بسم الله الرحمن الرحيم
تغيير أنظمة أم تغيير في الأنظمة ؟
عبدالوهاب محمد الجبوري
على مدى عقود طويلة عانت الأمة العربية الكثير نتيجة سياسات الهيمنة الاستعمارية والامبريالية والصهيونية فضلا عن طبيعة الأنظمة القمعية والديكتاتورية وتلك المرتبطة بشكل أو آخر بالمخابرات الأمريكية والمؤتمرة بالسياسة الأمريكية والصهيونية وقوى خارجية معادية للعرب والمسلمين ..
كنا ولا زلنا نتطلع إلى التغيير للأفضل ، فكرا ومنهج حكم وسياسات مستقلة ، وبهذا المفهوم نحن مع الثورة التي من شأنها تصحيح الأوضاع المتردية في الوطن العربي وتصويب المسارات السياسية والاجتماعية والثقافية في الأقطار العربية، شرط أن تتوافر في هذه الثورة عناصر التحضر والسلمية والإيجابية وتوجيه المعاول نحو البناء لا الهدم والابتعاد عن الفوضوية والارتجال وعدم تتبع المغرضين الذين لا يخلو ميدان ثوري منهم والاقتراب من الوعي الثوري الخلاّق والتمثل بأخلاقيات الثائر الحريص على وحدة بلده ورفعته ، فالوطن وطنه هو، وحضنه وملعب طفولته ومستقر أحلامه وطموحاته ، وان التغيير المنشود والطموح يجب أن يتم من الداخل وليس بالاســـتعانة بالأجنبي تحت أي ذريعة أو حجة ..
بهذا المفهوم للتغيير فان المطلوب هو تغيير الأنظمة وليس تغيير في الأنظمة..
لذلك نجد أن مثل هذه الثورة قد أرعبت أمريكا وإسرائيل ، لأن هدفها هدم كل القواعد التي بنتها أمريكا والصهيونية خلال عشرات السنين وقد تؤدي إلى إقامة توازنات جديدة في المنطقة لصالح الجماهير العربية وقضاياهم المركزية وفي مقدمتها قضية فلسطين .. لذلك سارعت أمريكا – وبدعم إسرائيلي وأوربي - إلى التدخل في مسار الأحداث الجارية في بعض الأقطار العربية والتسلل للثورة ومحاولة دعمها والإيحاء بأنها مع الجماهير العربية وأنها بدأت مرحلة جديدة في علاقتها مع العرب قوامها تفهم أمريكي لثورة الجماهير وتأييدها لإجراء إصلاحات سياسية واقتصادية في هذه البلدان وهي الرسالة التي تريد أمريكا إيصالها للعرب والعالم بان مطالب الجماهير العربية هي تامين الخدمات والتخلص من الفساد وإجراء إصلاحات لتحويل الانتباه عن المعضلة الأساسية الخطيرة وهي أن هذه الأنظمة هي صناعة أمريكية أو صهيونية وسياساتها موالية للسياسة الأمريكية ومعادية لمصالح شعوبها ومنحازة للكيان الإسرائيلي ، لذلك يتوقع أن تسعى أمريكا لجعل التغيير في الأنظمة وليس تغيير الأنظمة .. الحالة الأولى تخدمها تكتيكيا واستراتيجيا ولهذا ستعمل على تغيير وجوه بوجوه ، لكن الحالة الثانية ستشكل خطرا على سياساتها ومنهجها وتهدد بتغيير موازين الصراع لصالح العرب على المديين المنظور والاستراتيجي ..
المؤشرات التي بدأت تظهر على السطح منذ انتفاضة الجماهير في تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين لم تؤكد حتى الآن حصول التغيير في الأنظمة ، وان تغيير بن علي ومبارك لا يعني تغيير الأنظمة ومنهجها وسياستها التي كانت محكومة أو متأثرة بقوى خارجية ، وهي السياسة التي عكست إفرازات مأساوية على الأوضاع العربية بكل الاعتبارات ..
أنا لست متشائما بل متفائل وهي كلمة حق يجب أن تقال على ضوء الأحداث الجارية حاليا وتطوراتها في المنطقة وخاصة في مصر التي سمعنا أن عمرو موسى والبرادعي سيترشحان للرئاسة ، وإذا ما حصل هذا فان الذي يكون قد حصل في مصر فعلا هو تغيير في الأنظمة وليس تغيير النظام طالما بقيت قواعد السياسة المصرية السابقة قيد التنفيذ وهي استمرار اتفاقية كامب ديفيد والاعتراف المتبادل مع إسرائيل وإقامة العلاقات معها ..
تنويه / بعد كتابتي للمقال حصلت المصالحة الفلسطينية باشراف مصري وفي هذا يتعزز تفاؤلنا بتغييرٍ ، نامل ان يكون كبيرا في السياسة المصرية خاصة الموقف من القضية الفلسطينية ..