رد: صباح دافئ و حديث لا ينتهي... د. نوال بكيز
وصلت قبلك بقليل، فوجدتني أغرق في تأملات لا تنتهي، كأن الزمن يتقلص ويتمدد في آن، فيجمع بين الأمس واليوم. هذا المكان، مقعدي المعهود، ليس مجرد مكان أجلس فيه، بل هو عهد على الثبات، على وفاء الروح لما ألفته.
أتعجب في بعض الأحيان من إصرارك على تغيير مقهانا المألوفة، وكأنك لا تعلمين أن الراحة أحيانا تكمن في تكرار المألوف، في رسوخ الطمأنينة التي يمنحها الاعتياد… ألا تجدين في ثباتنا هنا عزاء لا تضاهيه مغامرات التغيير؟
ارتديت اليوم لوني الأخضر، نعم، هو لون لا أمل منه، لون يعكس الجمال والأمل، كنسيم الفجر الذي يداعب الروح. وقد خطرت في بالي لتوّي صورة جلبابك التقليدي الأزرق السماوي، ذاك الذي أضاء لحظاتنا، تماما كما أشرقت شمس ذاك الصباح التي كانت محتشمة في بدايتها، لتنبعث منها ذاك الوهج الدافئ مع الظهيرة، حين كنا نودع بعضنا، تاركات أثرا من نور ودفء لا يمحى.
لقد كان لقاؤنا، كما هو دائما، بلسمًا لندوب الروح، ورشفة من ماء الحياة تروي عطش الأيام. وكأن كل تعب، وكل آهة، قد ذاب في صمتنا المتبادل، في تلك الألفة الأبدية التي تجمعنا. كانت كل لقمة من ذاك الفطور الساحر، وكل رشفة من الشاي المعطر بالنعناع، حكاية قديمة تروى، تقدم عزاء وسكينة للقلب المتعب.
أما فيروز،فكان صوتها مواساة لقلب أرهقه الزمن، لكنه ازداد ح بجمال مشاركتك النقية. لم نكن بحاجة لكلمات كثيرة، فالصداقة الحقيقية تتحدث بلغة الأرواح، تنطق عن سعادة دفينة لا تحتاج إلى ترجمان.
ياله له من يوم مبارك صديقتي ، وقد أتيت فيه بلا سيارة، لأنني، كما تعلمين، بعتها. وكم كان ذلك من جميل الأقدار، إذ سمح لي بأن أحظى بتلك اللحظات النادرة، وذراعك متأبطة ذراعي، نقطع الشارع بثبات، كأننا نقطع دروب العمر. مضى كل منا إلى سبيله، لكن النفس حلقت عاليا، والأحلام تفتحت وردية كفجر جديد.
يا نوال ، يا غالية ، دمت لي نورا ، ودليلا لا يضل، ورفيقة لا تتبدل.
|