وعلى ذلك فجمال المرأة المعشوقة إن هو إلا خرافة رجل من الناس وبكونها خرافة عادت لا حقيقة لجمالها وكأن الحب إن هو إلا زيادة شعاع في العين تنظر النفس به نظرا نظرا نافذا إلى موضع لذتها أو فكرها أو هواها ، فإذا خطف هذا الشعاع على من يضيء في وجهه بالحب ، نقل إليه النفس ببقيتها ووهمها جميعا فاختلط على تلك الصورة فهما هناك شيء واحد : الوهم هو اليقين واليقين هو الوهم ، فكل شيء من ذلك الجمال هو عقيدة ثابتة لا موضع فيها لجدل ولا مساغ لنقض ولا محل لرد ، وحينئذ لا يكون أكبر عمل المحبوب في سياسته وتدبيره إلا أن يلم أو يوفق بين عقله هو وبين جنون عاشقه ، وأن يحاول الملاءمة بين حياة الخيال الشارد في إرادة هذا الجنون وبين حياة الواقع الراهن فيه هو ، وبذلك فلن ترى حبيبا إلا هو من محبه بمنزلة الطبيب من مريضه يطب له أو يزيد في علته ، أو يهلكه . . .هذا حين ينبعث ذلك الشعاع فأما حين يخمد فمنذا الذي تراه مطيقا أن يصعد السماء إلى النجم الذي انطفأ ليضيئه كما كان يضيء ؟
والطفل يرى في أمه البداية والنهاية جميعا ، لأن طفولته ستار بينه وبين ما وراءها وكذلك العاشق يرى في حبيبته بداية ونهاية معا ، لأن حبه ستار بينه وبين ما عداه ويحصره بين أول وآخر في امرأة واحدة ، أفلا يكفي هذا دليلا على بلاهة العاشق وغرارته وأن الحب كالانتكاس إلى الطفولة في جهة واحدة من جهات النفس ؟
وترى الصغير إذا فارقته أمه نظر حوله ليستشف ما انفصل من آثارها المحبوبة على كل الأشياء التي يفيها حنين نفسه وكذلك يفعل المحب في كل ما مسته حبيبته ، حتى كل شيء عليه لمحة منها . . . حتى ليرى بعض الأشياء يكاد يبتسم له . . . وبعضها يكاد يرنو إليه وبعضها يكاد يتدلل ويصــــد .
خلقت المرأة لتلد الإنسان ، وهي تلد هذه الحقيقة في الإنسانية ولكن وجهها يلد في الإنسانية الضلالة .
قال الشيطان : أنا لون هذه المرأة الجميلة حين أكون منافقا . . . ولون هذه المرأة القبيحة إذ أكون صريحا . .
قلنا : فلعله لذلك لا تتجمل إلا الجميلة ليتم بها نفاق الشيطان . .