مسيرة حياة الإنسان / شعر عمودي
مسيرة حياة الإنسان
قلبي يَذوبُ منَ الأسى ويُعاني ..... ظُلْمَ الوُجودِ وقَسْوَةَ الأزْمانِ
في مِجْمَرِ الأقْدارِ في نيرانِها ..... يُشْوى ويُحْرَقُ في لظى الأحْزانِ
في عِتْمَةِ الأرْحامِ يَنحُبُ شاكياً ..... مُتَسائِلاً في تَوهَةِ الحَيرانِ
كيف الطَّليقُ الحُرُّ يَجْذُبُهُ الثَّرى ..... يُمْسي أسيراً في دُجى الأبْدانِ
فَيَحيكُ من ماءِ المَشيمَةِ بُرْدَةً ..... يَبْدو بها في هَيئةِ الإنسانِ
حتى إذا اكْتَمَلتْ عباءَةُ جسْمِهِ ..... يَرِدُ الحَياةَ بأجْمَلِ البُنْيانِ
فَيُلَفُّ بالأشْواقِ يُغْمَرُ بالمُنى ..... ويُحاطُ بالأفراحِ والتَّحْنانِ
لكنَّهُ الأسْرُ البَغيضُ وجَورُهُ ..... يَنْهالُ بالأوصابِ والأشْجانِ
فَيَذوقُ من طَعْمِ الصُّدودِ مَرارةً ..... ومنَ الشَّقا سَيْلاً منَ الألوانِ
ويَؤوهُ من هجْرِ الحَبيبِ وغَدْرِهِ ..... ويَئِنُّ مَكْلوماً منَ الحِرْمانِ
وعلى فِراشِ البؤْسِ يَرْقُدُ ساهِداً ..... مُتَقَرِّحَ الأحْداقِ والأجْفانِ
مُتَهالِكَ الأوصالِ مَنْهوكَ القِوى ..... شَبَحٌ يُغالِبُ شَهْوَةَ الأكْفانِ
مُرْمى على رَمْلِ الضَّياعِ مُهَدَّماً ..... تَغْتالُ روحَهُ زعْقَةُ الغُرْبانِ
وفَحيحُ ثُعْبانِ الفَناءِ يُريعُهُ ..... فَيُصابُ بالإغْماءِ والغَثَيانِ
ويَرى زَحافاتِ القُبورِ تَلوكُهُ ..... وتُحيلُهُ نُتَفاً منَ الإنْتانِ
فَيَصيرُ قوتاً للهَوامِ ويَنْتَهي ..... طيناً يُسَمِّدُ تُرْبَةَ البُسْتانِ
ألَمٌ يُمَزِّقُهُ ويَأْسٌ موجِعٌ ..... إعْصارُ رعْبٍ في شِتا الوجْدانِ
وعَويلُ وعْيٍ للفَناءِ ومُرِّهِ ..... هذا هوَ الإنْسانُ في الأكْوانِ ؟
أينَ الجَّمالُ يَميدُ فيهِ مُدَلَّهاً ؟..... أينَ التَّبَخْتُرُ في الغِوى الفتَّانِ ؟
أينَ الصِّبا المُخْتالُ يَرْفُلُ بالحُلى ..... ويَزينُ هامَهُ أجْمَلُ التِّيجانِ ؟
ويَميسُ مزْهُوَّاً بِقَصْرٍ شامِخٍ ..... ويَسيرُ مُنْتَفِخاً منَ السُّلْطانِ
ويَخالُ نَفْسَهُ في الوجودِ مُخَلَّداً ..... وإلى الأُلوهَةِ يَنْتَمي ويُداني
قُلْ لي بِرَبِّكَ يا أخي ما تَرْتَجي ..... منْ عالَمِ الزَّوَغانِ والبُهْتانِ
من عالَمٍ الكُلُّ فيهِ إلى الفَنا ..... يَمْضي ويَلْبَسُ بُرْدَةَ النِّسْيانِ
لكنَّ روحَكَ تَرْتَدي ثَوبَ البَقا ..... يَنْحو بها عن عالَمِ النُّقْصانِ
لتَسيرَ في دَرْبِ التَّدَرُّجِ بعْدَما ..... حَمَلَتْ منَ الدُّنْيا شَذى العِرْفانِ
وتَجَمَّرَتْ بلَهيبِها فتَطَهَّرَتْ ..... وصَفَتْ منَ الأضْغانِ والأدْرانِ
وتَكَبَّدَتْ غِلَّ الفَناءِ وكَيْدَهُ ..... لِتَخُفَّ مُبْحِرَةً إلى الأوْطانِ
فَتَجوزُ في نَفَقِ الظَّلامِ وعَبْرَهُ ..... مَحْمولَةً نَحْوَ الوجودِ الثَّاني
لِتَعودَ للأنْوارِ تَرْتَعُ حُرَّةً ..... وَطَليقَةً من كُلِّ قَيْدٍ فانِ
حكمت نايف خولي
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|