الشعر هو الأبقى
[align=justify]
تعرف يا شحرور أنني سأبقى مع الشعر وللشعر، مهما كانت دورة الأيام في تغيرها وتحولها. فالشعر يا صاحبي كان أغنيتي وحلمي وأمنيتي منذ سنوات الطفولة، يومها يا ابن الحلال، كنتُ أترك كل شيء، وأسرح مع بيت شعر أو قصيدة. وفي ذلك الزمن البعيد، كان الأصدقاء الصغار يعجبون لهذا الطفل الذي يستطيع بيت شعر أن يبعده حتى عن أجمل الألعاب. وربما كان يظن الواحد منهم أن بي من المس ما بي، إذ كيف أعطي أذني الصغيرة لوزن قصيدة تقال هنا وهناك؟؟!!..
وعندما كبر الطفل يا شحرور، وصار ولداً في سن المراهقة، أصبح الشعر روحه وريحانه، ذلك أن الآخرين، ومنهم الجميلات كما تعلم، أصبحوا يهتمون به كشاعر أو كإنسان يجيد اللعب بالكلمات، يصفها بشكل جميل، ويرتبها بنظام أخاذ.. يشبه ذلك يا شحرور صورة الواحد منا وهو يلهو عند شاطئ البحر، فتكون الرمال قلاعاً وسفناً وأشخاصاً.. هكذا كان الولد الذي كنته، كانت الكلمات رمال الشاطئ عندي، أشكل منها الكثير من الصور والأحلام والجسور والصور. وكنت أشعر بغرور الصبي المراهق كلما لاحظت اهتمام الآخرين.. وتعلم يا شحرور أن كلمة شاعر مغرية.. ولك أن تنظر الآن في أكثر ما ينشر الشباب، تجد أنه الشعر، لأنه الأقرب إلى الذات من جهة، ولأن كلمة شاعر مازالت جميلة ذات واقع رائع من جهة ثانية. وطبيعي أن يتحول كثيرون بعد حين إلى أشياء أخرى، لأن من يريد البقاء في هذا البحر الجميل، عليه أن يملك الكثير من الموهبة، والكثير من الحب، والكثير من الصبر. والأهم أن يكون الشعر عنده في قادم الأيام غاية لا وسيلة..
وتعلم يا شحرور أن السنوات تمر، ومع مرورها عرفت الكثير، ووقفت عند الكثير، وآمنت أن هناك شعراء يطلعون من ماء البحر سمكاً صغيراً، ولا يستطيعون مع الأيام إلا أن يكونوا كذلك.. وهؤلاء يتفرغون في أكثر الأحيان لشتم سواهم من الشعراء، أو لشتم الشعر، ذلك أن شعورهم بالنقص يلازمهم، لكنهم لا يريدون الاعتراف بذلك، فيأخذون في نعي الشعر، ورمي الآخرين بالحجارة والشتائم واللعنات.. وفي كثير من الأحيان، يأخذون في شتم الزمن الذي لا يقدر مواهبهم.. هؤلاء يا شحرور يموتون وهم أصغر من أن يشعر بقدومهم أو ذهابهم أحد..
أما الشعراء الحقيقيون يا ابن الغنادير، فهم قلة، لكنهم في كل الأحوال، يضعونك أمام حالة اعتراف بإبداعهم، لأن الإبداع المتميز لا يحتاج إلى صراخ ومنابر وإعلانات، إنه الإبداع الذي يأتيك ببساطة ليقول لك ها أنذا أثبت وجودي بما أملك من موهبة. ومهما حاولت أن تدير الظهر، أو تغمض العين، فستجد في النهاية أن الشعر شعر، وأن الإبداع إبداع، ولا مكان للفرار أو إدارة الظهر، لأن الموهبة أكبر من أن تمر هكذا مروراً عابراً لا يترك أثراً.. لذلك قلت يا شحرور: الشعر هو الأبقى.. ولم أقل ذلك لأنني مسكون بالشعر فقط، بل لأن الزمن يثبت في دورته، ورغم كل الصراخ الذي يجتاح أعصابنا، والصراعات التي تريد أن تصحّر أعمارنا، أن الشعر أبقى.. لكن يا شحرور أعترف لك، أن ذلك يعني مسؤولية، وأي مسؤولية..!!..؟؟..
الحقيقة يا شحرور أنّ الناس الذين يحبون شعرك مع الأيام يضعونك أمام مسؤولية وأي مسؤولية، إذ عليك أن تحترم هذا الحب وأن تسعى باستمرار إلى جعل قصيدتك أفضل من ذي قبل. وكلما أخذت المزيد من حب الناس، وهذا ليس سراً، ستجد من صغار النفوس من يريد أن يلوك اسمك وسيرتك في كل وقت.. هؤلاء يا شحرور لا يعرفون الإبداع، ويؤرقهم أن تكون مبدعاً، وأن يحبك الآخرون، فيأخذون في اختراع أي شيء يقلل من قيمة إبداعك، ويزداد غيظهم لأن كل محاولاتهم تزيد في حب الناس لك، وتعطيك المزيد من القيمة..
المهم يا شحرور، يا ابن الحلال، أنَّ الزمن، ومهما قلنا أو فعلنا، يبقى إلى جانب الدفء والمشاعر الجميلة.. يبقى إلى جانب الصدق والإخلاص والحب والوردة التي تريد دائماً أن تعطي. وتلك صفات الشاعر الحقيقي.. وصدقني يا شحرور إذا وجدت من يقول لك إنه شاعر، ثم لا تجد عنده الكم الكبير من الحب والدفء والصدق والمشاعر الجميلة، فلا تصدق، لأن الشاعر شاعر حقيقي بكل هذه الأشياء، أما بغيرها، فهو ظل شاعر، وظل الشاعر لن يكون في يوم من الأيام صاحب كلمة دافئة..
أتدري يا شحرور أحياناً يسرني المديح ويطربني، وأكاد أطير من الفرح، لأن الطفل في داخلي يحب المديح. لكنني بعد حين أشعر برعب وخوف من هذا المديح، لأنني أعرف أنه يعني أن علي أن أتجاوز ما وصلت إليه في الشعر، أو أن علي في حالة ما أن أحافظ على المستوى الذي وصلت إليه.. لكن هل يرضى الشاعر الحقيقي بالمحافظة على ما وصل إليه دون تجاوزه.. لا أظن يا شحرور.. فما أصعب المسؤولية.. وما أحلاها..
[/align]
نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
|