نص مسرحي في فصل واحد:
------------------------                       
(( ســـــــــــــرُالشـــــــــــقاء ))  
                                                                                                                           تأليف : صالح البدري
 الشخصيات: - شيخ طاعن في السن .                                                                                                - أسرى من مختلف الأعمار .                                                                                          - العمالقة و الجنود والحاشية .                                                                                         - جوقة الفتيات .                                                                                                        - الملكة المقنعة .
الفصل الأخير.. المشهد الأخير:
( خلال الظلام والستارة مرفوعة ، تهب ريح قوية هوجاء ، وتبقى خلفية للمشهد . حزمة ضوء (سبوت لايت) تسلط على شيخ طاعن في السن، بملابس بيضاء فضفاضة ،  ولحية طويلة قد غزاها الشيب ، لكنه يبدو نشيطا  وذا حيوية على الرغم من خارطة التجاعيد الظاهرة على محياه ، ممسكا بعصى من بقايا الشجر ، ويطل على الجمهور ، من فوق تلة مرتفعة ، تغطيها الجماجم البشرية .. ).
الشيخ : (صارخاً بقوة وبحرقة وبصوت متهدج)  ياسادة ياكرام ، كان ياما كان .. في سالف العصر                                      والأوان .. كان لنا وطن  .. لكنهم سرقوه في وضح النهار ! سرقوا حضارتنا ..                         ونفطنا وماءنا وزرعنا وعقولنا ودم شهدائنا ! عزيز أنت ياوطن ، وجميل أنت يا وطن ..                                                                                                                                 
           حتى ظلمك أجمل!!                     
( ينهار الشيخ على الخشبة باكياً ، وتدريجياً ، تظهر من خلف التلة مجموعة من الأسرى بملابس وأزياء  وطنية مختلفة ، أطفالهم يبكون ، ونساؤهم يندبن  ويبكين ويلطمن الخدود ، وشبابهم منكسروا النظرات ،     يصبغ وجوههم الحزن!
وشيوخهم يجرجون أقدامهم جراً ..وكلهم بحالة يرثى لها . يحتمون ببعضهم من الريح والعاصفة ،  ومن سياط العمالقة الذين يظهرون من خلفهم وهم يرتدون ملابس معدنية من القصدير، وعلى رؤوسهم قبعات طويلة ، ويحمل كل منهم كتابا ضخماً أيضاً..).
  العمالقة : ( يرددون معا وهم يقرأون في كتبهم الضخمة ) نحن الحكماء هنا .. لقد  جئنا لكي نبقى ..                    فكل شئ لنا!
 أحدهم : مافوق الأرض لنا!
  آخر : ماتحت الأرض لنا!
  آخر : القول لنا !
 آخر : والفعل لنا!
 آخر : ومن ليس معنا ..
  الجميع: فهو ضدنا !!
 أحدهم: للبيع كل عبائاتكم.. وعمائكم.. ونياشينكم !!
  آخر: وكل  ماتدعون من حضارتكم!!
آخر: وكل أقلامكم وألسنتكم وعقولكم!!
  آخر: وكل أغانيكم وأفراحكم وأمانيكم !!
  آخر:  كل المآذن والكنائس والجحور!!
  آخر: كل الشوارع  والمدارس والقصور!!
   الجميع: نحن نبتاع الكرامة والرجولة والعباءة!!
  آخر: نحن من يرث الحضارة!!
   آخر: وكل أراضيكم رهينة ..
الجميع: (يكررون) ومن ليس معنا .. فهو ضدنا !!
          (- يطلق العمالقة ضحكات إنتصار داعرة ، وسط إحتجاج وأنين الأسرى ، وفجأة تتحول انارة المسرح الى الأزرق الغامق . تسمع أصوات إنفجارات وقصف مدافع وطائرات حربية . زخات رصاص كالمطر.. سحب دخان أسود، صراخ الأطفال والنساء 
يمتزج مع أصوات تلك المؤثرات الصوتية التي سمعناها من خارج المسرح ...فترة .. ويسود الصمت المكان.. وتتلاشى أيضاً أصوات الريح والعاصفة . تتحول إنارة المسرح تدريجياً الى اللون الأصفر الفاقع فقط .         - يتصاعد تدريجياً - فيد إن - صوت     موسيقى  جنائزية مع كورال حزين  ..        
 - ثلاثة من العمالقة يقودون الشيخ الذي فقد حيويته ونشاطه بعد أن كبلوه بالقيود والسلاسل ، ويركعونه في مقدمة يسار المسرح .. ُيسمع صوت بوق طويل ، حيث تتغير الأنارة الى اللون الأزرق الفاتح ،  يدخل الى خشبة المسرح مجموعة من الجنود بنفس زي العمالقة تقريباً.. يتوزعون في كل مكان من صالة المسرح والخشبة ، وهم  يتقدمون موكب الملكة المقنعة والتي تحمل بيدها صولجاناً مذهباً وفي رأسه نجمة سداسية لامعة ، محمولة على هودج عربي التصميم ، وتحيطها مجموعة من فتيات ينقرن على الدفوف ويغنين : 
 الفتيات:  طلعً الفجرُ علينا    من ظلامِ النكباتْ                                                                                   حكماءُ الأرض غنوا    نحن طلابُ الحياة ْْ
(  - بأشارة من يد الملكة المقنعة ، يبدأون بالرقص  الذي يوحي بشئ من الوحشية والهستيريا والأنتشاء .. ويتبادل الحاضرون من حاشية الملكة الأنخاب وسط ضحكات ماجنة .  فترة . نسمع ضربة صنج قوية من خارج الخشبة .. حيث يهدأ الجميع ، ويحل الصمت التام إلا من صوت بكاء الأطفال الأسرى..
-  الملكة ترفع صولجانها وينطلق صوت البوق من جديد . يدخل الأسرى الذين شاهدناهم من قبل يحيطهم الجنود العمالقة وهم يدفعون بهم الى الخشبة ويركعونهم على الجانب الأيمن من مقدمة خشبة المسرح ..).
           الأسرى: (بألم يصرخون) ماْء.. ماء .. نحن عطاشى .. نريد الماء..                                  الشيخ: ( يقف ويصرخ ) أعطوهم الماء .. إنهم عطشى .. ألا تسمعونهم ؟
  ( أحد الجنود يتقدم ويُركع الشيخ بين يدي الملكة.. وعلى إثر إشارة منها بأستقدامه أمامها )
   العملاق: (منحنياً) مليكتي ..مليكتنا جميعاً .. مليكة البشر والأكوان ..النبات والحيوان ..                               الجبال والوديان ..                                                                                                         
              أرفع لمقامك السامي أسمى آيات التبريكات بأسم أهل الأرض جميعا ، وأهل العوالم الأخرى ، 
                     معلناً نيابة عن شعبك - الذي أختاره الله - تقديم فروض الطاعة والأحترام والولاء ،وعاشت  الملكة .                       ( الجميع من الحاشية والجند يركعون . وينهض الشيخ بصعوبة ،                                                     متكئاًً على عصاه .. )                                      
الشيخ: ( يرفع صوته ) أيتها الملكة ..                                                                                             ( يحاول  أحد العمالقة أن يتقدم لأركاع الشيخ من جديد .. لكن الملكة تشير له بيدها بأن يتركه ..)    الملكة: ( بنبرة رصينة وهادئة ) تكلم أيها الشيخ .. ولكن لاثرثر.. قل ماذا تريد ؟ فأنتم هنا اليوم                        رعاياي.. ولكم في مملكتي كل الأحترام وكل الحق في الكلام. ثم أننا لانظلم العبيد  ولا الرعايا ..               قل أيها الشيخ؟
 الشيخ : إرفعوا عني القيود .. فكوا وثاقي ؟! ( الملكة تشير بنزع قيده ).
  الشيخ : أولا أسقوا  العطاشى من شعبي ..                                                                                 ( الملكة تشير الى الجنود بجلب الماء ..).
الملكة : وثانياً أيها الشيخ ؟
 الشيخ: من الذي أعطاكم الحق بأسرنا وتحويلنا الى رعاياكم ؟ من الذي أعطاكم الحق في ...
الملكة : قلت .. لاتثرثر .. إستمر أيها الشيخ              ولكن لاتثرثر !  فالثرثرة والكلام الكثير،                       من صفاتكم أيها الشيخ !
الحاشية : (تهتف ) عاشت الملكة .. عاشت ..عاشت . عاشت .
الشيخ : ( مستمراً) لماذا نحن أسرى ؟
الملكة: ( تضحك بشماتة ساخرة ) ومن قال لكم بأنكم أسرى ؟ أنتم الآن رعاياي أيها الشيخ !
الشيخ : وتاريخنا ؟ وحضارتنا ؟ و ...
الملكة:( مقاطعة وبدون إنفعال ) كان !!  كان ايها الشيخ الفطن  . ثم عن أي تاريخ وحضارة تتحدث ؟ أنتم            الذين أضعتم تاريخكم وحضارتكم ! ثم إن التاريخ لايعيد نفسه ؛  وتاريخكم صار كذبة كبرى !                        وحضارتكم إندثرت تحت كثبان الرمال ؛ وأنتم ستموتون وتنقرضون كالدينصورات أو كالهنود         الحمر بدوننا!( تضحك .. و يدخل حاملوا أباريق .. حيث ينتظرون الأوامر ) ... 
العمالقة : (يقرأون في الكتب المحمولة معهم) يا أمة ضحكت من جهلها الأمم !
الملكة: (تضحك) قالها شاعر منكم ، ولم نقلها نحن ! ( تؤشر بيدها الى حاملي الأباريق بأن يتقدموا)
أحد الأسرى: (فجاة يقف ويصرخ)  كنا خير أمة أخرجت للناس أيتها الملكة المقنعة! ( يسحبه رفيقه                           من يده ليجلسه) .
 الشيخ: لا .. لا أيتها الملكة.. نحن أمة حيَة . ماضيها عريق وحضارتها تليدة  ..
الملكة: ( تزجره بغضب ولأول مرة ) لكنها ماتت ! ماتت بائسة ومنسية على أرصفة التاريخ ؛ وأنتم                      الذين كنتم السبب في موتها وأنقراضها وبؤسها ! 
الشيخ: نحن نسيناها ؟! من قال ذلك ؟
الملكة: (مازالت على غضبها)  إرتضيتم بأمة من سراب بديلا ، وكان الذهب لكم زميلا والمال خليلا !               أنتم أمة تدعو للرثاء والشفقة .
 الشيخ: وهل تنسون دوركم في ما آلت اليه الأمور ؟ (الشيخ صارخا بقوة مشيرا لهم بأصبع الأتهام )                 أنتم سر شقائنا ومحنتنا ! أنتم السبب !
الأسرى: (يرددون خلف الشيخ بحماس) أنتم السبب ! ( تنهال عليهم ضربات العمالقة بالسياط ) ..
الملكة: (تعود الى هدوئها) بل أنتم .. ومع هذا تستطيعون من الآن فصاعداً ، أن تمارسوا حياتكم وحريتكم             هنا .. بيننا .. ومن جديد . في مملكتنا المترامية الأطراف . مملكة الحكمة و المجد الخالد و المقدس .
أحد الأسرى: (هاتفا) بل مملكة الشر ومحوره! ( يتلقى من أحد العمالقة ضربة من سوطه 
العملاق: إخرس أيها التيس ! يا أخا القمامة ! 
الملكة: إسمع أيها الشيخ العجوز ؛ في  مملكتنا ما لذ وطاب من الطعام والشراب و ...النساء ! إنها جنة                        
               من جنان الخلد .  فلم البكاء والنحيب والشكوى على زمنكم الذي ولى وفات وأنقضى ، وعلى        وطن مضاع ؟        
الشيخ: لا .. لاحياة لنا بدون وطننا ..(يرفع صوته) عزيز ياوطن ..
الأسرى: (يرددون من خلفه) عزيز ياوطن..
الملكة: (غاضبة) مملكتنا هي وطنكم .. ورقابكم بين أيدينا ! أنتم اليوم رعايانا ..
 الشيخ: بل قولى أسرانا !؟
الملكة: (تضحك) أنتم أسرى منذ زمن طويل أيها العجوز الهرم ؛ أسرى شهواتكم ورغباتكم الدونية ؛                    وطمعكم وعبادتكم للمال والنساء ! تعشقون الأرض لكن .. تعشقون المال أكثر !!
الشيخ: (متسائلا) من أسر الى أسر.. ومن حصار الى حصار؟؟ لا أيتها الملكة وألف لا ! كنا أسرى .. لكننا           اليوم نكره الأسر والأستعباد ..نحب حريتنا ..ونبحث عن الوطن الذي صار حلمنا. ولكن ....
 الملكة: إطمئنوا ..سنمنحكم الحرية التي تشتهون ! فلا حرية خارج مملكتنا !! وسنمنحكم الوطن البديل                  الذي فيه تعيشون .
ًصوت :( من بين الأسرى ) لكنه الوطن ..وطننا أيتها الملكة ؟
 صوت آخر: إنه وطننا الذي نتباها به .. بمائه ونخله ونفطه وزيتونه .. بسهوله وجباله ووديانه !!
 الملكة: (بعصبية) قلت وطنكم هنا .. في مملكتنا ! إنسوا الوطن ..إنسوه !
الشيخ: ننسى ؟ وكيف ننسى الوطن ؟ هل ينسى الناس أرضهم ووجودهم وذكرياتهم؟ لا ..
الملكة: (ضاحكة بشماته ) إنه أضغاث أحلام  !! إنسوه ؟
الحاشية: إنه أضغاث أحلام .. إنسوه ؟
الشيخ: ( بصوت باكٍ ) عزيز ..عزيز ياوطن ..
الأسرى: عزيز .. عزيز ياوطن !                                                                                     ( يحاول الأسرى الأنتفاض .. لكن الجنود والعمالقة يريدون إجبارهم على الركوع بالقوة .. ) 
الملكة:(بهستيريا تصفق بيديها وبأمر) إضربوهم بالسياط ؛ وكبلوا هذا الشيخ الخرف بالقيود ؛ وأسحبوا                 منهم أباريق الماء..إنهم غوغاء وإرهابيون ومكانهم سجوننا!                                                                           ( تنفذ أوامر الملكة التى تحمل على هودجها الى خارج خشبة المسرح )
   الفتيات: ( وهن ينقرن على الدفوف ويغنين ) طلع الفجر علينا   من ظلام النكبات.....الخ                                                         
  (  الشيخ لوحده مكبلا بالقيود بعد أن غادر الجميع خشبة المسرح و متقدماً من الجمهور وحيث تتصاعد                        الموسيقى الجنائزية ويفيض المسرح باللون الأصفر من جديد )                                
الشيخ: (بلوعة وحرقة) ياسادة ياكرام..كان يا ماكان ، في سالف العصر والأوان ..                                        كان لنا وطن..سرقوه في وضح النهار .. سرقوا حضارتنا ونفطنا وماءنا وزرعنا وعقولنا ودم                 شهدائنا ..(باكيا ) عزيز أنت ياوطن ..عزيز أنت ياوطن.. عزيز ..عزيز ..عزيز..( يبدأ صوته