التسجيل قائمة الأعضاء



 
القدس لنا - سننتصر
عدد مرات النقر : 137,864
عدد  مرات الظهور : 162,378,768

اهداءات نور الأدب

العودة   منتديات نور الأدب > جمهوريات نور الأدب > جمهوريات الأدباء الخاصة > مدينة د. منذر أبو شعر
مدينة د. منذر أبو شعر خاصة بكتابات وإبداعات الدكتور منذر أبو شعر

إضافة رد
 
أدوات الموضوع
قديم 07 / 09 / 2013, 57 : 07 PM   رقم المشاركة : [1]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

السمان والخريف لنجيب محفوظ

السُّمَّان طائر مهاجر، يستوطن أوربة وآسية،ويهاجر إلى أفريقية ومناطق البحر الأبيض المتوسط،ويسمَّى الفرِّي والسلوى.ولذلك كان رمزاً للهجرة والاغتراب.
ورواية (السُّمان والخريف) لنجيب محفوظ،تناقش مشكلة إنسانية عامة، هي مشكلة الإحساس بالغربة، وعدم الانتماء.
فعيسى الدباغ الوفدي القديم ،الذي تلوَّث بأخطاء قيادات الحكم الملكي، يحال على التقاعد بعد الإطاحة بالنظام الملكي على أيدي الضباط الأحرار عام 1952م، ويتم التحقيق معه في لجنة التطهير التابعة للوزارة،وتثبت إدانته باستغلال النفوذ ، وتورطه في أعمال التعذيب- لم يستطع أن يتلاءم مع العالم الجديد ،وظل بأعماقه ينتمي إلى الجيل الزائل القديم، فعانى مأساة السقوط والخطيئة: أخطأ فسقط، كما أخطأ آدم وسقط من الجنة، فالتمس طريق الخلاص من الخطيئة ولو من خلال الألم والعذاب:
"كنا حزب المثل الأعلى، حزب التضحية والفداء، حزب النزاهة المطلقة.. فكيف أدركتْ روحنا الطاهرة الشيخوخة،كيف تدهورنا رويداً رويداً حتى فقدنا جميل مزايانا ؟".
فقصته قصة الإنسان الضائع الذي وقع في الخطيئة فأسلمته الخطيئة لعذاب أكبر: خرج من جنته السعيدة التي ظنها أبدية خالدة، إلى حياة أخرى أصبح فيها منفياًّ لادور له كما الزائدة الدودية. الدنيا تتغيَّر وآلهته يتفتتون بين يديه، وهو يندثر كالديناصورعملاق الأساطير البائدة، وكالشاي الذي تحتسيه المُقتلَع من أرضه الطيبة في سيلان ليستقر آخر الأمر في مجاري القاهرة ! والماضي الضخم الذي ما زالت أنفاسه تتردد على وجهه تحلَّلَ وشيكاً وتعفن وما بقيت منه سوى رائحة كريهة !
فيحلم بالهجرة،لعله يجد له دوراً في الحياة، أو ينتمي إلى شيء، فتطمئن روحه، وتتخلص من موت الأحياء الذي هو أفظع ألف مرة من موت الأموات،ويتمنى لو كان للمصريين ـ كما لغيرهم ـ جالية في أمريكا الجنوبية ليهاجر إليهم، فلا يجد سوى السفر إلى الإسكندرية،ويقول ساخطاً:- إنَّ المصريين زواحف لا طيور.
فيقيم في مكان لا يعرفه فيه أحد ولا يعرف فيه أحداً ،ويراوده الحلم بتغيير جذري في حياته،لكنه لم يفعل سوى العبث.
أصبح وحيداً، لا يجد الدفء حتى في أسرته.. منفي من الأسرة ، كما نفي الإنسان الأول من جنته. منفي في مدينته الكبيرة، ومطارد بغير مطاردة..انهارت الأرض تحت قدميه فجأة كأنها نفخة من تراب.
ومن جانب آخر،يؤكد محفوظ أنَّ للتطور مآس ومزالق، وقتما يتنكر الجديد للقديم: " أيقن الآن أنه قضي عليه أن يعاني التاريخ في إحدى لحظات عنفه، حين ينسى وهو يثب وثبة خطيرة، مخلوقاته التي يحملها فوق ظهره، فلا يبالي أيها يبقى وأيها يختل توازنه فيهوى".
وفي لحظة سأمه، يصادف عرَّافاً،فيلجأ إليه، كأنه يبحث عن أفق لغده المجهول وعجزه عن إبصار سبل معرفته بأدواته القاصرة. فالعرَّاف هو الوسيلة الأسهل كي يوهم نفسه أنه ينعم بالاستقرار:- لأنْ تبقى بلا دور، خير من أن يكون لك دور في بلد لا دور فيه !
وفي نهاية الرواية يلتقي البطل مع شاب فارع الطول، مفتول العضلات،داكن السمرة، يرتدي بنطلوناً رمادياًّ وقميصاً أبيض يكشف عن ساعديه، وبين أصبعي يسراه وردة حمراء(رمز اتجاهه الفكري اليساري)،ينظر إلى الأمام بوجه مبتسم ،فيكتشف أنه أحد المعتقلين سابقاً الذين حقق معهم في حكومة الوفد،فكأنه صوت شاب يدعوه أن يتخلص من أزمته، وأن يحاول التغلب على جرحه وعجزه ،فهل هو صوت الأمل، أم هو صوت التقدم؟ (مع ملاحظة أن اليسار عند نجيب يعني دائماً : العلم).
إنَّ عيسى الدباغ يحاول أن يلحق بهذا الصوت، لكنه يبدو أنه حلمٌ، أو أنه إلهام داخلي عميق: " وقال لنفسه: أستطيع أن ألحق به على شرط ألا أضيع ثانية فى التردد.وانتفض قائماً في نشوة حماس مفاجئة. ومضى في طريق الشاب بخطى واسعة،تاركاً وراء ظهره مجلسه الغارق فى الوحدة والظلام".
فعيسى جالسٌ في الظلام تحت تمثال سعد زغلول، متمسك بالماضي، في زمن لم يعد لحزب الوفد فيه مكان ،لكنه في اللحظة الأخيرة ينتفض من مكانه ويحاول أن يتابع الشاب المجهول.
** ** **
وقد نشرت السمان والخريف عام 1962م، وأخرجها سينمائياً عام 1967م حسام الدين مصطفى (1926م- 2000م) مخرج الإثارة على الطريقة الأميركية، من بطولة نادية لطفي ،ومحمود مرسي، وعادل أدهم.
** ** **
وسنقوم بعرض شخصيات السُّمان والخريف، ولا نقسمها إلى ثانوية ورئيسة، لأنها جميعها تعطي لمحاً لقوة بلاغة إبداع الوصف عند نجيب محفوظ:
عيسى الدباغ والمرأة في حياته ومن يمت إليهن بصلة:
1 عيسى الدباغ: في الثلاثين من عمره،في الدرجة الثانية.خدم عاماً في سفارة لندن ،وسافر ملحقاً بسكرتارية وفد المفاوضات. يصفه محفوظ وقت حريق القاهرة، الذي اندلع في 26 يناير/ كانون الثاني سنة 1952م في ميدان الأوبرا وسط البلد،فالتهمت النار نحو700 مبنى ومحلا، ودار الأوبرا، وفندق شبرد، ونادي السيارات، وبنك بركليز وغيرها من مكاتب الشركات،وكان التركيز على الأماكن التي يرتادها الملك فاروق والمؤسسات ذات العلاقات بالمصالح البريطانية:النار والخراب والدخان شعارات اليوم الفظيعة، ولكن الخيانة اللابدة في الأركان
أفظع. اختفى الأمن وزحف الشيطان، وتلاطمت أمواج الثائرين الجنونية، فازدرد ريقه مرات، بمعطفه الرصاصي الطويل، ولفظته وقد اختلَّ توازنه واصطكت بساقيه حقيبته، وهو يشدُّ على مقبضها بقوة مستميتة. وفكَّر في المستقبل على ضوء العاصمة المحترقة، فلاح لعينيه كالدخان.وفي الفضاء المكتظ بشظايا الخراب تجسَّد الحزن كأنه وحش قتيل، ونال منه الإعياء فقرَّر أن يشق الطريق إلى مسكنه.
وخيل إليه أن دهراً طويلا سيمضي كالسلحفاة قبل أن يلمح مشارف الدقي في الجيزة.
وعندما زار شكري باشا عبد الحليم في حجرة مكتبه: أحنى رأسه الكبير المستطيل حتى ترامت صفحة شعره المجعَّد أمام عيني الباشا، ثم رفعه مقطباً ليتطلع إليه بوجهه المثلث الذي ينبسط عند الجبين ويضيق رويداً حتى يرتكز على ذقن مدبَّب وجرت عيناه العسليتان المستديرتان على الأثاث الكلاسيكي المجلَّل بالوقار والفخامة وأحزان الوداع فتذكَّر مرثية أنطونيو فوق جثة قيصر. وتطاول في توتر، ثم زفر حتى أرعش أهداب الخوان المخملي.
ولمَّا خطب سوسن ابنة علي بك سليمان، ازَّين كأحسن ما يكون، وتجلَّى وجهه ذو الهيئة المثلثة في أنقى مظهر، وصفت عيناه المستديرتان.
وقف ببدلته الشاركسين الناصعة البياض (والشاركسين: حرير أميركي تصنع منه البدل الفاخرة منذ أواخر الأربعينات)، وضحك وهو يطوِّح برأسه إلى الوراء في حركة خاصة مقلِّداً دون قصد أحد باشوات الحزب.
ولمَّا خلا بها، اقترب منها، وارتفع نصفه الأعلى ابتداء من حاجبيه المستقيمين كما يفعل وهو يتأهب للحديث أو الخطابة، وضمَّ ذقنها بين أصابع يده، وأدار وجهها بلطف، ومال برأسه حتى تلاقت شفتاه المشوَّقتان بشفتيها الرقيقتين في قبلة متبادلة، وارتدَّ وهو يبتسم في سعادة حقيقية.
2 الأم: لمَّا صدر قرار بنقل ابنها من وظيفة مدير مكتب الوزير إلى المحفوظات،رفعت إليه وجهاً نحيلا يشبه وجهه لدرجة كبيرة وبخاصة في هيئته المثلثة ولكنه كثير الغضون، وللشيخوخة في عينيه وفمه ولحييه معاقل، وتساءلتْ وأصابعها المتحجرة تقدس الله على حبات المسبحة الحجازية:- أما لهذه الحال من نهاية تستقر فيها على خير ؟!
واختلجت عيناها الكليلتان في اهتمام، وابتسمت عن طاقم لاح بريقه كياسمينة منسية في حديقة اقتلعت أشجارها، وبدا خدَّاها محتقنين وشبه متورِّمين.
وفي حفل خطبة ابنها على سلوى، بدت تحت غمرة الأنوار الساطعة أنَّ هذه الدنيا لاتنتمي إليها بسبب، رغم الفستان النفيس التي تزيَّنت به ورغم وقار الشيخوخة ورغم ضعف الحواس وبخاصة البصر والسمع الذين أوهنا انفعالها بالجو، فقد لاذت بالانطواء، ولم تحاول في مجلسها أن تمارس أيَّ مظهر خليق بأم العريس، فعنيت سوسن هانم أم العروس بمؤانستها لتذهب عنها الوحشة.
3 سوسن هانم حرم علي بك: في أوساط الحلقة الخامسة، ميالة للمحافظة على ندرة ذلك في طبقتها. لم يبق من جمالها إلا مسحة بسبب مرض الكبد المزمن وسوء حالة الكلية، لكن طولها وعرضها وبهاءها الفطري أورثتها مزايا لا تبيد.
4 علي بك سليمان: ابن خال والد عيسى، مستشار،من رجال السراي، ومن سلالة غنية. كان محامياً وسطاً، فرشحته السراي لوظيفة مستشار في إحدى الحركات القضائية، ولم يُعرف بلون حزبي ثابت، ولكنه اكتسى بشتى الألوان كقوس قزح،ثم انضمَّ إلى حزب الاتحاد في الوقت المناسب، وسار في الركب الملكي حتى اعتلى أسمى مركز في القضاء. ومع أنه يقترب من الستين إلا أنه يتمتع بصحة جيدة وحيوية نادرتين. طويل القامة في استقامة رياضية بديعة. وعيناه السوداوان تحت حاجبيه الغزيرين الأسودين يهبانه جاذبية لا تقاوم.ووقت انتصار الثورة ورحيل الملك، استلقى في فيلته على كرسي خيزران هزَّاز، شاحب الوجه، مغضَّن الجبين بعبوسة ثابتة، وفي عينيه نظرة مريضة خسرت جمالها الطبيعي وكبرياءها المأثور.
5 سلوى ابنة علي بك سليمان: تحب الموسيقى وقراءة أدب الرحلات، متخرجة من المدرسة الألمانية. ليست من فتيات النوادي ولا من معتنقات فلسفة العصر. جمالها بلقاني مغرٍ كالكريم شانتي.
خطبها عيسى، وبعد الثورة فسخت خطوبتها منه،وارتبطت بابن عمه حسن علي الدباغ. فسلوى هي الوطن، والأنثى هي السلطة،ولذلك رفضته وقبلت بابن عمه. ويصف محفوظ يوم الخطبة فيقول: انطلقت زغرودة سمعها كل من في القصر. وطافت سلوى بين خطيبها بجميع الحاضرين قبل أن تتخذ مجلسها المجلَّل بالورود في البهو الأحمر.
جميلة حقاًّ. عيون أبيها رُكبت في وجه بدري شفاف البياض. واقتبست من أمها طولها الفارع البهي وعنقها الطويل النحيل، ولكن انبعثت من عينيها نظرة رطيبة طيبة توحي بالوداعة والخلوِّ التام تقريباً من الذكاء والحرارة. وجعلتْ تتلفتْ نحو أمها بصفة مستمرة كأنها تستلهمها الإرشاد والمعونة، أو أنها تعاني في أعماقها بوادر أزمة الانفصال عنها في خوف وعدم ارتياح. أمَّا فستانها فقد تحدَّث المدعوُّون عنه طويلا، وتساءل عيسى متى يتاح له عناقها ؟! وثمل بسعادة دسمة لحد القلق. وضحكت سلوى ضحكة رقيقة جداًّ، فازداد عيسى سعادة.فتكتمت ضحكة بالعضِّ باطن شفتها، وبسطت بحركة رشيقة مروحة عاجية صغيرة تتكشف صفحتها عن صورة بطة في الماء،وقال عيسى:- لكأنها لا تريد أن تنفصل عن أمها، كأنَّ القابلة نسيت أن تقطع حبلها السِّري في حينه ! فنظرة الاسترشاد أو الاستئذان التي توليها إياها عند مقاطع الحديث تقلقه بعض الشيء.
ويوم قررت الانفصال عنه، لعزم الثورة تطهير الجهاز الحكومي من كافة أنواع الفساد، جاءته في روب من المخمل الأزرق سطع من طوقه وجهها كالضياء. وهو وجه على جماله شحيح التعبير، فاهتز لمرآه قلبه المكروب ونبض فيه الشوق كلحن قلق.
وبرز طرف لسانها ليرطب شفتيها في حركة طبيعية وشت بنسيانها لنفسها، فطرح يده على يدها المبسوطة فوق ذراع المقعد، وجاءه دافعٌ قهراً ليضمها إلى صدره،
فمال نحوها وطوَّقها بذراعه. وعندما رشقته بنظرة مخملية واستسلم جذعها لذراعه
تطايرتْ من كمَدِه شرارةٌ جنسية مباغتة، فانكفأ بوجهه على وجهها، ضاغطاً بشفتيه
المتوثبتين شفتيها الرقيقتين، مذعناً لتحريض شهوة طامحة للعزاء، ولكنها أوقفته
براحة مبسوطة،وأدارت وجهها لتتخلص من هجمته، فانفصلا وهما يلهثان.
6 حسن علي الدباغ: ابن عم عيسى، منافسه على قلب سلوى. في الثلاثين من العمر،من حملة بكالوريس التجارة، في الدرجة الخامسة. يصبح بعد الثورة ذا شأن فتقترن به سلوى.وهو منطلق الأسارير، ربعة، متين البنيان، مربع الرأس، عميق الملامح، عريض الذقن، يمتاز بعينين صافيتين ذكيتين وأنف حاد مدبَّب، يضحك عن أسنان لؤلؤية صارخة بالصحة والعافية.
6 ريري: فتاة من بنات الليل، مائلة للبياض، مستديرة الوجه، ممتلئة الوجنتين، ذات جسم صغير ممتليء، مقصوصة الشعر كغلام، لا تكف عن العبث بأظافرها التي بهتت صبغتها.
أمِّية، على ثقافة في عالمي السينما والراديو، تحفظ أسماء وصور النجوم والكواكب، كما تعرف الأفلام والأغاني والبرامج. ومنذ الصغر كانت شيطانة: مات أبوها في العاشرة، فعجزت أمها عن تأديبها وتهذيبها، ولم يُجد معها الزجر والضرب.
وعند الإساءة لها ينقبض وجهها المستدير الممتليء،وتفتضح آثاره في خديها وشفتيها ونظرتها وانقلاب سحنتها.
مرَّت أمام عيسى بالفستان الكسنور الرخيص والنظرة المقتحمة بلا أدنى تحفظ أوكبرياء، فوضح له شبابها ووسامة لا بأس بها في عارضها وابتذال نظرتها وجوَّ التأهب لتلبية الإشارة الذي يغلفها كأنها كلب مهجور يلتمس عابراً ليتبعه.
ولمَّا ذهب معها عيسى إلى بيته، تفحصها في السرير وهي شبه عارية بنظرة باردة وقلب خامد وازدراء لكل شيء: شفتاها ممتلئتان ومنفرجتان عن أسنان دقيقة مرسومة بعناية، وقد مال رأسها إلى كتفها الأيمن، وفضح النوم حقيقته فبرز جفافه وخشونته وتمرده. ومن التناقض الغريب حقاً أنْ جمع بين أهداب مسترسلة فاتنة وبين كعبين مشققتين كضفدعتين.
ولمَّا جلستْ تثاءبت، ورفعتْ إليه عينين ثقيلتين جميلتين.
وتبدَّت في الثياب الجديدة التي ابتاعها لها مقبولة حقاًّ،وبالغت في العناية بمظهرها، فيكتشف جوانب شبه بينهما، فكلاهما ضحية الواقع الجديد. لكن عيسى يطردها دون رحمة حينما تخبره بأنها حامل منه، فتتزوج من الرجل كبير السن صاحب محل خذ واشكر، وتتسمى نعمات،وتربي نعمات الصغيرة،وتقول له:- أنت جبان،ولا يمكن أن تكون أباً.
7 قدرية: تعرَّف عليها عيسى حينما عرض بيت أمه بعد وفاتها للبيع،فيتزوجها عن غير رغبة. أرادها ليجد رفيقة في وحدته ترضى بحالته الراهنة،تقبل بعيبه:
في الأربعين من العمر. متوسطة الطول، ممتلئة الجسم والوجه، لها عينا بقرة وهدوؤها. وصوتها حلقي مليء كوجهها، لكنه مثير في الوقت نفسه.ورأسها صغير كثير الشعر.
أستاذة في المائدة والملبس، سواء من ناحية الذوق أو الصنعة. أكولة لحد الإفراط، تُغري من يؤاكلها بالإفراط أيضاً. حاصلة على التعليم الابتدائي،لكنْ لم يبق منه إلا قدراً ضعيفاً يُعينها على القراءة السهلة أو كتابة رسالة ركيكة.
ومسلية جداً لإتقانها الألعاب البريئة كالنرد والكونكان، ومولعة بالسينما والمسرح الفكاهي.
وأيضاً هي عقيم، تزوجت ثلاث مرات. وعند الخلاف تكون عنيدة كالبغل.
جلست في هدوء تملأ فراغ المقعد بجدارة،ترمق عيسى بنظرة ناعسة.ولمَّا تزوجا وجدها عيسى متأججة العواطف، فتوجس خوفاً من توثبها إلى ازدراده في أن تجعل منه زوجاً وأباً وابناً في آن، ولعل لذلك صلة بتطلعها الدافق الحزين إلى الأطفال،وإعرابها عن مشاعرها المكبوتة بالسهوم والنظرة القلقة والحركات العصبية الطارئة التي لا تنسجم مع كيانها المليء الرزين.
وبسبب الفراغ والملل واللامبالاة يدمن عيسى القمار، فتزداد حياتها معه تعاسة.
أصدقاء عيسى الدباغ ومعارفه:
1 شكري باشا عبد الحليم: وزير في حزب الوفد. بدا شبه ضائع بجسمه النحيل القصير، ولكن وجهه الصغير المستدير الناعم عكس اكفهراراً مغلَّفاً بهدوء الشيخوخة. وأعلنت بدلته الرمادية الإنجليزية عن أناقة عريقة، واستقام طربوشه الأحمر الفاتح على رأس لم يبق فوق سطحه شعرة واحدة، وقال وهو يدير خاتم الزواج حول بنصره:- سنؤرخ بحريق القاهرة طويلا.
وربت على شاربه الفضي برقة. ومدَّ ساقيه حتى طوَّقتا أرجل الخوان الأبنوسية فاشتد لمعان حذائه الأسود تحت سمت النجفة البلُّوريَّة الرباعية الأذرع. ثم ابتسم عن طاقم نضيد فانحرف أسفل جانبا الفم الدقيق.
وقابله عيسى مرة أخرى، وكان يرتدي بدلة بيضاء من الحرير الطبيعي، مغروزاً في عروة جاكتتها وردة حمراء قانية، وأمامه قدح من البيرة الإستوت لم يبق فيها إلا رغوة كاليود.
2 سمير عبد الباقي: يتجه نحو التصوف، كحيلة هروبية انتمائية. شاب نحيل رقيق،قمحي البشرة، تشع من عينيه الخضراوين نظرة حالمة، لا يُعَدُّ الشيب نادرة في سواد شعره. يبيع نصيبه في بيت قديم، ويشارك خاله - وهو تاجر أثاث- فيصير مدير أعماله وحساباته وشريكاً صغيراً له.قال لأصدقائه، وهم في القهوة:
- الحب في صميمه سلوك لا معقول، كالموت وكالقدر وكالحظ.
وضحك حتى لمعت أسنانه النضيدة،وتجلَّت شفافية عينيه الخضراوين أصفى من السحب الناصعة البياض.
3 إبراهيم خيرت: محام ناجح، عضو مجلس النوَّاب السابق،منافق،يتحمس للثورة بقلمه في أكثر من صحيفة كأنه ضابط من رجالها،يحمل على الأحزاب والحزبية ويطالب بمحو الماضي محواً. وهو لضآلة جسمه وقصر قامته يقعد قريباً من حافة الكرسي ليتمكن من إيصال
قدميه إلى الأرض، ويعقد جبينه في مقدمة رأسه الضخم ليضفي على شخصيته جدِّية تصدُّ عنها الهازلين.
4 عباس صديق: مُنكفيء على ذاته. ربعة، بدين، فاقع بياض الوجه، جاحظ العينين برَّاقهما لحد المرض. أصلع، يوحي منظره جملة بأنه أكبر من عمره بعشرة أعوام على الأقل.
وجميعهم يتفسخون في فضاءاتهم التي طمرها التحديث، نتيجة اقتياتهم على أمجاد الماضي ومراوحتهم بلا فاعلية.

نور الأدب (تعليقات الفيسبوك)
توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 08 / 09 / 2013, 36 : 02 AM   رقم المشاركة : [2]
محمد الصالح الجزائري
أديب وشاعر جزائري - رئيس الرابطة العالمية لشعراء نور الأدب وهيئة اللغة العربية -عضو الهيئة الإدارية ومشرف عام


 الصورة الرمزية محمد الصالح الجزائري
 





محمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond reputeمحمد الصالح الجزائري has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: الجزائر

رد: السمان والخريف لنجيب محفوظ

السمّان والخريف..صفحة أخرى من صفحات المجتمع المصري..وصورة أخرى من صور الواقع العربي عموما...شكرا لك أخي الأستاذ منذر..معك دوما أشعر بالمتعة..وأنتظر توافد أصدقائي الطلبة..
توقيع محمد الصالح الجزائري
 قال والدي ـ رحمه الله ـ : ( إذا لم تجد من تحب فلا تكره أحدا !)
محمد الصالح الجزائري متصل الآن   رد مع اقتباس
قديم 08 / 09 / 2013, 27 : 12 PM   رقم المشاركة : [3]
رشيد الميموني
أديب وقاص ومترجم أدبي ويعمل في هيئة التدريس -عضو الهيئة الإدارية / مشرف عام على المنتديات والأقسام / نائب رئيس رابطة نور الأدب


 الصورة الرمزية رشيد الميموني
 





رشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond reputeرشيد الميموني has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: المغرب

رد: السمان والخريف لنجيب محفوظ

من الروايات القليلة لنجيب محفوظ التي لم أطلع عليها صراحة ..
الشكر كل الشكر لك ايها الغالي منذر على إدراجك لهذه النبذة الضافية للرواية ..
محبتي الأخوية لك دون حدود .
رشيد الميموني غير متصل   رد مع اقتباس
قديم 09 / 09 / 2013, 31 : 09 PM   رقم المشاركة : [4]
د. منذر أبوشعر
محقق، مؤلف، أديب وقاص

 الصورة الرمزية د. منذر أبوشعر
 





د. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond reputeد. منذر أبوشعر has a reputation beyond repute

بيانات موقعي

اصدار المنتدى: سوريا

رد: السمان والخريف لنجيب محفوظ

الحر أخي الأديب محمد الصالح الجزائري صوت الجزائر:
أمير أناقة الحرف الجميل ،أخي الأديب رشيد الميموني:
أعتبر (السمان والخريف) وما تحمله من دلالات، مفرقاً هاماًّ في أدب نجيب محفوظ ، وأراها تتحدث عن شريحة كبيرة من شبابنا اليوم: غربة الذات
وضياع الهدف ،بأسلوب ساحر بديع، يأخذ أبعاده بطريقة فريدة.
والخير كله لكما، ومعكما نواصل متعة المسير.
توقيع د. منذر أبوشعر
 تفضل بزيارتي على موقعي الشخصي

http://drmonther.com
د. منذر أبوشعر غير متصل   رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مهددة, الزمان, والخريف


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
الكرنك لنجيب محفوظ د. منذر أبوشعر مدينة د. منذر أبو شعر 8 11 / 01 / 2014 37 : 02 AM
المرايا لنجيب محفوظ د. منذر أبوشعر مدينة د. منذر أبو شعر 4 01 / 10 / 2013 58 : 10 PM
ميرامار لنجيب محفوظ د. منذر أبوشعر مدينة د. منذر أبو شعر 4 27 / 09 / 2013 39 : 07 PM
السراب لنجيب محفوظ د. منذر أبوشعر مدينة د. منذر أبو شعر 12 01 / 09 / 2013 52 : 02 AM
قصر الشوق لنجيب محفوظ د. منذر أبوشعر مدينة د. منذر أبو شعر 6 19 / 07 / 2013 44 : 04 PM


الساعة الآن 14 : 01 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2025, Jelsoft Enterprises Ltd.
Tranz By Almuhajir *:*:* تطوير ضيف المهاجر
Ads Organizer 3.0.3 by Analytics - Distance Education

الآراء المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الإدارة وتمثل رأي كاتبها فقط
جميع حقوق النشر والتوزيع محفوظة لمؤسسة نور الأدب والأديبة هدى نورالدين الخطيب © ®
لا يجوز نشر أو نسخ أي من المواد الواردة في الموقع دون إذن من الأديبة هدى الخطيب
مؤسسة نور الأدب مؤسسة دولية غير ربحية مرخصة وفقاً لقوانين المؤسسات الدولية غير الربحية

خدمة Rss ||  خدمة Rss2 || أرشيف المنتدى "خريطة المنتدى" || خريطة المنتدى للمواضيع || أقسام المنتدى

|