أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
على شفا رحيل
على شفا رحيل
كأنّي بي أمضي نحو الرحيل ثانية، أراقص عقارب الساعة علّها تسمع دعواتي، علّها تسرع ببطء أو تقفز إلى الخلف.
كأنّي بي أسافر نحو العدم، فإذا بالشرق يفتح ذراعيه، يأخذني بحضنه، يشدّني نحو الهاوية لينقذني من عبثية الترحال.
كأنّي بي أعود إلى مسقط رأسي فإذا بآخرين قد احتلوا ما تبقّى من تفاصيل حياتي وعلاماتي الفارقة. نسيت مفتاح بيتي عند أوّل السلم، لم أفاجا حين أخبروني بأنّ درجات السلّم تفوق الألف، فهل أملك اليوم القدرة على الهبوط والصعود ثانية قبل انقطاع الوصل؟
كأنّي بي قد سقطت سهوًا في بئر بلا قاع، لم أجد مستقرًا في عمقه. سقطت في الهاوية حتّى بلغت شفا قبر تعثرت به، سألت عن صاحبه؟ قالوا سئم انتظار الموت فذهب يبحث عن رصاصة أو حبل مشنقة، لكنّه عاد صفر اليدين. قال بأنّه شهد الكثير من المجازر والمحارق الجماعية، واستعصى عليه الموت ليشهد نهايات القهر ثمّ استلقى في الحفرة يبكي. أشفقه ملاكُ الموت، قبّل جبينه وأغمض عينيه وانتزع امانة الرحمن ومضى بعيدًا في السموات. لم يبقَ في البئر سوى ذكرى مياه عذبة، جفّت قبل عقد من الزمان. توقّفت حسناوات الحيّ عن الاستحمام في مياهها، توقّفت قوافل العشق عن المرور في مضاربنا، غيّرت وجهتها نحو الشمال، لا ماء في الجنوب صاح قائد القافلة ناظرًا إلى الغيوم المتلبدة في الأفق، شرب حتى الثمالة فأضاع طريق العودة نحو الجنوب. نسي سمرة وجهه وارتدى سترة صوفية ثمّ رمى البدويّ عباءته المطرّزة بخيوط الذهب ليس بعيدًا عن مضاربنا. بكى قائد القافلة حين سمع من بعيد صوت العتابا لكن الوقت قد فات ولا عودة إلى الجنوب، فالطرق مزروعة بأسئلة وجودية تتعذّر الإجابات عنها – كأنّي بي.
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: على شفا رحيل
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فاطمة البشر
وكأني بي أرى واقعنا بتفاصيله في كلماتك ،
لا مفر ولا ملجأ !
بوح جميل واقعي لامس ما نشعر به ...
دمت متألقاً أ. خيري حمدان
ودي ووردي
الأديبة العزيزة فاطمة البشر
هاجس الهجرة هذا ذو أبعاد عميقة لا يمكن سبر أغوارها بسهولة ويسر، لكنّه قدرنا ونقبل به ولا نملك عنه بديلا.
أشكر حضورك الراقي وقراءتك الأدبية وتقييمك الراقي.
خالص المودة.
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: على شفا رحيل
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رشيد الميموني
الغالي خيري ..
تلامس الواقع بريشة الأديب الفنان .. فيأتي بوحك عذبا رغم ما يحويه من مرارة .
أهرع كلما بدر في الأفق ما يشي ببزوغ حرفك .
محبتي لك .
أخي الأديب ورفيق الدرب رشيد الميموني
كم كان بودّي أن يكون هذا الواقع مختلفًا لينضح القلم بعض العسل بدلا من كلّ هذا الكمد.
أشكرك وأتوق دومًا لحضورك وقراءتك. دمت بمحبة.
إن لم يكن أمامنا خيار .. الموت أم الرحيل ؟
فسنرحل.. فالحياة تستحق أن تعاش .. لكن ليس تحت نعال الآخرين ..
لا بد أن يكون في هذه الكرة الأرضية مكان واحد يحيا فيه الإنسان بكرامة ..
شكرا لك أستاذ خيري على هذا النص الرائع
ودمت بخير دائما .
أديب وقاص وروائي يكتب القصة القصيرة والمقالة، يهتم بالأدب العالمي والترجمة- عضو هيئة الرابطة العالمية لأدباء نور الأدب وعضو لجنة التحكيم
رد: على شفا رحيل
اقتباس
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميساء البشيتي
إن لم يكن أمامنا خيار .. الموت أم الرحيل ؟
فسنرحل.. فالحياة تستحق أن تعاش .. لكن ليس تحت نعال الآخرين ..
لا بد أن يكون في هذه الكرة الأرضية مكان واحد يحيا فيه الإنسان بكرامة ..
شكرا لك أستاذ خيري على هذا النص الرائع
ودمت بخير دائما .
الأديبة العزيزة ميساء البشيتي
يبدو بأنّنا آخر من تبقّى من فرسان في زمن العبودية.
إذا لم نتمكن من ممارسة الحياة بكرامة فعلينا أن نترجل. تُرى ما هو العدد المتوقع للترجل كي يحصل عالمنا العربي على الحدّالأدنى من الكرامة والكرامات؟
شكرًا لحضورك، خالص المودّة.
عفوا ,,, لايمكنك مشاهده الروابط لانك غير مسجل لدينا [ للتسجيل اضغط هنا ]
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة خيري حمدان
على شفا رحيل
قال بأنّه شهد الكثير من المجازر والمحارق الجماعية، واستعصى عليه الموت ليشهد نهايات القهر ثمّ استلقى في الحفرة يبكي. أشفقه ملاكُ الموت، قبّل جبينه وأغمض عينيه وانتزع امانة الرحمن ومضى بعيدًا في السموات. لم يبقَ في البئر سوى ذكرى مياه عذبة، جفّت قبل عقد من الزمان. توقّفت حسناوات الحيّ عن الاستحمام في مياهها، توقّفت قوافل العشق عن المرور في مضاربنا، غيّرت وجهتها نحو الشمال، لا ماء في الجنوب
أعجبني هذا المقطع من البوح , شكراً لك أخي أ. خيري , دم بخير و صحة .