دكتوراه آداب/دكتوراه طب/صحفي وفنان تشكيلي/مؤلف وكاتب ومحلل سياسي
حماريات البدوي(4) الحمار وغايات الناس!!
الحمار وغايات الناس!!
كان ابن جحا يخشى دائما كلام الناس، ولا يريد أن يفعل شيئاً لا يعجبهم، وأراد أبوه أن يقنعه بأن رضاء الناس شئ مستحيل، فأحضر حماره وركب فوقه، وطلب من ابنه أن يسير وراءه ومرا في طريقهما على مجموعة من النساء، ونظرن إليه في غضب شديد وصرخن في وجهه، وقالت له واحدة: "أيها الرجل، أليس في قلبك رحمة، تركب الحمار وتترك ابنك الضعيف يسير على قدميه؟"
نزل جحا من على الحمار، وأركب ابنه فوقه، ومشى هو وراءه، وما أن سار قليلاً حتى قابلة مجموعة من الشيوخ، فنظروا إليه يضربون كفا بكل ويقـولون: " هل رأيتم عقوق الأبناء . . لهذا يفسد الأبناء . . كيف أيها الشيخ تمشى وأنت في هذه السن، وتترك ابنك يستريح فوق الحمار؟ . هل تنتظر منه بعد ذلك أن يتعلم الأدب والحياء؟"
نظر جحا إلى ابنه وقال: هل سمعت؟ هيا نركب الحمار معاً وسار الموكب، الحمار وفوقه جحا وابنه، فمروا على جماعة من أصدقاء جحا . . فصرخوا فيهما: " ألا تخافان الله . . كيف تركبان أنتما الاثنان هذا الحمار الهزيل؟ . . ألا تعرفان أن كلاً منكما به من الحم والشحم ما يزيد على وزن الحمار؟"
قال جحا لابنه: هيا ننزل من على الحمار ونسير على أقدامنا ويسير الحمار أمامنا، فلا تغض منا الناس، ولا الشيوخ ولا الأصدقاء.
وفى هذه اللحظة رآهم بعض الأولاد ضاحكين: الواجب أن يحمل الرجل وابنه الحمار.
فتحول جحا إلى شجرة ونزع منها غصناً قوياً متيناً وربط فيه الحمار، ووضع طرف الغصن على كتفيه والطرف الآخر على كتف ابنه، وسارا يحملان الحمار.
. ورآهم الناس، فاخذوا يجرون وراءهم مهللين ضاحكين، حتى اجتمعت حولهم البلدة كلها، وأخيراً وصلت الشرطة وفضت الزحام، وأخذت جحا وابنه إلى مستشفى الأمراض العقلية . . وهنا نظر جحا إلى ابنه وقال: هل رأيت يا بني هذه آخر عاقبة من يحاول إرضاء كل الناس.
هكذا شأن الناس، لذا علينا أن نعمل ما يرضي الله عنا، وما هو ليس بشاذ عن عاداتنا وتقاليدنا، ولا نسأل إرضاء الناس عنا.
ولنجعل أعمالنا خالصة لوجه الله تعالى، حينئذ قد يرضى عنا بعض الناس وليس كلهم.