذ أسابيع..واختلط الأمر عليه..التاسعة إلا خمس دقائق والأوراق ليس معه..لم يبق عن الجلسة سوى خمس دقائق..هاتف الشؤون القضائية يدق..ألو مرحبا أن المستشار عصام ... أوراق القضية رقم المحفوظة في خزانتة المحكمة تأتيني حالا.. ودقت أجراس التاسعة..ولأول مرة ينتفض السيد عصام..وجلس على كرسيه على منصة القضاء وهو يقول"..منصة أرق وحيرة وقلق.."
وبدأت الجلسة ..و المدعون والمحامون..وكل أطراف القضية حاضرون...
وقال المستشار عصام كلمته.."..محكمة.." فوقف الجميع.
والجزء الأخير المرة القادمة بإذن الله..
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|