التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,825
عدد  مرات الظهور : 162,232,815

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > مـرافئ الأدب > قال الراوي > الـقصـة القصيرة وق.ق.ج.
إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 10 / 01 / 2011, 10 : 11 PM   رقم المشاركة : [1]
زهير الصليعي
كاتب نور أدبي
 





زهير الصليعي is on a distinguished road

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: تونس

رِحْلَةٌ إِلَى الشَّرْقِ الجَبَلِيِّ

رِحْلَةٌ إِلَى الشَّرْقِ الجَبَلِيِّ
رَآهَا ذَاتَ مَرَّةٍ صُدْفَةً ، وَهْيَ تَرِدُ إِلَى البِئْرِ مَعَ أُخْرَيَاتٍ . كَانَتْ صَبِيَّةً تَسْتَعِدُّ بِثَبَاتٍ لِطَيِّ سَنَتِهَا الرَّابِعَةِ بَعْدَ العَشْرِالأُوَلِ . تَمَيَّزَتْ عَنْ بَقِيَّةِ مَالِئَاتِ المَاءِ بِبَيَاضٍ صَافٍ وَ مَلاَمِحَ رَقِيقَةٍ مُتَنَاسِقَةٍ ، إتَّحَدَتْ وَ أَفَاضَتْ عَلَى العُيُونِ سِحْرًا طَغَى وَ أَسَرَ كُلَّ رَانٍ إِلَيْهِ . وَهَبَهَا الخَلاّقُ عَيْنَيْنِ تُمَارِيَانِ الغَزَالَ سَوَادًا وَاتِّسَاعًا ، وَتُنْـزِلاَنِ الوَيْلاَتَ بِمَنْ تَرْشُقَانِهِ . تَعَوَّدَتْ مُنْذُ مُدَّةٍ تَمَلِّي الجَمِيعِ فِيهَا ، فَلَمْ تَعُدْ تَأْبَهُ بِاعْوِجَاجِ الرِّقَابِ صَوْبَهَا ، وَلاَ بِاتِّسَاعِ البَآبِئِ النَّهِمَةِ ، المُلْتَهِمَةِ ...
إفْتَتَنَ بِهَا ، كَغَيْرِهِ ، أَيَّمَا فِتْنَةٍ . تَمَنَّى لَوْ طَالَت بِهِ لَحَظَاتُ الوِصَالِ النَّدِيَّةِ ، لَكِنَّ رِفَاقَهُ أَتَمُّوا تَثْبِيتَ خَشَبَةِ البِئْرِ ، وَتَنَادَوْا لِلْمُغَادَرَةِ . عَصَفَتْ بِهِ بِعُنْفٍ ، مَشَاعِرُ مُبْهَمَةٌ ، وَوَدَّ لَوْ يَسْأَلُ عَنْهَا مَنْ مَعَهُ . لَكِنَّ الخَوْضَ فِي هَذِهِ المَسَائِلِ قَدْ يُكَلِّفُهُ حَيَاتَهُ ، فَالأَعْرَافُ عِنْدَهُمْ تَسْمُو عَنْ تَنَاوُلِ المَوَاضِيعِ المُتَعَلِّقَةِ بِالشَّرَفِ . سَانَدَهُ الحَظُّ عِنْدَمَا حَيَّاهَا عَبْدُ الحَمِيدِ الذِي كَانَ مَعَهُمْ ، وَلاَمَهُ الجَمِيعُ ، بِغَيْرَةٍ مَخْفِيَّةٍ ، عَلَى ذَلِكَ . فَبَرَّرَ حَرَكَتَهُ بِتَهَكُّمٍ قَائِلاً : " أَنَا مَيِّتٌ ، سَوَاءً مِنَ الكَلاَمِ مَعَهَا ، أَوْ مِنْ حُبِّي لَهَا " . وَ ضَحِكَ غَيْرَ مُدْرِكٍ أَنَّ فِي الجَمْعِ عَيْنًا اِحْمَرَّتْ غَضَبًا ، وَأَنَّهَا المَرَّةُ الأَخِيرَةُ التِي يَكُونُ فِيهَا مَعَ أَصْحَابِهِ ... فَفِي مَسَاءِ ذَاتِ اليَوْمِ ، قَدِمَتْ لأَبِيهِ الغَافِلِ مَجْمُوعَةُ رِجَالٍ وَطَالَبُوهُ بِالرَّحِيلِ فَجْرًا ، وَإِلاّ فَلَنْ يَضْمَنَ أَحَدٌ حَيَاةَ إِبْنِهِ المُسْتَهْتِرِ . كَانَ الأَبُ عَجُوزًا نَفَقَ السَّوَادُ فِي رَأْسِهِ وَأَضْنَتْهُ السِّنُونُ المُتَتَابِعَةُ ، لَيْسَ لَهُ مِنْ خَلِيفَةٍ إِلاّ وَلَدٌ طَائِشٌ أَطَاحَ بِهَيْبَتِهِ وَجَنَى عَلَى كِبَرِهِ غَيْرَ عَابِئٍ . خَضَعَ لِلأَمْرِ المَحْتُومِ ، وَلَمْ تُشْرِقْ الشَّمْسُ إِلاَّ وَهْوَ يَتَّكِئُ عَلَى عَصَاهُ خَلْفَ المَرْحُولِ المُتَبَاعِدِ عَنِ الدُّوَّارِ ، يُغَالِبُ دَمْعًا يُلِحُّ عَلَى فِرَاقِ عَيْنَيْهِ كَمَا فَارَقَ صَاحِبُهُ أَهْلَهُ وَذَوِيهِ بِلاَ إِرَادَةٍ مِنْهُ . وَمِنْ يَوْمِهَا لَمْ يُعْرَفْ مُسْتَقَرُّهُ ، وَلاَ مَا حَدَثَ لِلْغِرِّ الغَبِيّ ِ.
شَاعَ الخَبَرُ مُمَزِّقًا الآذَانَ ، لَكِنَّهُ شَفَى غَلِيلَ العَاشِقِ وَنَزَلَ عَلَى نَفْسِهِ نُزُولَ النَّدَى عَلَى شِفَاهِ النَّرْجِسِ ، فَقَدْ عَرَفَ نِسْبَةَ مَحْبُوبَتِهِ ، وَ أَحَسَّ أَنَّ الفَتَاةَ لَنْ تَكُونَ لِغَيْرِهِ . عَادَ عَدِيدَ المَرَّاتِ لِلْبِئْرِ ، عَلَّهُ يُصَادِفُهَا ، إِلاّ أَنَّهُ كَانَ فِي كُلِّ عَوْدَةٍ يَكْرَعُ مِنْ كَأْسِ الشَّوْقِ بِلاَ آرْتِوَاءٍ . فَكَّرَ فِي مُفَاتَحَةِ أُمِّهِ عَنْ آمَالِ خِطْبَتِهِ ، لَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ سَرِيعًا ، فَهْوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ تَحْدِيدِ هَوِيَّةِ فَتَاتِهِ ، وَ وَالِدَتُهُ مُجَرَّدُ حَامِلٍ الرِّسَالَةَ لأَبِيهِ ، وَلِلأَخِيرِ القَرَارُ الصَّائِبُ ، فَإِمَّا الرَّفْضُ وَ إِلاَّ خِطْبَةُ إِبْنَةِ أََخِيهِ الدَّمِيمَةِ ، حَسْبَمَا جَرَتْ عَلَيْهِ الأُصُولُ : الإِقْتِرَانُ بِبِنْتِ العَمِّ لِلْحِفَاظِ عَلَى نَقَاءِ الدَّمِ وَالسُّلاَلَةِ .
مَرَّتْ عَلَى ضَحِيَّةِ التَّقَالِيدِ لَيَالٍ كَبَّلَهُ فِيهَا جَلِيدُ العَجْزِ ، وَ أَحْرَقَهُ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ مِنْهَا بُرْكَانُ العِشْقِ . فَآنْبَرَى سَابِحًا فِي مَلَكُوتِ السُّهُومِ وَالجَرْيِ خَلْفَ سَرَابٍ آخِذٍ كُلَّ يَوْمٍ فِي التَّنَائِي . لاَحَظَ الأَهْلُ زَهْرَتَهُمْ تَذْوِي تَدْرِيجِيًّا فِي أَوْجِ الرَّبِيعِ ، وَلَمْ تَلْقَ أَسْئِلَتُهُمْ غَيْرَ الصَّمْتِ المَرِيرِ ...
صَادَفَ أَنْ اهْتَدَى أَبُوهُ إِلَى دَفْعِهِ لِلرَّحِيلِ مَعَ القَافِلَةِ ، عَلَّهُ يَنْجُو مِنْ أَسْرِ نَفْسِهِ . وَكَانَ الشَّرْقُ الجَبَلِيُّ وِجْهَةَ المَجْمُوعَةِ فِي نِطَاقِ مُقَايَضَةِ مَا أَنْتَجَتْهُ الأَيْدِي وَ الأَرْضُ وَ المَاشِيَةُ بِمَا يُقَابِلُهُ لَدَى البَرْبَرِ مِنْ زَيْتُونٍ وَحُبُوبٍ . طَالَتِ الطَّرِيقُ وَ شَقَّتْ عَلَى الرَّاكِبِ وَ المَرْكُوبِ . إِسْتَمْتَعَتْ فِيهَا السَّمُومُ وَ تَفَنَّنَتْ فِي لَفْحِ الوُجُوهِ وَ الأَيْدِي وَ السِّيقَانِ . وَلَمْ تَفِلَّ فِي المَرِيضِ بِحُكْمِ اغْتِبَاطِهِ بِأَوَّلِ رِحْلَةٍ لَهُ ، وَ لأَنَّ تَرْكِيزَهُ آنْحَصَرَ فِي الإِنْصِهَارِ ضِمْنَ الخَيَالِ مَعَ عَاصِفَةِ قَلْبِهِ ...
وَصَلَ الرَّكْبُ بَعْدَ ظُهْرِ رَابِعِ يَوْمٍ إِلَى الجَبَلِ ، وَتَفَرَّقَ المُسَافِرُونَ فِي مَسَارِبِهِ ، كُلٌّ حَسَبَ مَعَارِفِهِ وَاحْتِيَاجَاتِهِ. فَلَزِمَ الفَتَى شَيْخَ الدُّوَّارِ ، وَسَاعَدَهُ فِي تَوْجِيهِ الخِرَافِ وَ تَجْمِيعِهَا كُلَّمَا شَرَدَتْ . كَانَ عَلَيْهِمَا الوُصُولُ لِمَقْصَدِهِمَا قَبْلَ هُبُوطِ الظَّلاَمِ ، لَكِنَّ المَسْلَكَ الوَعِرَ تَحَالَفَ مَعَ الرِّيحِ الشَّامِتَةِ وَ كَبَّلاَ حَرَكَاتِهِمَا حَتَّى هُجُومِ المَارِدِ الأَسْوَدِ . وَكَانَ لِزَامًا عَلَى العَجُوزِ حَطُّ الرِّحَالِ ، فَحَثَّ صَاحِبَهُ عَلَى دَفْعِ لاَبِسَاتِ الصُّوفِ إِلَى غَارٍ لَيْسَ عَنْهُمْ بَعِيدًا . وَ عِنْدَمَا بَدَأَ اللَّيْلُ فِي ابْتِلاَعِ الفَضَاءِ الرَّحْبِ ، كَانَ الإِثْنَانِ يَدْفَعَانِ لِلْكِلاَبِ مَا تَيَسَّرَ مِنَ التَّمْرِ وَالحَلِيبِ أَمَامَ الحُفْرَةِ الجَبَلِيَّةِ ، وَالثُّغَاءُ المُطْمَئِنُّ فِي جَوْفِهَا يُبَدِّدُ سُكُونَ المَدَى ... بَعْدَ عَشَاءٍ جَافٍّ خَفِيفٍ عَلَى الضَّوْءِ الخَافِتِ المُنْبَعِثِ مِنَ الفَتِيلِ الصَّغِيرِ ، انْزَوَى كُلٌّ مِنَ الرَّفِيقَيْنِ فِي رُكْنٍ بَاحِثًا عَنْ أَحْضَانِ الرَّاحَةِ . وَسَرِيعًا ، تَلاَعَبَتْ بِالشَّيْخِ أَمْوَاجٌ عَاتِيَةٌ مِنَ الشَّخِيرِ . أَمَّا الآخَرُ ، فَرَاحَ يَعْتَصِرُ ذَاكِرَةً كَلَّتْ مِنْ اسْتِحْضَارِ الوَجْهِ المُشْرِقِ ، وَلَمْ تَجُدْ عَلَيْهِ بِغَيْرِ العَيْنَيْنِ الغَادِرَتَيْنِ ، فَاكْتَفَى قَانِعًا .
حَانَ مِنْهُ تَمَلْمُلٌ خَفِيفٌ ، أَحَسَّ عَلَى إِثْرِهِ بِوَخَزَاتٍ فِي زِنْدِهِ ، خَالَهَا عُودًا عَالِقًا بِكُمِّ قَمِيصِهِ ، لَكِنَّ الإِحْسَاسَ الخَفِيفَ تَحَوَّلَ سَرِيعًا إِلَى حُرْقَةٍ مُتَصَاعِدَةٍ وَخَدَرٍ مُوجِعٍ فِي الأَنَامِلِ . كَشَفَ رِدَاءَهُ لِيَصْعَقَهُ مَرْأَى ذِرَاعِهِ مُصْطَبِغًا بِزُرْقَةٍ وَانْتِفَاخٍ ، مَعَ نُقْطَتَيْنِ صَغِيرَتَيْنِ مِنَ الدَّمِ الأَسْوَدِ . سَرَتْ فِيهِ رِعْدَةٌ شَدِيدَةٌ ، لِعِلْمِهِ أَنَّهَا عَلاَمَاتُ لَدْغَةِ الزَّوَاحِفِ . سَارَعَ بِتَقْرِيبِ الفَتِيلِ مِنْ مَرْقَدِهِ مُرْتَجِفًا ، فَأَلْفَى شَقًّا خَفِيًّا تَرَاءَتْ مِنْ خِلاَلِهِ رَأْسٌ عَرِيضَةٌ ، شَدِيدَةُ السَّوَادِ ، يَنْبَعِثُ مِنْهَا لِسَانٌ طَوِيلٌ فِي حَرَكَةِ كَرٍّ وَ فَرٍّ مُتَوَاصِلَةٍ . زَادَ إِرْتِبَاكُهُ ، إِلاَّ أَنَّهُ عَجَّلَ بِتَنَاوُلِ عَصَاهُ وَحَشَرَهَا بَيْنَ مُهَاجِمِهِ وَالشَّقِّ الذِي يَحْمِيهِ . تَعَالَى الفَحِيحُ مُنْذِرًا ، وَسَعَى الجِسْمُ الأَسْوَدُ للتَّمَلُّصِ مِنَ الحِصَارِ فِي الْتِوَاءَاتٍ جُنُونِيَّةٍ . إِسْتَمَاتَ المُصَابُ فِي تَكْبِيلِهِ لِلْعَدُوِّ ، وَاسْتَنْفَرَ بِفَزَعٍ المُبْحِرَ فِي يَمِّ الأَحْلاَمِ . فَنَهَضَ الأَخِيُر مُتَثَاقِلاً ثُمَّ انْتَصَبَ وَاقِفًا لَمَّا أَدْرَكَتْ عَيْنَاهُ النَّاعِسَتَانِ حَقِيقَةَ المَأْزِقِ . تَنَاوَلَ بِدَوْرِهِ عَصَاهُ ، وَ ثَبَّتَهَا بِدِقَّةٍ عَلَى أُمِّ الزَّاحِفِ ، ثُمَّ رَصَّهَا بِكُلِّ مَا لَهُ مِنْ قُوَّةٍ وَغِلٍّ ، حَتَّى شُلَّتْ حَرَكَةُ السَّامِّ . حَمِدَ العَجُوزُ رَبَّهُ عَلَى النَّصْرِ ، وَ تَسَاءَلَ مُتَمْتِمًا عَنْ سَبَبِ خُرُوجِ الثُّعْبَانِ فِي هَذَا الوَقْتِ البَارِدِ مِنَ السَّنَةِ . وَالتَفَتَ بِإِعْيَاءٍ لِشَرِيكِهِ لِيُلْفِيهِ مَغْشِيًّا عَلَيْهِ ، ظَنَّ الظَّافِرُ ، وَهْوَ يَرُشُّ المَاءَ عَلَى وَجْهِهِ مُبْتَسِمًا ، أَنَّهُ مَصْدُومٌ مِمَّا حَدَثَ . غَيْرَ أَنَّ الشَّابَّ أَفَاقَ وَ أَمَاطَ الثَّوْبَ عَنْ مَكَانِ إِصَابَتِهِ ، فَبَادَرَ الشَّيْخُ إِلَى سِكِّينِهِ يَشْحَذُهَا فِي ارْتِعَاشٍ وَقَلَقٍ ، وَأَحْدَثَ جُرُوحًا صَغِيرَةً فِي مُنْغَرَزِ النَّابَيْنِ . أَخَذَ يَمُصُّهَا بِعُنْفٍ وَيَبْصُقُ مَا تَجَمَّعَ فِي فِيهِ مِنْ دَمٍ وَسُمٍّ .
ثُمَّ تَنَاوَلَ أَعْشَابًا جَبَلِيَّةً مُقَاوِمَةً لِلسُّمُومِ ، فَجَعَلَ مِنْهَا عَجِينًا رَخْوًا ، بَسَطَ أَغْلَبَهُ عَلَى اللَّدْغَةِ ، وَرَبَطَهَا بِإِحْكَامٍ بِخِرْقَةٍ ، وَ طَلَبَ مِنَ الفَتَى مَضْغَ البَاقِي عَلَى مَهَلٍ مَعَ الحِرْصِ عَلَى البَقَاءِ مُسْتَيْقِظًا حَتَّى لاَ يَطَالَ الأَذَى نَاظِرَيْهِ . طَالَ الوَقْتُ وَ المُسْعِفُ يَسْعَى بِيَأْسٍ لإِلْهَاءِ طِفْلِهِ ، حَتَّى لاَحَظَ فِي جَزَعٍ أَنَّ المِسْكِينَ قَدْ اسْتَسْلَمَ لِسُلْطَانِ المَوْتِ المُؤَقَّتِ . فَطَفِقَ يُرَتِّلُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الذِّكْرِ ، طَالِبًا مِنْ مَوْلاَهُ الرَّحْمَةَ وَحُسْنَ المَآلِ . وَكَانَ بَيْنَ الفَيْنَةِ وَ الأُخْرَى يَتَحَسَّسُ الجِسْمَ المُنْكَمِشَ الذِي نَزَّ العَرَقَ الغَزِيرَ ، وَارْتَعَدَ تَحْتَ بَرَاثِنَ الحُمَّى وَ الأَلَمِ .. وَلَمْ يَطُلِ الأَمْرُ ، حَتَّى أَمْسَكَتْ الهَلْوَسَةُ بِزِمَامِ مَا تَبَقَّى مِنْهُ ، فَأَظْهَرَ لِسَانُهُ المَعْقُودُ مُا عَصَفَ بِحَيَاتِهِ ، وَكَشَفَ المَسْتُورَ المُحَرَّمَ دُونَ وَعْيٍ أَوْ إِدْرَاكٍ . زَمَّ الشَّيْخُ شَفَتَيْهِ فِي عَصَبِيَّةٍ ، فَالمُتَحَدَّثُ عَنْهَا كَانَتْ بِنْتَ أُخْتِهِ ، وَالوَلَدُ يَخْنُقُ خَافِقًا مُمَزَّقًا ، لَنْ يُشْفَى إِلاَّ بِالوِصَالِ ...
وَلَّتْ اللَّيْلَةُ بِمُعَانَاتِهَا وَ آلاَمِهَا ، وَ نَجَا الفَتَى مِنَ الكَارِثَةِ . لَكِنَّهُ عَجَزَ عَنْ غَيْرِ التَّمَدُّدِ وَلِسَانُهُ ثَقِيلٌ مِنْ كَثْرَةِ الوِشَايَةِ بِمَكْنُونِ الذَّاتِ المُعَذَّبَةِ . بَادَرَ العَجُوزُ لِسَوْقِ دَوَابِّهِ أَمَامَهُ بَعْدَمَا إِطْمَأَنَّ عَلَى اسْتِقْرَارِ حَالَةَ النَّاجِي ، وَلَمْ يُلَمِّحْ إِلىَ مَا بَلَغَ أُذُنَيْهِ مِنْ إِعْتِرَافَاتٍ قَاتِلَةٍ ، وَتَوَارَى خَلْفَ الجَبَلِ طَالِبًا شَارٍ لِمَا يَعْرِضُ وَلَوْ بِالخَسَارَةَ .
عَادَ بَعْدَ سُوَيْعَاتٍ لاَهِثًا وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُ الكِلاَبِ ، فَنَادَى رَفِيقَهُ لَكِنَّهُ لَمْ يُلَبِّ النِّدَاءَ ، فَاقْتَرَبَ مِنْهُ وَهَزَّهُ بِلَهْفَةٍ ... وَرَجَاءٍ ...

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
زهير الصليعي غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 10 / 01 / 2011, 32 : 11 PM   رقم المشاركة : [2]
نصيرة تختوخ
أديبة ومترجمة / مدرسة رياضيات

 الصورة الرمزية نصيرة تختوخ
 





نصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond reputeنصيرة تختوخ has a reputation beyond repute

رد: رِحْلَةٌ إِلَى الشَّرْقِ الجَبَلِيِّ

[align=center][table1="width:95%;"][cell="filter:;"][align=center]سرد محكم ،ممتع ومشوق أخ زهير يحسسنا أنها بداية لسلسلة أو رواية و ليست مجردة قصة قصيرة و كذلك هي النهاية المفتوحة.
لاأعرف إن كانت بنيتك أن تضيف للقصة تتمة أو حلقات أخرى لكنني أخالك قادرا على ذلك .
لك تقديري و تحيتي[/align]
[/cell][/table1][/align]
نصيرة تختوخ غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
إِلَى, الجَبَلِيِّ, الشَّرْقِ, رِحْلَةٌ


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
إِلَى كُلِّ النِّساءِ عصام كمال الشعر العمودي 4 17 / 01 / 2018 51 : 01 AM
(((بَثٌّ إِلَى الْفَتَى الْأَزْدِيّ))) عادل سلطاني الشعر العمودي 8 09 / 08 / 2012 39 : 09 PM
((( إِلَى الْعَذْرَاء ))) عادل سلطاني الشعر العمودي 6 19 / 07 / 2012 27 : 09 PM
(((إِلَى حَيْثُ حُزْنِي))) عادل سلطاني الشعر العمودي 8 23 / 05 / 2012 08 : 09 PM
((( إِلَى الْغَالِيَه ))) .. / للصنو حسن في ذكرى رحيل أمه عادل سلطاني شعر التفعيلة 6 06 / 12 / 2011 30 : 03 PM


الساعة الآن 03 : 05 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|