ربما لو تتبعنا بداية الدراسة النقدية منذ البداية لوجدنا أننا تعرضنا إلى حضور المرأة في الشعر العربي من خلال العبارة الآتية التي كنت كتبتها (
صورة المرأة في القصيدة حاضرة منذ البداية بين الواقع و المتخيل و الكثير من الشعراء ازينت طلائع قصائدهم بأسماء المرأة .. ) و على غرار هذا الكلام أوردنا مثالا لمحمود سامي البارودي يصف طيف «سَمِيرَة » قائلا :-
تَأَوَّبَ طَيْفٌ مِنْ«سَمِيرَة َ» زَائرُ ** وَمَا الطَّيْفُ إلاَّ مَا تُرِيهِ الْخَوَاطِرُ
و سميرة هي ابنة الشاعر ليصلها نبأ الرسالة حين فاض القلب شعورا وهو بين جدران السجن ليرسم لنا لوحة شعرية راقية في متحف أدب السجون و هي قصيدة من أروع قصائد سامي البارودي و هو في ( سرنديب ).
وحضور المرأة في الشعر العربي ليس جديدا بل كان منذ القديم فالأسماء كثيرة والشعراء أيضا الذين تغنوا بأسماء المرأة كثيرون ،كما نجد أيضا التنوع في الأغراض والأحداث والمناسبات.
فهذا شاعر( تهامي) اشتهر بالقصيدة اليتيمة ( دعد ) :-
لهفى على دعدٍ وما خلقتْ *** إلا لِطُول بَليّتي دَعْدُ
و هذا الصحابي الشاعر (كعب بن زهير) تغنى باسم ( سعاد ) في قصيدته الرائعة :-
بانَت سُعادُ فَقَلبي اليَومَ مَتبولُ*** مُتَيَّمٌ إِثرَها لَم يُفدَ مَكبولُ
و هذا الشاعر (جميل بن معمر) في قصة غرامه مع بثينة :-
أبثينَ، إنكِ ملكتِ فأسجحي، *** وخُذي بحظّكِ من كريمٍ واصلِ
و هذا (قيس بن الملوح) مجنون ليلى في قصيدته :-
يقولون ليلى في العراق مريضة *** فيا ليتني كنت الطبيب المداويا
و هذا الشاعر العراقي ( مسكين الدارمي ) يمدح صاحبة الخمار الأسود في قصيده الإشهاري للخمار قائلا :-
قل للمليحة في الخمار الأسود ***** ماذا فلعت بناسك متعبد
قد كان شمر للصلاة ردائة ***** حتى وقفتي له بباب المسجد
فسلبت منه دينه وبقينه ***** وتركتيه فى حيره لا يهتد
وهذا (نزار قباني) يرثي زوجته ( بلقيس ) قائلا :-
شُكراً لكم ..
شُكراً لكم . .
فحبيبتي قُتِلَت .. وصار بوُسْعِكُم
أن تشربوا كأساً على قبر الشهيدهْ
وقصيدتي اغْتِيلتْ ..
وهل من أُمَّـةٍ في الأرضِ ..
- إلا نحنُ - تغتالُ القصيدة ؟
بلقيسُ ...
كانتْ أجملَ المَلِكَاتِ في تاريخ بابِِلْ
بلقيسُ ..
كانت أطولَ النَخْلاتِ في أرض العراقْ
----------------
و يفتخر نزار قباني ب (جميلة بوحيرد) بطلة الحرية الجزائرية .. قائلا:-
الاسم جميلة بوحيرد
رقم الزنزانة تسعونا
في السجن الحربي بوهران
والعمر اثنان وعشرونا
----------------------
إن ذكر هذه الأمثلة على سبيل الذكر لا الحصر .... خاصة و أن الأسماء كثيرة و الأغراض متعددة و أشكال الشعر متنوعة و طيف المرأة حاضر في الشعر العربي بغزارة تبعا لتعدد الموضوعات و اختلاف العصور الأدبية... و ليس موضوع الحب وحده هو الغالب في الشعر و لكن القصيدة العربية امتزجت امتزجت بروح الأنثى و نبضاتها. لترتقي الصورة الشعرية بين الواقع و المتخيل إلى فضاءات إنسانية جديدة .
كما أن الأسماء الأنثوية التي ذكرناها ارتبطت بذاكرة الشعر العربي و صارت مضرب المثل في الكثير من المناسبات و لأنها أيضا نابعة عن قصص أو حوادث اعترضت الشاعر ... لتفيض القريحة و تنتفض الروح معلنة جمالية الحرف و الشعورفي أسمى و أجمل القصائد الشعرية .
و هذا الشاعر الفلسطيني (طلعت سقيرق) يتغى باسم أنثوي ( هدى ) .. قائلا :-
غريب هدى !!
أن أهز سرير المساء
بفضة عمري و ناي من الذكريات
غريب هدى
أن تنامي كوردة عشق
على راحتي و أن أستحم بنغمة آه
و أنت هناك بتلك الديار
---------------
فلماذا اسم ( هدى ) في قصيدة ( غدا تعرفين) للشاعر طلعت سقيرق ؟
أولا هو اسم من المسميات التي نطلقها على المرأة .
وله دلالاته الكثيرة في معاجم اللغة و من الدلالات مايلي :-
هُدَى: مصدر هَدَى
الهُدَى : النهارُ
الهُدَى : الطَّريق ، الشَّريعة لقوله تعالى ( قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى)
من الآية 120 من سورة البقرة
الهُدَى : الرَّشادُ
الهُدَى : الدَّلالةُ بلُطفٍ إِلى ما يوصّل إِلى المطلوب
الهُدَى : الطاَّعة لقوله تعالى ( أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ)
من الآية 90 من سورة الأنعام