حوار مع الشاعرة هنادة الحصري
[align=justify]في حوار مع الشاعرة هنادة الحصري :
هناك تأثير متناغم بين الشكل والمضمون
والسؤال :كيف نضيء دون أن نحترق
الشاعرة هنادة الحصري تعمل بدأب على مدّ القصيدة بكل ما في الروح من جمال .. تدهش الحرف بجعله مهموسا حتى الشفافية والذوبان .. ودائما تكون الكلمات في موسقة الوعد شعرا يماثل كل ما في ورود العالم من عبق .. قاربتُ كلماتها ، أو ربما قاربتني ، فكان الحوار في مسرب الشعر اشتعال صباح .. كثيرون كتبوا عنها وعن شعرها ، وظني كان وما زال ، أن الكتابات كلها لم تداخل عمق التفجر في القصيدة الأعلى ، إذ لي أن أرى أن هنادة الحصري تكتب بأصابع الياسمين بوح الحب الدمشقي المعتق ، وتكتب بأصابع الجمال ، جمالها وجمال القصيدة ، فيض معزوفة العصافير لفضاء رحب .. فهل علينا أن نبدأ الحوار..
• هنادة الحصري ،بعيدا عن التقليد ، ماذا تقولين عن نفسك هوية وحضورا ورحلة عطاء؟؟
**أنا امرأة تعرف جيدا ما ذا تريد ,متوازنة ,متصالحة مع نفسي بشكل رائع .لا أنقل روتين الأيام... و الجداول باقية في عروقي ..أقمشة الحزن عندي مساحتها قصيرة جدا ..ما اعتدت أن يذبل ما بين أصابعي..
• أتدرين شاعرتي ، أحب أن أعايش لحظة تفجر القصيدة عندك .. هل هناك فصول ، أم هو مطر مدرار؟؟
** تفجر القصيدة عندي حسب إلحاح التجربة و عندما تدخل في لحم الأنا، حينها يستفيق زهر الصور و يرتديني عباءة من دفق الكلام و يتفجر الزلزال فيأتي المطر مدرارا .. و الإنسان يجد ذاته مبدعاً كان أو غير مبدع يخضع لحركة فصول الطبيعة ..و أجد نفسي بعيدة جدا عن مفهوم المناسبات ..لأن المناسبة تنطوي بانتهائها بينما التجربة المعمقة تبقى للزمن المقبل ..
• بصراحة وعذرا إن سألت لكنه سؤال صديق ليس إلا ، ما تأثير سحر الأنثى وجمالها على الحضور .. طبعا وتعرفين لا أشكك لحظة بقيمة شعرك العالية ؟؟
** جمال الجسد ، و جمال الروح،و جمال القصيدة ،هذا الثالوث لا يتجزأ ..أنا أؤمن بجمالية الحياة من مجموعة روابط و تجليات ..و الجمال قيمة لا غنى عنها ..والله جميل يحب الجمال ..
بمعنى آخر هناك تأثير متناغم بين الشكل و المضمون ، بين النص وصاحب النص .. ولكن قبل كل شيء أنا أعمل على ألا يحفر القبح مكانه في روحي ..
• ما معنى مصطلح الشعر النسائي ، أو الأدب النسائي ، هل ترضين بالتوصيف أو الاصطلاح؟؟
**لا أومن إطلاقاً بمصطلح الأدب النسائي .. هناك أدب خلفه تجربة كائنا من كان المنتج ، ويبقى الصدق هو المعيار في قيمة النص ..
ثانيا و قبل كل شيء يجب أن يكون " الإبداع " متوافراً قبل تصنيفه في خانة الأنثى أو الرجل.. ويجب أن تتركز مواقفنا من طبيعة النتاج ، ومدى قدرته على إيصال خطابه للآخر ، وتألقه في قدراته التعبيرية كائناً ما يكون الشكل الكتابي أو تشكيله .. وقتها فقط نتحدث عن البصمة التي يتركها هذا النتاج أو غيره . من هنا أرفض تقسيمات الأدب : نسائياً أو رجالياً . لأننا ومنذ بدء الكتابة نجد أن مصطلح " الأدب النسائي " لم يستو قوامه بعد ولم تحدد آفاق تعريفه. ولذلك ليس من خصوصيات وعلامات فارقة تقوى على الفصل والقطع بوضوح الهوية. حيث نرى ونسمع ونقرأ ، حتى الآن خطاباً نسائياً بصيغة " هو " " هي الغائبة " وليس بصيغة "التاء المؤنثة " ما وراء ذلك ؟ !.. إنه الزمن البطريركي العام الذي حل محل "الأم عشتار ".
والمعادلة ستبقى جائرة ، ما دمنا لا نمتلك أنظمة اجتماعية تستوعب التحولات الكبرى في المجتمع . فمثلاً ماذا تعني كتابات الأخوات برونتي ، أو جورج صاند ، أو مارغريت ميتشل أو كوليت الفرنسية ، أو ايزابيل اللينيدي ، أو بعض كاتباتنا ـ على قلتهن من أمثال مي زيادة وليلى بعلبكي ، وغادة السمان ، وكوليت خوري ونوال السعداوي .. الخ .. ماذا تعني هذه القلة القليلة جداً جداً .. أمام الطوف الهائل من المبدعين الذكور ؟ .
فعلى كل منهما المرأة والرجل ، أن يعيا ذاتهما وحتمية وجودهما المشترك في صناعة الحياة الأفضل بعيداً عن مشاعر الدونية أو الفوقية التي لا تقود إلا إلى التقهقر والخراب . وفي أبسط النتائج : التفسخ واللا جدوى .
• هلتعاني الأنثى من ضيق المساحة المتحة لها إبداعيا؟؟
** إن تراجع المرأة أمام الضغوط الاجتماعية والنفسية والوجودية : الموروثة والمكتسبة ، قد ساهم بصورة جوهرية وجائرة في انحسار فعاليات المرأة المبدعة عبر التاريخ: القديم والحديث ، هذا إذا استثنينا أسماء قليلة جداً، لا تكاد ـ في مجموعها الكوني ـ تشكل ظاهرة جديرة بالوقوف وجهاً لوجه أمام الوعي القمعي للرجل ، الذي بقي متسيداً ، وظلت المرأة المبدعة في " خانة الحريم " حيث ساهم في ذلك رضوخها وانصياعها ، وتمزقها ما بين أن تكون : زوجة أو أما أو حبيبة أو عاملة أو حرة متفرغة للإبداع .. لأن كل حالة مما تقدم تحتاج إلى تفرغ ، حتى ينضج العطاء ، ويتألق جوهر الصراع الذي انبنت عليه آفاق الإنسانية . ولهذا نرى أن الصورة العامة ظلت مخلخلة، سواء لدى الرجل عندما " يتخنث في تقديم " المرأة " أو المرأة عندما " تسترجل " في تقديم الرجل .. في الوقت الذي لا يحتاج فيه الأمر إلا إلى قدر كاف من العدالة ، ليقدم كل نفسه على حقيقتها ، دونما قناع ، أو افتعال، أو تحريف ، أو تشويه ، فالمرأة امرأة ، والرجل رجل ، وكلاهما سيد في ملكوته، يتعاضدان معاً في حمل راية التقدم والتطور والارتقاء .
• في ديوانك الأخير((رنيم النرجس)) الصادر عن اتحاد الكتاب العرب ، تشف القصيدة وتعلو ، كيف قطعت كل هذه المسافة ، وإلى أين طموح الوصول ؟؟
**بالصدق والجدية والمثابرة والاطلاع على آخر ما وصلت إليه الحداثة ..كذلك إيماني بأهمية الإبداع وأثره في التكوين الإنساني ..
• بين البيت والشعر ، ممارسة الرياضة والشعر ، محيطك الاجتماعي الواسع والشعر ، ماذا نجد وكيف ؟؟
** عالم الرياضة ، هذا العالم الذي يأسرني يجعلني أقضي معظم أوقاتي في رحابه .. وبشكل عام يجب أن تحافظ الأنثى على مظهرها .. وقيل العقل السليم في الجسم السليم .. كذلك محيطي الاجتماعي الواسع يفرض علي التزاما بالحضور المستمر .. ربما أكون لكل ذلك مقصرة للأسف بحق الشعر ..
• النقد هل أعطاك حقك ؟؟
**أنا أعتز بتجربتي المتواضعة وبكل ثقة أقول إنني ما زلت في أول الدرب ولهذا فإن النقد لم يقصر تجاه هذه التجربة التي قدمتها بعمرها القصير ، وأنا لا أبحث عن مرايا نقدية ، ما يهمني يتمثل في أن أنقل تجربتي من عالم الفكرة والخيال إلى فضاء الكتابة ..
• تكتبين الشعر بأناقة تتوافق مع أناقة المظهر ، هل هي خطة حياة حتى في الشعر ؟؟
**الشخصية كل متكامل ، أنا نفسي ونفسي أنا ، منسجمة دوما ، فيما كتبت كنت أنا على الورق ، وأتمنى تحقيق المعادلة المستحيلة : كيف نضيء دون أن نحترق ..
• قال الناقد والأديب محي الدين صبحي بعد أمسية لك (( قصائد السيدة هنادة الحصري كانت جيدة في بنائها )) مبينا أن الشاعرة وعت ما أرادت في تصميم مسبق فأعطت قصائد لها هندسة واعية وصور رائعة .. المقولة باعتقادي الشخصي ناقصة !! لكن ما رأيك بها ؟؟
** كل إنسان حر بما يحسه والناقد دوما يرى بمنظاره الخاص .. ومنظاره خاضع لعمق ثقافته النقدية .. وأشكره على رأيه ..
• تكتبين القصة .. لكن لم نقرأ لك نتاجا منشورا .. لماذا ؟؟
**المبدع في سنواته الأولى يجرب أكثر من جنس أدبي وفني ويستقر في النهاية عند ما يسمى بالصوت الأقوى في أعماقه .. وهذا لا يمنع وجود محاولات قصصية ..
• هل تسكبين على الورق حبر القلم أم أنفاس الشجرة التي لا تطفئ شمسها .. أحب أن أستدعي التصور ؟؟
**كل ما ذكرته أعتبره أدوات معرفية أستخدمها في صوغ القصيدة ..
والإبداع يولد مع الكائن ، وتنميته وتكريسه أو إعاقته واستبعاده من صنع الإنسان والمحيط البيئي : مادياً وروحياً .. وكلما كان هذا الإبداع إلهاماً حقيقياً ، تنوعت وازدهت معطياته وتعمقت جدواه ، وتخلد في ذاكرة الزمان والمكان والمطلق ، وليس من مبرر لأي افتعال فعندما تقرر " الكتابة " حضورها ، لا علاقة للمبدع فهو بمثابة (( عبد مأمور )) يطلب منه الشجاعة والصدق في نقل وتقديم ما تبتكره وتفرضه عليه " تجربته " ونضوج أدواته المعرفية : عمقاً وشمولاً واتساعاً ..
• ما هو جديدك ؟؟
** مشروع ديوان جديد لم يكتمل ..
• بصمة أخيرة تضعينها في هذا الحوار ؟؟
**مقطع من قصيدة أقول فيه :
قمر يحاورني ويروي بالرحيق شتول بستاني ،
فيأتلق الشجر..
قمر وخمس أصابع تحنو على أوتار قيثاري ،
فيزهر في مقالعه الحجر
قمر وسلة أغنيات في سماء مدينتي ،
مرصودة لفم الشجر
قمر يعانق شرفتي .. أيغار من دمه القمر ؟؟
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|